جلست صديقتي ترقب نقاشاتي، وبقية أعضاء مجموعة جلستنا، عن أخبار السودان خاصة والعالم من حولنا بصفة أكثر عمومية. وظلت في معظم الجلسة صامتة لا تعلق على الآراء المختلفة التي تدور حول المواضيع المتنوعة. وبعد فترة، إنتبهت لصمتها ذاك فسألتها عن رأيها فيما كنا نتحدث عنه، فهزت كتفيها وهي تقول، وببساطة متناهية، انا بت لا أتابع الأخبار. وأردفت، صرت لا أركز إلا في أمور حياتي اليومية وهمومي الشخصية ومحاولة تدبير الكيفية التي أسير بها على طريق عمري. وحينما سألتها عن السبب أجابت، بذات البساطة، أن مآسي الحياة تكفي وقلبها ب?ت لا يحتمل الأخبار السيئة التي لها ينقلها العالم. ومنذ محادثتي المقتضبة مع صديقتي، وبالرغم من إختلافي التام معها في الرأي، لأنني أؤمن بأن صلاح الحياة الشخصية لا يتم إلا بإصلاح الحياة العامة، إلا انني بت انتبه اكثر للأخبار الصادرة في صحفنا. (اخذوا) عندكم، خبرا عن أن حريقا شب بمخازن الهيئة القومية لمياه المدن بعطبرة مما ادى إلى القضاء على مجموعة كبيرة أنابيب مستودعات المياه بها. وسبب الحريق، كما اتى في الخبر، حرق أوساخ بالقرب من مكان تخزين الأنابيب. ولم اعرف من الذي قام بإشعال الحريق، هل كانت مجموعة من المواطنين ام انه بسبب عدم تنسيق بين الإدارات الولائية (?هذا لن يكون امرا جديدا). وبدأت لجنة تحقيق في الحادث ننتظر ان نرى، إن كانت ستصل إلى نتائج معلنة ام انها ستشتعل فيها نيران الإهمال وتأتي على حقوق المواطنين كما يحدث عادة في بلادنا. أما الخبر الثاني الذي توقفت تجاهه هو إشراف الموسم الزراعي الحالي على الفشل بولاية النيل الأزرق. فلقد أعلن احد النواب البرلمانيين أن إنشغال الحكومة بالحرب في الولاية أدى إلى حالة من الفوضى العارمة بالمنطقة. وجارت قبائل على مساحات زراعية بالولاية ومعها آلاف من المواشي التي باتت ترعي في المساحات المزروعة وادي هذا إلى ان تفقد الولاية مساحات كبيرة منها. وليس هذا فحسب، بل انتهى الموسم الزراعي بدون طق الصمغ العربي الذي تنتجه النيل الأزرق ويضاف إلى (الطين) بلة أن 80% من المزارعين لم يحصدوا السمسم حتى الآن، وهذا يع?ي بالضرورة فشل الموسم الزراعي للسمسم أيضا. وللماشية أيضا نصيب في أخبارنا متعددة، فهنالك شح في المياه بالقضارف بسبب قلة سقوط الأمطار مما أدى إلى جفاف بالمراعي. ويؤدي شح المياه إلى عدد من المشاكل، منها أن تنفق الماشية وتفقد البلاد نسبة مقدرة من رؤوسها وثروتها الحيوانية، ومنها أن تنشب صراعات قد تؤدي إلى إقتتال بين الأهالي والرعاة الذين يخاف كل منهم على قطيعه. أما بالنسبة للماشية الجيدة والعالية الجودة، فلقد تبرع السيد رئيس الجمهورية بما يزيد عن العشرين ألف رأس للإخوة بجمهورية مصر العربية. وكل حبنا وتقديرنا للشعب المصري، إلا أن تصريحات وزرائهم قبيل فتر? بسيطة أنهم لن يمدوا السودان بالغاز الطبيعي إلا بعدما يأخذ كل مواطن مصري حاجته من إنتاج بلاده كاملة. ونحن في بلادنا، يبدأ الشعب، وبمباركة رئيسه، حملة لمقاطعة اللحوم بسبب غلائها ثم نجد آلافا من تلك اللحوم تتجه شمالا بدون أن تكتفي حاجة مواطنينا. أقول (ليكم) حاجة، اتركوا اللحمة و(كلوا) جاتوه!!