وصل ماراثون الحوارات والمشاورات بين الحزب الحاكم والحزبين الكبيرين حول المشاركة فى السلطة وبرنامج الحكومة القادمة، وصل اخيرا الى محطته الاخيرة. إذ لم يترك المكتب السياسي لحزب الامة أمس الاول فسحة من وقت امام قيادات حزب الرئيس «لتفاهمات اللحظة الاخيرة» فقد اعلن من فوره قرارا باجماع اعضائه يرفض المشاركة في الحكومة العريضة المقترحة، واشار المكتب السياسي للامة فى بيان توضيحي: لا مشاركة إلا على أساس الأجندة الوطنية. فيما اوصد الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل»، باب التفاوض مع المؤتمر الوطني حول المشاركة فى الحكو?ة بشكل (نهائي)، قائلا انه وصل الى طريق مسدود مع الحزب الحاكم بشأن حصة الاتحادي من الحقائب الوزارية. وابلغ مسؤول الاعلام في الأصل علي نايل » الصحافة» عقب انفضاض اللجنة المعنية بالحوار حول المشاركة بين الحزبين مساء امس الاول، ان حزبه اغلق باب التفاوض نهائيا وابقى عليه مواربا فيما يتعلق بالبنود الوطنية الاخرى التي يشتملها. اذن لم تعد من مساحة للشك فى ان المؤتمر الوطني سيشكل حكومته القادمة بمعزل عن القوى السياسية الرئيسة. اذ سبق وان بادر حزبا المؤتمر الشعبي والشيوعي منذ فترة مبكرة برفضهم المشاركة فى الحكومة العريضة، ولم يدخل الحزبان منذ البداية نفسيهما فى مسارات الحوار المتعرجه بين الحزب الحاكم والقوى المعارضة الهادف من جانب المؤتمر الوطني، بحسب مراقبين، الى تليين المواقف وتهدئة المشاعر وجبر الخواطر، فضلا عن كسب الوقت. فالمحلل السياسي د. اسامة عبد القادر يؤكد ان الحوار بين الاطراف الثلاثة الوطني والامة والاتحادي لم يكن لي?ل الى نقطة تلاقي لان الاجندة المطروحة من قبل الحزبين المعارضين لا تجد هوى عند الحزب الحاكم، كما ان الخلاصات التي توصل لها الجميع لم تكن تحمل غير تأكيد عدم جدوى مشاركتهم معا فى حكومة واحدة. ويشير الاستاذ فى الجامعات السودانية الى ان برنامج الحكومة المقبلة معلن وليس خافيا على احد، فكيف يمكن لحزب يؤكد باستمرار عدم تنازله عن برنامجه ان يقدم على «السماح المؤثر» لآخرين على برنامجه بالافساح لهم بمشاركته فى السلطة. بيد ان القيادي الاتحادي عثمان عمر الشريف قال للصحافة ان الحوار مع الوطني لم يكن يستهدف غير تحقيق الاجندة الوطنية المتفق عليها من قبل كل القوى السياسية، واشار الشريف الى ان حل الازمة الوطنية المستحكمة لا يمر الا عبر اجماع على هذه الاجندة، وهو الامر الذي تحقق بنسبة 90% بين اغلب الاحزاب والمكونات السودانية المختلفة، فيما عدا المؤتمر الوطني. ورفض القيادي الاتحادي ان يتم التعامل مع الحوار الذي جرى بين حزبه والوطني على انه مضيعة للزمن وتحصيل حاصل، مشيرا الى الجهود الفائقة التي بذلت لاعداد الاوراق حول كافة جوانب?الحوار، ومذكرا بالنقاط المهمة التي شملها مثل الدستور واجهزة الحكم وقضايا دارفور والهامش. وبين امين التنظيم بالاتحادي الاصل ان قضية المشاركة فى السلطة ليست بالاهم لدى حزبه، بقدر الاتفاق حول الاجندة الوطنية، لانها الاهم لدى قيادته ولدى قواعده وجماهيره العريضة. وظل حزب الامة من جهته الاكثر تمسكاً بمبدأ الحل السياسي السلمي الشامل، والاشد رفضا لاستخدام العنف فى عملية التغيير، ودفع الحزب ثمن موقفه هذا طيلة فترات الحوار مع الحزب الحاكم غاليا، ومع ذلك يشير نائب الامين العام للحزب د. عبد الرحمن الغالي فى حديثه ل» الصحافة» الى ان الامة لم يشارك طيلة تاريخه في اي نظام شمولي بحلول جزئية، مؤكدا ان الحوار مع الوطني استهدف فقط ومنذ البداية القضايا القومية المعلومة للجميع، وذلك كما يقول الغالي لان الدستور الحالي انتهى و شرعية النظام القائمة على نيفاشا ودستورها انتهت ولابد م? وضع دستور جديد ولابد من الاتفاق على برنامج قومي بين الجميع يقوم بحل مشكلة دارفور بدفع إستحقاقات و مطالب اهل دارفور المعروفة والمشروعة المتمثلة في الاقليم الواحد و حقهم فى الحكومة المركزية و الثروة والتعويضات العادلة للمتضررين الى آخر المطالب التي نعلمها جميعاً . برنامج يحقق التحول الديمقراطي الكامل الشامل ويعترف بوثيقة حقوق الانسان ويقيم مفوضية مراقبة لحقوق الانسان وكل اركان الدولة الراشدة . و التعامل بواقعية مع المحكمة الدولية لاحقاق العدالة . واضاف (قلنا في حزب الامة لابد من معالجة الازمة الاقتصادية?بطريقة يقبلها الشعب السوداني. ثم من بعد ذلك انجاز حكومة قومية انتقالية بإشراك كل القوى السياسية، والانتقال من وضع آحادي إقصائي الى وضع يكون فيه السودانيون هم سادة انفسهم). ولم يكن موقف الحزبين الكبيرين الماثل من المشاركة فى السلطة، مفاجئا للقوى السياسية الاخرى، اذ يقول القيادي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر ان مجريات الحوار بين الامة والاتحادي والحزب الحاكم كانت تؤكد انهما سيرفضان المشاركة. ورأى عمر ان المؤتمر الوطني كان يستهدف من ذلك الحوار اشراكهما باي صورة فى حكومته التي تنفذ برنامجه الذي ادى الى فصل الجنوب واشعال الحرب فى جنوب كردفان والنيل الازرق، والذي ايضا يقود مجمل البلاد الى الهاوية. وامتدح القيادي الشعبي موقف الحزبين الكبيرين وقال: هذه احزاب لها تاريخ كبير، وما كان امامه? الا ان تغلق ملف الحوار، بعد ان اكتشفت انه يهدف لتوريطها فى المشاركة فقط. واضاف (انها لو قبلت لاصبحت جزء من الازمة ولضاعت معالمها وقيمها الديمقراطية للابد). اذا فقد دخلت الاحزاب الحوار مع الوطني باجندة واضحة رغم علمها باحتمالات فشل الحوار فى الوصول الى نهايات مرضية للجميع، وهذا كما يقول قيادات الامة القومي والاتحادي الاصل: انطلاقا من مسؤوليات الحزبين الكبيرين الوطنيين تجاه البلاد وشعبها. فماذا ستكون خطوتهما القادمة استنادا على ذات المسئوليات وترتيبا على نتائج الحوار بينهما والحزب الحاكم المعلنة الآن. يعود القيادي الشعبي ليرد بان الامة والاتحادي» ماشين فى اتجاه استراتيجية التغيير» ويضيف: القوى السياسية جزء من هذه الاستراتيجية. ويتوقع كمال عمر ان يساهم الحزبان ?لكبيران مساهمة فاعلة ومؤثرة فى عملية اسقاط النظام. مبينا ان خطوة الامة والاتحادي: «شاركت بوضوح فى عزل النظام، وسهلت مهمتنا فى التغيير»، توقعات القيادي المعارض ربما تتسق مع تأكيدات لا لبس فيها وردت فى ذات البيان الصادر من حزب الامة القومي، باتباع الحزب المعارض لنهج الجهاد المدني فى المرحلة القادمة: «من اجل إقامة نظام جديد يلبي تطلعات الشعب السوداني المشروعة».