5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني إسراء سليمان تبهر المتابعين بإطلالة جديدة بعد عام من الغياب والجمهور يتغزل: (ملكة جمال الإعلام وقطعة سكر)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية المتابعين.. الصحفي إبراهيم بقال يتجول رفقة بعض أفراد الدعم السريع داخل مكاتب الولاية وهو يحمل رتبة "فريق" وينصب نفسه والي لولاية الخرطوم    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    المريخ يوقِع عقداً مع شركة (Sport makers)    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    مليشيا الدعم السريع تجتاح قرية البابنوسة شرق مدني وتقتل وتصيب 8 أشخاص    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    تعرف علي أين رسم دافنشي «الموناليزا»    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صندوق النقد يهدف لوقف التنمية في البلاد الفقيرة لكي يسترد للأغنياء ديونهم ويفتح لهم أسواقها
البروفيسور محمد هاشم عوض:
نشر في الصحافة يوم 12 - 11 - 2011

لا يحتاج الفقيد الراحل البروفسيور محمد هاشم عوض إلى تقديم، فهو أحد الاقتصاديين الأفذاذ الذين تركوا بصمة واضحة في حياتنا. وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، تعيد «الصحافة» نشر حوار أجرته معه جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية، ونشر فيها بتاريخ 7/12/1989م. ولعل هذا الحوار يكشف الرؤى الثاقبة التي كان يتمتع بها الفقيد الراحل.
٭ بعد تقديمه محاضرة في المؤتمر الوطني للإنقاذ الاقتصادي عن مشكلات الاقتصاد السوداني أصبح اسم البروفيسور متداولاً في كل بيت سوداني.
وهذا الحوار الاقتصادي السياسي يحمل في ثناياه مواقف محارونا واهتماماته المتعددة، فالبروفيسور محمد هاشم عوض أحد أبرز الاقتصاديين السودانيين إن لم يكن أبرزهم، وصاحب معرفة وخبرة نظرية وعملية عن أداء الاقتصاد السوداني. وهو أستاذ الجامعة الذي هجر الوظيفة المرموقة ليعمل وزيراً للتجارة والتعاون والتموين في عهد النميري، ومن ثم أثمرت وزارته أن التعاون أصبح قطاعاً مهماً في الخريطة الاقتصادية.
ودلف إلى علاقات الإنتاج ساعيا إلى الخروج برؤية سودانية. وعقب انتفاضة أبريل 1985م مارس الصحافة قليلاً ثم لزم الصمت طويلاً.. وأخيرا شارك في مؤتمر الإنقاذ الاقتصادي وخص «الشرق الأوسط» بهذا الحوار.
والبروفيسور محمد هاشم عوض معروف منتصف الستينيات بأنه من أشد المعارضين لسياسات صندوق النقد الدولي في دول العالم الثالث كافة، ولم يكتف بالمعارضة وحدها، بل أنه يقدم البدائل أيضاً كما يتضح من حوارنا معه.
٭ هل تؤدي ضآلة أو ندرة المعلومات المتاحة عن الأزمة الاقتصادية في السودان إلى كثرة الألفاظ وغلبة الإنشاء في الحديث عنها، إضافة إلى عدم استناده في أغلب الأحيان إلى أية أرقام أو إحصائيات؟
المعلومات في الواقع متوفرة ولكن نشرها هو الذي يتم ببطء. فإذا بحثت عن تقرير التجارة الخارجية لحكومة السودان لا تجد أية أرقام عنها، إلا إذا صدر التقرير السنوي لبنك السودان أو تمكث حتى يأتي تقرير البنك الدولي، وآخر تقرير صدر عن الجهتين يحتوي على إحصائيات 1987م، إضافة إلى أن النشرات الدورية لبنك السودان أصبحت لا تصدر في الوقت المناسب.
والظاهرة الغريبة أن أحدث المعلومات تجدها دائماً عند البعثات الدولية التي تزور السودان من حين لآخر. وعليه من الصعب جداً علينا أن نتحدث وفقاً لأحدث المعلومات. وفي بعض الأحيان يتم الاعتماد على الصحف والتصريحات التي تُنشر فيها.
إضافة إلى أن كثيراً من التقارير المهمة التي أعدت عن السودان مفقودة الآن. ومن بينها تقرير لجنة «رست» الذي أُعد عن مشروع الجزيرة، وكذلك التقارير التي أعدتها المنظمات المختلفة عن القطاع الزراعي. وهناك تقرير لجنة علاقات الإنتاج التي أُعد في عام 1973م، ويحتوي على مسح كامل لعلاقات الإنتاج في كل المشاريع الزراعية في السودان.
٭ النظرية الرائجة أن جوهر الأزمة الاقتصادية في السودان هو الإنتاج وعلاقاته، وليس من اللائق الحديث عن الإنتاج دون الحديث عن توفر المقومات اللازمة، فهل صحيح أن الأزمة مشكلة إنتاج أم عدم توفر المقومات اللازمة للإنتاج؟
علاقات الإنتاج في السودان متنوعة جداً لا سيما في القطاع الزراعي وأكثرها انتشارا علاقة الشراكة. وهناك إصرار شديد من البنك الدولي على استبدال هذه الشراكات بنظام الفئات.
ونظام الشراكة هو أنجح نظام يرغب كل الشركاء في تحسين الإنتاج. أما نظام الفئات فقد طبق في المشاريع المروية في الإقليم الشمالي وكان حصاده مشكلات رهيبة أدت إلى توقف معظم هذه المشاريع.
وذكروا أن مشكلة الشراكة أنها نظام جامد يعني إذا زاد الإنتاج الزراعي فإن المزارع لا يحصد عائداً أكبر، وقد عدلنا هذا النظام بحيث كلما ارتفع الإنتاج زاد نصيب المزارع.
وليست هناك مشكلة إنتاج في السودان، المشكلة نشأت في المشاريع الخصوصية لأن أصحابها لم يلتزموا بواجباتهم تجاه المزارع.
أما مقومات الإنتاج فهذه المشكلة الأساسية، وهذا مكمن الضرر، نسبة لعدم توفر المواد البترولية أو تطهير القنوات، يضاف إلى ذلك أن البنك الدولي يصر على استيراد معدات ليست ذات أهمية أطلاقاً مثل وسائل الاتصالات الحديثة والسيارات الفارهة، وتجدهم لا يبذلون أي جهد لتطهير القنوات أو توفير المواد البترولية.
وهناك قضية رش المحاصيل بالمبيدات، وهناك اتفاق على أن السودانيين يرشون المحاصيل أكثر من اللازم، إضافة إلى أن المبيدات نفسها غالباً ما تكون فاسدة.
٭ هل في مقدرونا اعتبار البنك الدولي من خلال النموذجين السابقين اللذين ذكرتهما في الإجابة السابقة، طبيباً فاشلاً لأمراض التنمية في العالم الثالث؟
أوافق بشدة على هذا الاعتبار، وقد بدأت الكتابة عن البنك الدولي في عام 1965م. وكان صوتي وحيداً، وكان الناس يتهمونني باليسارية والشيوعية. واتضح لي وقتئذٍ أن شريكي في الرأي أحد الكتاب من أمريكا اللاتينية وكانت منطلقاته مختلفة عني في التناول، ولكن المهم في الأمر أنه بعد ربع قرن من الزمان يكاد يكون هناك إجماع في الدول النامية وحتى الصناعية على أن البنك الدولي وصندوق النقد هما سببا الكارثة في العالم الثالث.
والمشكلة أن الاثنين لديهما وصفة جاهزة يعتقدان فيها أن النظام الحر هو الحل النموذجي للعالم الثالث. ويعتقدان أن التنمية تتم بالقروض الخارجية، والمهم زيادة الإنتاج بإطلاق يد القطاع الخاص في العمل الإنتاجي المربح، ولا يهم بعد ذلك اتساع الفوارق بين الأغنياء والفقراء.
والشخص الوحيد الذي حاول تعديل هذه الوصفة هو روبرت ماكنمارا، بإضفاء النظرة الإنسانية واهتم بالفقراء، ولكنه انطلق من المصالح الغربية، إذ أنهم شعروا أن البنك الدولي يدفع غالبية سكان العالم الثالث للاتجاه نحو اليسار.
وزاد الطين بلةً أن وصفة صندوق النقد الدولي جاءت على نفس المنوال، وكانت مهمته الأولى إيقاف التنمية في البلاد الفقيرة، لكي يسترد الأغنياء ديونهم من الفقراء. وفي نفس الوقت يفتح أسواق الدول الفقيرة لمنتجات الدول الغنية ويعود بها إلى إنتاج المواد الخام.
٭ على ذكر صندوق النقد الدولي، يلاحظ أن وزير المالية السوداني يبدو من أشد المناصرين لتطبيق سياسات الصندوق باعتبار أنه لا مخرج من هذه الأزمة سوى سياسات الصندوق.. هل صحيح أنه لا مخرج سواها؟
هذا الحديث يتردد كثيراً. وكنت أخذ على أبنائي الاقتصاديين الذين يهاجمون سياسات الصندوق أنهم لا يقدمون سياسات بديلة لسياسات الصندوق. وكنت أثناء ذلك صامتاً. والآن اشتركت في جلسات عمل المؤتمر الوطني للإنقاذ الوطني وقدمت البديل.
وأهم طلب لصندوق النقد هو التقشف بخفض الإنتاج الحكومي. وأنا أقول لا، فالحل هو التوسع بزيادة الإنفاق الحكومي.
يقول الصندوق زيادة الإنفاق الحكومي تعني زيادة العجز في الميزانية، وليس سبب التضخم العجز في الميزانية الذي يمول بطبع الورق، وإنما السبب هو ارتفاع سعر الدولار الذي يجعل البنك المركزي يدفع أكثر مقابل العملات الأجنبية.
ولكي أقرب الصورة، إذا منح السودان 100 مليون دولار كان مقابلها 250 مليون جنيه سوداني بالسعر الرسمي. والآن أصبح مقابلها ملياراً و200 مليون جنيه سوداني. وهذا يحتم على بنك السودان طبع كميات ضخمة من الأوراق المالية، وهذا سبب التضخم الأساسي.
أعود لكي أقرر أن العجز في الميزانية هو نتيجة وليس سبباً للتضخم. وسد العجز في الميزانية يمكن أن يتم بصورة واضحة في أن إيرادات الدولة تمثل 8 في المائة من الدخل القومي، في حين أنها تصل في البلاد الأخرى إلى 22 في المائة. وحتى الإنفاق الحكومي في السودان يصل إلى 16 في المائة في حين يصل في البلاد الأخرى إلى 22 في المائة.
والحل زيادة الإيرادات لسد العجز وكذلك زيادة الإنفاق. وهذه الطريقة تساعد على التوسع في تقديم خدمات أفضل تساهم في عملية الاستثمار.
ومن جانب آخر، يتعين زيادة الإيرادات عن طريق زيادة الضرائب على الأغنياء. ولا أقصد أصحاب الرساميل كما يتصور البعض أو المنتجين، وإنما أتحدث عن بعض الذين يملكون أموالاً ضخمة يضاربون بها في تجارة العملة وشراء السيارات والعقارات. وهذه الشريحة في أحسن الأحوال تدفع 8 في المائة من دخلها للضرائب.
أما الفقراء أو الأكثر فقراً والذين يمثلون 40 في المائة من سكان السودان والذين ينالون 12 في المائة من الدخل القومي يدفعون ضرائب تصل إلى 22 في المائة، والحل في صورته النهائية هو مزيد من العدالة بحل مشكلة الإيرادات والعجز واتاحة الفرصة للتوسع. وهذا طرح بديل نقيض تماماً لسياسات الصندوق، وهذه هي المرة الأولى فيما أعلم التي يقدم فيها مثل هذا الطرح.
٭ ما دمنا بصدد إيجاد البدائل لسياسات الصندوق نلاحظ أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء تجاوز العشرين جنيها. وهذا ما يعتبره صندوق النقد السعر الفعلي للدولار، في حين أن السعر الحر في البنوك 12 جنيها، هل يعبر الفرق الكبير بين السعرين عن القيمة الحقيقية للجنيه السوداني في مقابل الدولار؟
ليس هذا صحيحاً، ذلك أن الصندوق يطلب دائماً الوصول إلى السعر الحقيقي ويردد هذا الطلب منذ عام 1978م. وإذا سألت اليوم صندوق النقد عن السعر الحقيقي للجنيه السوداني لا يعطيك إجابة، والذي يحدث هو أنه يقرر أن السعر الرسمي 12 جنيهاً وسعر السوق الحر «كما يسمونه» 20 جنيهاً، ويطالب زيادة سعر الدولار إلى الرقم الأخير. ولكن السؤال، هل سيستقر السعر على عشرين جنيها للدولار؟ والإجابة هي لا، ذلك أنه في حالة رفع السعر يتردد صاحب العملة الصعبة قليلاً انتظاراً لزيادة أخرى، لأن الفجوة بين الصادرات والواردات تتسع بعد إلغائنا?القيود على الاستيراد.
إذن السبب ليس الحاجة الحقيقية وإنما المضاربة التي تتم في الخارج، انتظارا لزيادة السعر بنفس الصورة التي تمت خلال السنوات العشر الماضية، إذ ارتفع السعر من 38 قرشا إلى 12 جنيها.
وثبات سعر الصرف تتحكم فيه ابتداءً الدولة، والفجوة إما تعالج عن طريق القروض أو بثبات سعر الصرف الذي يجلب العملات من الخارج. ومن المهم جداً التحكم في الأسعار الأخرى.
وتصبح النتيجة أن ما يسمى بالسعر الحقيقي ليس سليما لأنه لا تحكمه قواعد حرة بل تتحكم فيه نزوات المضاربين.
٭ تحتوي روشتة صندوق النقد على طلب دائم برفع الدعم عن السلع الأساسية لتقليل عجز الميزانية، هل في إمكان الحكومة السودانية رفع الدعم وفقاً لما يرى الصندوق؟
نضرب مثلا بالخبز لرفع الدعم، ذلك أن سعره بقرشين والآن ب 25 قرشاً.
والذي حدث أن الدولار الذي يجلب دقيقاً لخبز رغيف واحد كان سعره جنيها والرغيف يباع ب 120 قرشاً، والربح 20 قرشاً. بعد فترة رفعنا سعر الدولار إلى جنيه ونصف فأصبحت تكلفة الدقيق بالعملة السودانية جنيهاً ونصف الجنيه. وكان الربح 20 قرشاً ثم أصبحت الخسارة 30 قرشا، ثم يأتي صندوق النقد ليقرر أن هذه الخسارة دعم ينبغي رفعه بمعنى أن نرفع سعر الرغيف إلى 150 قرشاً وتزيد عليها العشرين قرشاً الربح السابق ويصبح الرغيف ب 170 قرشا.ً
ومرة ثانية تقوم الحكومة برفع سعر الدولار ويطالب الصندوق بسحب الدعم المتوهم من تخفيض سعر صرف الجنيه السوداني، وهكذا.
والشاهد أن الدعم تم رفعه مئات المرات، ولكنه دعم موهوم ومزعوم مبعثه ليس ارتفاع التكلفة الحقيقية، ولكن سببه أننا نرفع بطريقة مصطنعة سعر صرف الدولار محلياً.
٭ في الإطار نفسه تأتي الدعوة إلى تصفية القطاع العام بصورة ملحة بغية ترشيد الإنفاق الحكومي.. إلى مدى يمكن إحداث هذه التصفية، وهل لها نتائج إيجابية؟
هذه فكرة غير عملية، والسبب الحقيقي لهذه الدعوة هو سيادة مبدأ التخصيص أو التحول من القطاع العام إلى الخاص. ولكن السؤال هل يستطيع القطاع الخاص السوداني شراء السكة الحديد؟ هل في مقدوره شراء مشروع الجزيرة؟
هذه السياسة وهي من سيئات صندوق النقد الدولي تهدف في الدول النامية إلى تطبيق ما يسمى «سواب» ويقصد بها تحويل الديون إلى أسهم في المؤسسات والمشاريع السودانية.
وهذه العملية دبر لها منذ فترة طويلة منذ أن بدأوا يطالبون بتحويل المؤسسات العامة إلى شركات تسجل تحت قانون الشركات، لأن الشركات لها حرية العمل والاستثمار، وليس هذا هدفهم الحقيقي، إذ ما يشغلهم هو أن يمتلكوا أسهماً في مؤسسات مملوكة تماما للدولة. ويصبح هدفهم الحقيقي الاستيلاء على هذه الشركات. وهذا يعني عودة الاستعمار لأنهم لا يستثمرون وإنما بديونهم يتحكمون في هذه الشركات. إضافة إلى أن أول المتضررين من تصفية القطاع العام هو القطاع الخاص.
٭ هناك دعوة لتقليص الوظائف العامة وقد تكون مرتبطة بتصفية القطاع العام؟
هذه خطة قصد بها إبعاد الكوادر السودانية لتحل محلها الكوادر الأجنبية، بعد أن تصبح لهم الكلمة العليا في المؤسسات العامة. والتوسع في وظائف القطاع العام أفهم أنه مدخل لترقية الخدمات وتوسيعها في القطاع العام وليس العكس. والخلاصة أنهم يرغبون في قطاع عام متهالك حتى يشكلونه وفق ما يريدون.
٭ يرتبط تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي عادة بإغراء أن الدولة التي تلتزم بالشروط سينهمر عليها التمويل الكافي للتنمية.. كيف تنظر إلى ارتباط هذا التطبيق بالإغراء؟
آخر تقرير للبنك الدولي أوضح أنه في العام الماضي أخذ من الدول النامية أكثر مما أعطاها بفارق نحو ثلاثة مليارات دولار. والسبب أن الدول الصناعية أصبحت تتباعد عن الدول النامية وتحاول أن تسترد ديونها منها، بل حققت ما تصبو إليه عن طريق سياسات صندوق النقد الدولي التي فتحت الباب واسعاً لهروب الرساميل من الدول النامية إلى الدول الغنية وليس العكس. والمعروف أن أعداداً كبيرة من السودانيين تستثمر ما بين 14 18 مليار دولار في الخارج.
وصندوق النقد يقدم شروطه تحت إغراء تقديم دعم السودان في حدود 220 مليون دولار، ولكنه في نفس الوقت يطالب السودان بمليار دولار.
والذي يحدث أن السودان لا يملك هذا المليار دولار، وتقوم إحدى الدول العربية بدفع المبلغ للصندوق ثم يبدأ يراقب شروطه وسير تنفيذها. وفي حالة حدوث أية ثغرة يوقف برنامج مساعداته ويعلق العضوية وتصبح النتيجة أن الصندوق استرد ديونه أو بعضها وطبق له السودان شروطه دون أن يدفع أي مليم.
وهذه هي الحيلة التي تطبق دائماً، ولذا فليس هناك أي دعم سيصل الدولة التي تلتزم بسياسة الصندوق. وأذكر أنني سألت السيد وزير المالية السوداني عن حجم المبلغ الذي سيدفعه الصندوق إزاء التزام السودان بشروطه، ولم يقدم إجابة عن هذا السؤال حتى الآن، والذي أؤكده أن الصندوق لن يقدم لنا أي شيء وسيأخذ أكثر مما يعطي.
٭ العشوائية هي السمة السائدة في الاقتصاد السوداني وتزيدها سوءاً الطفيلية.. هل توافق على هذا الرأي؟
لا بد من التفريق بين الرأسمالي والثري الطفيلي، فالأول رجل منتج، ولكن هناك طبقة طفيلية ظهرت في السودان تعيش على المضاربة والمراباة المستترة. وهذه الطبقة تضارب في العملة والعقارات والسيارات، وتجارة السيارات تجارة خفية تُدفع فيها أموال طائلة لدرجة أن السيارة «الكريسيدا» يطلقون عليها «الدولار».
وأموال هذه الطبقة تتحرك بصورة سريعة جداً وترفع من معدلات التضخم، والأسوأ أنها طبقة مستهلكة وهي سبب ارتفاع معدلات الاستهلاك في السودان خلال السنوات العشر الماضية عن 82 في المائة بعد أن كانت 67 في المائة، وهبطت المدخرات إلى 4 في المائة فقط، بعد أن كانت 12 في المائة. وهذه الطبقة مسؤولة عن تدهور ميزان المدفوعات باستيرادها للكماليات وبنهم شديد.
وأصبحت المحصلة توفر الكماليات وانعدام الضروريات، وهذه الطبقة نشأت في ظل الاختلال الذي أحدثته سياسات صندوق النقد الدولي وساعدت فيه، ولكنها مع ذلك مستفيدة من هذا الاختلال.
٭ ختام الحوار البروفيسور محمد هاشم عوض، أن ملامح الخروج من الأزمة الاقتصادية في السودان هو البحث عن رؤية سودانية أصيلة لحل قضايانا، بحيث لا نعلق أو نرفض مبدئياً التعامل مع صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو أية جهة أخرى، ولكننا نريد أن يكون القرار قرارنا يصدر بقناعة وهذا أولاً.
ثانيا: الاعتماد على الذات، لاسيما أن انتظار مساعدات الغير أصبح أمراً غير ذي جدوى.
أما مؤشرات الحل المطلوب فهي التوسع في التنمية وليس الانكماش، وهذا هو الدليل المفقود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.