«قدم الشاعر ليوبولد سيدار سنغور هذه المحاضرة عن الزنوجة او الزنوجية كما اسماها المترجم موريس جلال - زائير عام 1968م».. ان اخترت ان احدثكم اليوم عن الزونوجية فمرجع ذلك: /1 اولا الى ان هذا الامر مشكلة حيوية بالنسبة لنا، نحن الزنوج الافارقة، فما عسى ان يكون هدف الحياة لدى الفرنسيين على سبيل المثال بمعزل عن الحضارة الفرنسية، ولدى الانجليز بمعزل عن الحضارة الانجلوسكسونية، ويعود ذلك ايضا الى ان مفهوم الزنوجية الذي لم يكن وجودها.. يلقى معارضة شديدة، يعارضه الناطقون باللغة الانجليزية من الزنوج الافارقة، والحال في هذه سأباشر بالاجابة على هؤلاء قبل أن اطرق صلب الموضوع. /2 القى السيد صمويل ألن محاضرة مقتضبة في جامعة انديانا «اكتوبر 1966» واستهلها بقوله التالي: «ان التشديد على مفهوم الزنوجية في مؤلفات الادباء الناطقين بالفرنسية قد اوحى بقوة مضادة تتجلى بنفس الاندفاع والزخم وترفض هذا المفهوم، والرافضون هم المتمرسون النيجيريون في فن الكآبة وبصحبة شركائهم الغانيين، قاوموا بشدة ما يبدو لهم امبريالية ثقافية، يفرضها مقتدر اجنبي، اي افريقيون ناطقون باللغة الفرنسية. وقد لخص السيد وولي سوينكا ردة فعلهم في ملاحظة له غالبا ما تذكر، الا وهي «ان النمر لا يتبختر متنمراً هنا وهناك ومتبجح? بنموريته، فليس بالتالي من سبب يدعو الزنجي الى اعلان «زنوجيته». /2 ومختصر القول إن بعض زملائنا النيجريين والغانيين - لا جميعهم لحسن الخط - يأخذون علينا اننا نستخدم مفهوم الزنوجية لكي نفرض عليهم امبريالية ثقافية فرنسية، وبتعبير أدق يأخذون على الحضارة الفرنسية، من خلال اشخاصنا، ولعها وهوسها بالتجربة والثيمانية، ويرون أننا نقتصر على إعلاننا الزنوجية والمناداة بها في أعمالنا دون أن نحقق بالفعل اعمالا زنجية اصيلة. /3 نجيب بادي ذي بدء بما يلي: لو كان السيد انجيل ميغاليليه والسيد وولي سوينكا يتكلمان الفرنسية ويكتبانها بطلاقة، لكان حكمها اوفر اقناعا، ولا ريب في هذا، أما إصدارهما حكما على قصيدة من خلال ترجمة نقلتها الى لغة اجنبية، فيشير إلى انهما لا يفقهان شيئا في الشعر، بيد أننا سنجيب بما فيه المزيد من الجد والرصانة. اذ نذكرهم بأننا، خلال الثلاثينيات «1931 - 1935»م حين باشرنا حركة الزنوجية، فقد كان بعض الزنوج الناطقين بالانجليزية ونتحدث بالضبط عن زنوج امريكيين «زنجيكين» قاموا قبلنا هم ايضا، بحركة «النهضة الزنجية» وتماما في عام 1903م، اعلن المحرك الرائد لهذا التيار الفكري و 50.0 . دبوا W.B.dubis ما يلي: «انا زنجي ازهو بهذا الاسم وافخر به، واعتز بالدم الاسود الذي يتدفق في عروقي». وإبان دراستنا نحن «سيزير» و «داماس» وكذلك انا، كتب لانجستون هيوز الى مجلة الامة في 23 يونيو 1926م، ما يلي: «نحن منشئ الجيل الزنجي الجديد، نتوخى التعبير عن شخصيتنا السوداء دونما خجل ولا خشية، اذا اعجب ذلك البيض فنحن في غاية السعادة، واذا لم يعجبهم فلا اهمية لذلك». فنحن نعرف أننا جميلون ودميمون أيضاً، فطبلنا التمتام يبكي، والتمتام يضحك، إن راق هذا لمن هم من الملونين فنحن في غاية السعادة، وإن لم يرق لهم فلا أهمية لذلك.. انما للمستقبل نبني معابدنا، معابد متينة، كم نعرف كيف نبنيها، وهذا الأمر في طاقتنا... وها نحن ننتصب على قمة الجبل، أحراراً بأنفسنا. /4 أود هنا أن نلاحظ التعبير بترجمته الحرفية «فشخصيتها ذات البشرة السوداء» وهذا التعبير أشد حسية وأوفر عرقية من كلمة «زنوجية» ولكن ثمة غير هذه التصريحات العلنية، هنالك روايات مزدهرة يانعة ولا سيما قصائد واوفرها روحا كلود ماك كيه ولانجستون هيوز وكاوني كالي، وجان توصر ولها من العيوب ما يلومنا عليه سوينكا. اعني بذلك التعبير عن شعر شعبي وجماعي، ومن المؤكد أن الشعراء الذين نعنيهم يتحدثون بأنفسهم ومن أجلهم، معبرين عن مشاعر شخصية، غير أنهم في آن معا وبخاصة يتحدثون من أجل شعبهم، ومع شعبه كل واحد منهم يقول: كل تمتامات الأدغال تقرع في دمي وكل الأقمار البرية والمتيمة بالأدغال تتألف في نفسي ويعتريني الخوف من هذه الحضارة الشديدة القسوة والشديدة القوة والشديدة البرودة. هكذا قال لانجستون هيوز. 5/ ونسلم بأن شعرنا شعبي وجماعي، بل أفضل من هذا لنفرض أننا نتخذ من الزنوجية موضوعاً أساسياً خاصاً بالبشرة السوداء، كما يلومنا على هذا المنحى الناطقون بالانجليزية، وهذا المنحى صحيح وحقيقي، فما يبقى على نحو خاص هو أن المثل يأتينا من غيرهم ايضاً، وما يبقى صورة خاصة هو ان المثل يأتينا من افريقيا الام، من افريقيا المنبت والينبوع.. وان كان ثمة امبريالية لا بد من تقريعها وتعنيفها فليس هي الامبريالية الفرنسية، بل قد تكون الامبريالية الزنجيكية، اي الزنجية الامريكية، وبالتأكيد الامبريالية الزنجية الأفريقية «الزنجيكية? اي التقاليد الافريقية نفسها.. ولدي في مغلفاتي وبطاقاتي ما يقارب مائة من القصائد التي تغنى بالبشرة السوداء، او التي تتغنى بالاغنية، اعني القصيدة، وانما هو ايضا هذه القصائد التي تتخذ موضوعها الاساسي الخاص من اللون او من فن القصيدة والعروض. وبالتالي أرفض ما يقال ألا وهو أن الشعراء الشعبيين في إثنيتي، هؤلاء الذين كانوا يجهلون القراءة والكتابة، هؤلاء الذين ما كانوا يفقهون اللغة الفرنسية، قد خضعوا لتأثير الامبريالية الفرنسية.. عديدة هي إذن القصائد التي ترسم لنا صورة البطل المثالي، فهو فارع القوام ضامر الكشح والتكوين وسواد بشرته سواد نيلي: «الرجل ذو البشرة السوداء الجميل وعيناه مغلقتان الجميل في حلبة القتال غير ان نص سيزير أوفر أناقة واشد ايقاعا، ويكتب هكذا، الحقيقة تعني كلمة «بك» اكثر من جميل، فهي تعني «تناغم مع - منسجم مع»، ويعني هذا ان الجمال عندنا هو التوافق والتناغم والانسجام. أما المديح في القصيدة التي تنشد فغالباً ما نجده في المنافسة الشعرية: لن تكون أمسيتي منعزلة فأنا أعرف الأناشيد من فن الرياضة وحركاتها أنا ليث - لات - دبور معشوق الشعب وحبيبه بطل «كوما» /6 ولكي ننعش السرور في قلب وولي سوينكا نود بطيبة خاطر التصريح بأن الادب الزنجي الافريقي ولا سيما الشعر والناطق باللغة الفرنسية ينبجس على نحو مباشر من الينابيع الأفريقية «الزنجيقية»، وأحياناً عن طريق الأدب الزنجي الأمريكي، ونتمثل الحقيقة بأن زملاءنا الناطقين باللغة الانجليزية يجعلون من أنفسهم ادوات لامبريالية يصمتون عنها، ولمنافسة فرنسية انجليزية قديمة، ينبغي لنا تجاوزها في هذه الأيام من القرن العشرين، قرن العالمية والشمول. /7 أما نحن فلا نرى في الأدب الزنجي الأفريقي .. الناطق باللغة الانجليزية أدباً مزاحماً، بل أدباً شقيقاً، فهو مضمار اضافي للزنوجية ، وهو هنا جوابنا الأخير لزملائنا الناطقين بالانجليزية، ولئن خضعوا لتأثيرات الأدب الانجليزي، والأمر هنا طبيعي فقد قاموا بردة فعل، بصفتهم زنوجا، كما حاولنا أن نفعل نحن حيال التأثير الفرنسي، وهنا ما هو مهم وجوهري، وبالتالي يكون جوابنا النهائي «إننا لن نقدم على تقريع الأدب الزنجي الأفريقي الناطق بالانجليزية، بل سنلقنه لطلاب جامعاتنا وعلى الأقل جامعة داكار «عصامة السنغال».