لشندي المدينة بوابتان لدخولها ومعرفة انسانها البوابة الأولى الرجل الفنان عبد الرحمن بكراوي الشاعر والمسرحي، والبوابة الثانية جمال الدهيسابي الشاعر الفنان والمعالج للمرضى بالدواء والكلمات وقد مشيت معهم كثيراً من المشاوير للتعرف على حضارة السودان في البجراوية والنقعة والمصورات وقد أدهشني الدهيسابي بأشعاره وأنا أقلب أوراقي القديمة وجدت فيها ديوانه الرائع آلاء «محاولة النقش على أجنحة الصدى» وأحاول أن أشرك القارئ الكريم في أجزاء منه نقرأها معاً:- يا آلاء الطير يرك ينقر مخي يأكل رأسي يقتات خواطر نفسي رأسي تنبض تحتي عيني تنظر تبصر أشهد أني ما أذنبت ولكن فرضاً حسبي أنى أعشق حور البحر السحري ماء الصبر المر وصوت الطيرالحر صفاء النهر العذب مرايا النفس وسر الماء انه جمال شعري يشدو به جمال الدهيسابي في صور شعرية تنم عن ملكة شعرية تسربلت بجمال الروح في مرايا النفس وارتباطها بصفاء النهر العذب وهو يهدي الديوان إلى اعتماد ابنتي أدخلي محراب الشعر لك هذا الجهد فانتصرى، واعتقد ان الانتصار بالشعر عند الدهيسابي هو قيمة ثقافية ومنطلق معرفي نحو آفاق جديدة ويتضح ذلك في مدخله للديوان لابن سهل الصوفي:- ولا هممت بشرب الماء من عطش الا وجدت خيالاً منك في الماء فلنتأمل الأبيات التالية للدهيسابي:- الشعر جنون الفرس العاصي كرب ينفخ بوق الظلم يؤجج نار الحرب سفه سعيك خلف الدرب لا تكتب شعراً اني ناصح لا تسكب نحاس الشعر بنيه عذار حي جئن إليك بكين جهارا لا تفضح سر القلب وأقول كأن الشاعر جمال الدهيسابي في الأبيات السابقة وكأنه يقتدي بالشاعر البرازيلي رود لردي كارفالو عندما يكتب عن الشعر:- حدق إلى الحياة أولاً وأمعن النظر فيها بحنان وأرن إلى الحياة متحدياً ضاحكاً أو باكياً عندئذ دع قلبك يتكلم لذلك أجد أن المعاني الشعرية عند الدهيسابي تحقق العاطفة الجمالية، وهذه هي القيمة الحقيقية للشعر وان روح الشاعر تتجسد من خلال كلماته، ويقول في ومضة في بداية الديوان اني بحاجة إلى مظلة من الروح وبحاجة لشئ عن معرفة البحث عن العدم وما كنت بحاجة لمعرفة الشعر غير انه فرض نفسه علي، ويقول سمني ما شئت شاعراً أو غير شاعر فما قصدت التقديم لك انما هي مرارة الايضاح، مثلما انها عفوية الخاطر في لحظة لاوعي أفردتها أمامي ثم أمامك حتى تمثل الوعي الكامل ولا أدري حتى الآن أين يكمن عمق الشعر الشئ ، وأقول للدهيسابي يكمن العمق في الدواخل بناءً معرفياً ويتشكل في الخارج أحرفاً وأنغاماً وشدواً جميلاً بالشعر المحسوس والجمال المنطلق من العمق الانساني ليشكل سموات يهتم بها الأدباء والمبدعون وأنت واحد منهم شكلت الكلمة حرفاً ونغم شعر وموسيقى ودوزنت الاشياء وتلك حكاوى الجدة التي تقول لك:- في ليل الرابع من شوال الابيض حور البحر ستحمل في الاحشاء جنيناً من بلور فتاة تخرج من كورال النهر حمام يهدل فوق صوارى السور تفتح برزخ كوخ النار محار الأبد المسحور تراقص ظلك تمشي خلفك فوق ركام الموج طيوفاً من أسحار فتاتك هذي يا ولدي تقتل منها بين الجمع وألف سهام تغزل صدرك تفجع قلبك فالشعر لدى الدهيسابي تجربة لذلك نجد عند القراءة ان التجربة تثير انفعالات وأفكارا وتجربة أقصد بها «القصيدة التجربة» وكنموذج في الشعر السوداني أتذكر قصيدة الشاعر عمر عبد الماجد رفيق درب الشاعر محمد عبد الحي تمائم من طقوس القبيلة.. ومنها:- في نشوةالتصوف العميق والهيام «عوليس» تاه في بحار الشوق والغرام ولتجربة الدهيسابي الشعرية أنفاس ومسارات وحوارات مع آلاء ومع الكون بكل موجوداته وبجماله وتصوفه:- مس الغيب غمام الليل وبانت سعدى خلف حجاب الليل ودقوا الطار وشيخي طار وغاض السيل قبور شيوخي شعت دقت باب الموتى همت نحوي تأتي حتى صحت فلا لا.. لا تأتي لا يشيخي حي جسمي إلا أني روحي طافت حول الليل وطابت بين القوس وأدنى بيني وجيب القلب قباب الذكر نداء يا آلاء شيخي أحمد يا ياقوت السبحة جنت دقت طبل الليل فكاد يموت قل لي كيف جنون الذكر ما أروعك الدهيسابي شاعراً فشعرك عذب مغتسل بما آلاء ومرتوى من نبع خالد من الأحرف والكلمات من أرض المسيكتاب وأنت تتشكل شاعراً وصحفياً وقاصاً وقصصك التفكير خارج الزمن يتداولها الناس والمرأة وقرص الشمس وكيشي حشري من قصصك الرائعة.. وان دواوينك تدل على شاعريتك وهي صرخة في نفق مهجور وضليتي الطريق وبت ناس أحمد وحفنة صمت ووادى الصدى الأخير والمدى وأقول لك الشاعر الدهيسابي وأنت تغرس قلمك في عالم الشعر تقودنا للقوافي الحقيقة لعالم آلاء وماء آلاء واشجارها وان هذا الديوان أوضح وأبان جودة شعرك ويتضح ذلك من خلال التقديم الذي احتقبه الشاعر خالد فتح الرحمن ويقول انها آلاء الدهيسابي:- فيا أرق القارئ أقدم ويا وجد الهائمين قد بلغت مرتقاك فالزم ويامحاذير الكتابة إلى حيث تشائين الرحيل فغادري يأكل من تفتن في خيال الظفر بكلام جديد.. ويذكر الشاعر خالد فتح الرحمن ان جمال الدين الدهيسابي، صوت التجاذب المجاذبة بين الجديد والقديم بين الدهشة والادراك بين جدب هذا الزمان وآمال شعرائه.. وان الشاعر جمال الدهيسابي يقول اشياء جديدة:- نفسي تبحث عن عقلي عقلي يبحث عن قلبي قلبي يبحث عن روحي روحي تبحث عن بدني بدني يبحث عن وطني والدهيسابي يصور آلاء شعر سرمدياً اختطه يراعه في فن وجمال واستغراق:- اغرق كلى ينزع جلدي عني يلبسني جلد النور فأمشي في خيلاء تشع ثيابي السندس يقطر مني سحراً وبهاء