٭ سألني سائل بعد المقال الأول تحت نفس العنوان بعاليه والذي نشر بالعدد «1156» الجمعة 9 سبتمبر 1102م والذي مايزنا فيه ما بين عبقرية المصطفى صلى الله عليه وسلم السياسية وما بين امانته المطلقة بالتبليغ كوحي يوحى من لدن شديد القوى. ً- سأل وهل هنالك في الاسلام فرق ما بين الدين والسياسة؟ ام هي امشاج واحدة لا انفصام لها؟ نعم هنالك فرق! كيف ذلك؟ في شأن العبقرية السياسية التي اتسم بها المصطفى صلى الله عليه وسلم دونما غيره عبر كل الحقب التاريخية، حتى قبل التبليغ بالرسالة المحمدية. - كانت هنالك لحظة فارقة بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي. فالمصطفى الحبيب «ص» لم يواجه بموقف عصيب كذلك الموقف الذي اتخذه الصحابة رضوان الله عليهم يوم لاذوا بالعصيان المدني وقبعوا بخيامهم رافضين لتلك العبقرية السياسية، وهذا من حقهم بشرع الديمقراطية- سياسة حالت بينهم وبين زيارة بيت الله معتمرين، نزولاً على اتفاق «صلح الحديبية» السياسي والذي رأى فيه الصحابة «ر» ما عدا سيدنا ابو بكر الصديق «ر» الذي يصدقه في كل شيء افلا يصدقه سياسياً. اذ رأوا فيه اذلالا لهم وخدشا للهيبة «الدينية التي دونها الموت في تلك الدنية». - واللحظة الفارقة ما بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي حين اشتد الكرب واضحى الناس معبئين بدوافع الحرب بالخيام لائزين وعن السياسة متمردين وهم يرون خير من ارسل للبشرية «ص» حين خرج من خيمته للتحليق والتقصير والنحر ايذانا بالرجوع الى المدينة نزولا واحتراما لعهد قطعه المصطفى «ص»، ولم يخرج لذلك معه احد من الصحابة المعبئين بزعامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. واللحظة الفارقة هنا تتمثل في الاستشارة طلبا لحل الاستنارة! فهل يستشير خالقه الذي بعثه رسولا محمودا والذي ليس ما بينه «ص» وما بين من ارسله حجابا وستورا، لسؤال الصحابة «ر» قائلين: يا رسول الله اننا لا ندري ما نقول في الصلاة! ولما كان «ص» الا وحيا يوحى، وما اسهل الاستفتاء في ذلك، ولكنه «ص» لم يجبهم انتظارا حتى يأتي الجواب من السماء «يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون»، ولقد جاء الجواب بقدر سؤال الخطاب من لدن خبير عليم بمكنون الالباب. ٭ واللحظة الفارقة هنا بالعدل الذي هو أقرب للتقوى لما كان الشأن شأناً سياسياً لا دينيا كان لا بد للسياسي العبقري الاول والاخير «ص» ان يلجأ لافضل مستشار سياسي انشادا للمشورة السياسية النصوحة، وكان هذا الفضل لدن حليلته السيدة الفضلى ام سلمة رضي الله تعالى عنها حين سألها عن هؤلاء القوم المتمردين وبالخيام لائذون، يا ام سلمة ما بال هؤلاء القوم؟ وتجيبه بالحنكة السياسية الحكيمة قائلة: يارسول الله بهم ما بهم فدعهم حتى الغد، وبالفعل اتى الغد بارخاء كل شد، اذ الغربال الجديد له شده. وبعد ذلك خرجوا من خيامهم مقصرين ومحلقين وناحرين لبدنات جلبوها معهم، اقتداءً بالعبقري السياسي «ص» الذي صدق فيه قول «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة» وكيف تكون التربية السياسية السليمة بغير ذلك هذا اذا ما اعتبرنا الوطن هو الام الرؤوم لنا. - وما برح زعيم المعارضة السياسية لخير رسل البرية «ر» و«ص»، يردد حتى لحظة موته قائلاً: ما زلت اصلي واصوم وانفق واعتق وادعو الله ان يغفر لي ذاك الموقف! وهل يستدعي الامر غفراناً في شأن سياسي لا ديني لمن يستتاب؟ اذن فلا ذنب من اصله يا ابن الخطاب. والعاقل هو من استشار قبل ان يختار. الخلاصة: نخلص من كل ذلك وغيره، في تقديري الخاص بالا ايمان من لا اقتداء له بخير من ارسله الله لكل البرية «ص» ان كان في الجانب الديني او في الجانب السياسي، فالسياسة متى حسن توظيفها لاضحت الخادم الامين للدين. فطبت حياً وميتاً يا من كنت لنا الاسوة الحسنة وبجهلنا لم نقتد. - استدرك السائل قائلا:لكنهم يقولون لنا عكس ذلك! - يا اخي دعهم وما يقولون، واجعل من قولهم هذا مادة خام لمصنع فكرك انت واخضع للتحليل والتعليل المعملي الخاص بك ثم فكر وقدر لتهتدي كي يساعدك الله على الهداية.