ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل اثنين من سائقيه وإصابة ثلاثة من موظفيه في السودان    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المُعلن الذي لا يحتاج لإعلان في العودة للنافذة المفتوحة على «إلى من يهمه الأمر سلام»
ملفات الساسة والسياسة

انتهينا في الحلقتين الأولى والثانية من هذا الملف إلى السؤال المثار بشأن المغزى والدلالة التي ينطوي عليها ما أعلن عن موقف للسيد محمد الحسن الميرغني النجل الأكبر للمرشد الختمي زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل السيد محمد عثمان الميرغني حول مشاركة الحزب في السلطة القائمة والخاضعة لهيمنة وسيطرة مطلقة من جانب حزب المؤتمر الوطني الحاكم، في تجسيده وتعبيره عن التطور في الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، حيث كان من اللافت للأنظار في هذا الاطار ان الموقف الذي أعلن باسم السيد الحسن في البيان الصادر عن مدير مكتبه محمد عثمان الفاضلابي، قد جاء مغايراً ورافضاً لقرار مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي في السلطة. وفي محاولة للاجابة عن هذا السؤال تجدر الاشارة إلى ان الذي يجري في الحزب الاتحادي الأصل في الوقت الحالي إنما يأتي في سياق رؤية للعلاقة بين الدين والسياسة والعودة للنافذة المفتوحة على المصطلح والعبارة الشهيرة في الارث التاريخي العريق للحركة الوطنية الاتحادية المخضرمة في ما يتعلق بالمعلن الذي لا يحتاج لاعلان أو ما عرف بالاشعار والشعار المسمى ب «إلى من يهمه الأمر سلام». وبناءً على مثل هذا التفكير والتفسير فإن الحقيقة هي ان الأمر لا يقتصر هنا على سيدي الحسن، وإنما يمتد ويتمدد ليشمل مواقف كل من السيدين التوم هجو وعلي محمود حسنين وغيرهم من القادة البارزين الآخرين الذين أعلنوا أخيراً خروجهم عن الحزب الاتحادي الأصلي والانضمام للحزب المسجل بقيادة الدكتور جلال الدقير المساعد الحالي للسيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير، وذلك على النحول التالي:
شهادة مهمة من آل البيت
في عددها الصادر في الخرطوم بتاريخ 2 ديسمبر 2011 نشرت صحيفة «أخبار اليوم» حواراً مع ابن عم المرشد الختمي عضو المكتب القيادي للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل والمشرف السياسي للحزب بالبحر الأحمر تاج السر الميرغني، ذكر فيه أن السيد الحسن لم يشق عصا الطاعة السياسية لوالده. وأنا شخصياً لا أعرف له موقف رفض للمشاركة في المنصب الذي تبوأه شقيقه جعفر الصادق في السلطة مساعداً لرئيس الجمهورية، وطبعاً كل واحد له رؤيته الخاصة وقناعاته الخاصة، ولكن لا يسعى لفرضها أو اتخاذ موقف من خلالها، وإنما يقف دائماً مع المؤسسية. وأنا شخصياً كنت أقف ضد المشاركة، وكانت لديَّ تصريحات خلال الاجتماعات، لكن هناك معطيات وأشياء عندما اطلعت عليها وجدت أن المشاركة هي الحل الأسلم لتحقيق الأمن للبلد والتعاون لإخراجها من الأزمات الموجودة حالياً، فالحزب له رؤية متكاملة بالنسبة لاحتواء الحروب والصراعات الدائرة، والاتصالات بالإخوة الجنوبيين لم تنقطع في مسعى لإرجاع الجنوب للسودان بصفة وحدة جديدة، والتأخير في كل هذه المسائل يزيد التعقيدات فيها، وربما يؤدي لقيام حرب بين الشمال والجنوب. والحقيقة في السياسة هي أن الواقع والظروف المحيطة بك تفرض عليك خياراً معيناً، ولا يوجد موقف لا يقبل التغيير لكن الثوابت هي التي ترسم دائماً للإنسان خريطة الطريق التي يمضي عليها، ومصلحة الوطن والمواطن من ثوابت الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وقد ظلت رؤية الحزب هي أنه كلما يمضي يوم تتأزم المواقف في البلد، والانهيار الاقتصادي يمضي بصورة متصاعدة والحرب تمضي متصاعدة، ومولانا الميرغني يريد دائماً ارجاع الامور لمؤسسات الحزب حتى يكون فيها اجماع، وذلك على الرغم من أن بعض الإخوان قاموا بتفويضه وحدثت تزكية له لاتخاذ القرارات في مثل هذه القضايا، لكنه رفض التفويض وترك الأمر لأعضاء الهيئة القيادية والسيد الحسن كان في امريكا وحضر للقاهرة، ومن المتوقع حضوره للسودان. وكل الناس تمضي نحو الاجماع على الخط العام للحزب، ولا يوجد خروج على الاجماع. وهذه المسألة هي الهم الأول والأخير بالنسبة لمولانا، وهذه هي مبادئ الحزب الذي أجمع في هيئة القيادة على المشاركة بناءً على دراسات للمشكلات الداخلية والمحيط الخارجي. ويا ليت لو كانت المشاركة موسعة من كل القوى السياسية الوطنية التي شاركت بصورة غير معلنة.
الصوفي والوطني في خطى الميرغني
وفي سياق ذات الإطار للعلاقة بين الدين والسياسة أو الصوفي والوطني في رؤية ومنطلقات المرشد الختمي السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطية الاصل، تجدر الإشارة لما ورد في خطابه الذي أدلى به نيابة عنه نجله جعفر الصادق بتاريخ 13 نوفمبر 2009م في الذكرى الحادية والأربعين للسيد علي الميرغني والذكرى الأولى للسيد أحمد علي الميرغني، حيث ذكر أن رسالة آل البيت ظلت على مدى التاريخ أمانة موروثة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتحملها الأمناء الأقوياء ويؤدونها إلى الأوصياء الأوفياء لتستمر هذه السلسلة من البذل والعطاء تمثل الرسول الكريم في ذاته وصفاته لتكون رحمة للعالمين وقدوة للمؤمنين. ولذا فقد شهدت بهذا الأمر الشعوب التي حباهاالله بوجود آل بيت المصطفى في أوطانها شهادة صدق روتها الوثائق وصدقتها الوقائع. فهم دائماً وأبداً قيادة صادقة وقدوة حسنة ومثل أعلى لمعاني التربية الروحية والوطنية، سواء أكان ذلك في أرض الحرمين أو أرض الكنانة أو أرض النيلين أو أرض الهجرة الأولى «إريتريا والحبشة». وما كان ذلك ليكون إلا بتوفيق من الله ومنهاج النبوة الموروث. والمحتفى بذكرى رحيلهما هما فرع من ذلك البيت الطاهر والأصل الطيب. فقد كان الوالد الأكرم مولانا السيد علي الميرغني هو رجل الأمة الذي كتب الله له التأييد وحباه ما حباه من نعم لا تحصى ورحمات لا تستقصى من رجاحة العقل واستقامة المنهج وسديد الرأى وساطع الحجة وطول العمر وحسن العمل. فسخَّر ذلك كله في طاعة الله وخدمة عباد الله الذين قذف الله في قلوبهم محبته وغرس في أفئدتهم مودته. وكان رضي الله عنه مرشداً وداعيةً حريصاً على دينه وأميناً على وطنه. وظلت جهود مولانا السيد علي الميرغني المخلصة ومساعيه النبيلة هي الدليل القاطع والبرهان الساطع على صدق توجهه. وكانت هي البوصلة التي تحدد الاتجاه الصحيح لكل مخلص متجرد لخدمة الدين والوطن، فكان نتاج ذلك أن التف حول سيادته وسار في لوائه الشرفاء الأخيار والمناضلون الأحرار حتى تحقق الاستقلال الوطني ونال هذا الوطن حريته، وحتى رسخت للدين قواعده وارتفعت للعلم راياته.
وأضاف السيد الميرغني قائلاً في ذلك الخطاب التاريخي الذي تلاه نيابة عنه نجله جعفر الصادق: إن الأمة السودانية قد عرفت لصاحب الذكرى مولانا السيد علي الميرغني قدره ومكانته، فخرجت عن آخرها لوداعه في موكب انتظم العاصمة المثلثة بكاملها في يوم رحيله المشهود وفاءً وعرفاناً قبل واحد وأربعين عاماً. وتكرر هذا المشهد المهيب بكامله العام الماضي في يوم وداع نجله السيد أحمد علي الميرغني. وهذا دليل على امتداد الأمانة وتواصل الوفاء، وهو ما نشهده اليوم في هذا الاحتفاء الكريم بتلك الذكرى العطرة للراحلين المقيمين التي ستظل في قلوب المحبين والمخلصين على تعاقب الزمان وتقادم الدهر. وهذه المعاني والقيم تحتم علينا نحن الذين استلمنا هذه الراية المرفوعة من أصحابها أن نبذل جهدنا كله في سبيل المحافظة على أمانتها، بل والتوسع والازدياد فيها بالبذل والعطاء، وترسيخ منهجها القويم في أنفسنا ومجتمعنا. ولذلك تقام هذه المناسبات بغرض التأسى والاقتداء بمناهج أصحابها والسير على طريقهم عملاً بقول المولى سبحانه وتعالى «أولئك الذين هدى الله فبهواهم اقتدى». ونسأل رب العزة والجلالة أن يوفقنا جميعاً ويجعلنا من التابعين بإحسان لمن خلفوا وراءهم ارثاً لا يسلب وأثراً لا يمحى، وسطر التاريخ بمداد من نور جلائل أعمالهم وكرائم أفضالهم في سجل الخالدين.
سر سيدي الحسن ومجموعته
وفي شهادة له على ما يجري في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل في الوقت الحالي وخلفياته، ذكر الأستاذ صلاح أحمد إدريس في عموده «الحياة سؤال» بصحيفة «السوداني» الصادرة في الخرطوم بتاريخ 3 اكتوبر 2011م، «إن الأخ الأستاذ أحمد علي أبو بكر ظل قريباً من الراحل المقيم السيد أحمد علي الميرغني انزل الله شآبيب الرحمة عليه، ولم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للأخ الاستاذ حسن عبد القادر هلال الذي حظي بالثقة والتكليف بمهام عديدة كان اللافت فيها أنها كانت معلنة ومعروفة للكافة على غير ما كان عليه الأمر بالنسبة للأخ أحمد علي أبو بكر. وفي رأيي أننا يجب ألا نثقل باللوم على هؤلاء الإخوة المنسلخين من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل والمنضمين للحزب المسجل ومن معهم بما فيهم الأخ د. الباقر أحمد عبد الله الذي وجد في كتاباته متنفساً وساحة يعبر من خلالها عن حبه العميق للسيد أحمد الميرغني يرحمه الله. فقد كان الجو العام في الحزب الأصل ينذر بالخطر الداهم. ولم يكن كل ما حدث إلا تصويراً لواقع شقاق وخلاف كبير بين مجموعتين، هما مجموعة المنسخلين والأمانة تقتضي أن أقول انني كنت محسوباً من هؤلاء ومجموعة لا استطيع ان أسمي لها قائداً أو رئيساً، واترك ذلك لفطنة القارئ وقدرته على الاستنباط، حيث يظهر في هذه المجموعة الإخوة الاساتذة حاتم السر وطه علي البشير وبابكر عبد الرحمن وأحمد سعد عمر، وليس سراً أن هذه المجموعة تستقوى بالسيد الحسن الميرغني العضو النافذ في هيئة القيادة ونجل رئيس الحزب السيد محمد عثمان الميرغني. وحينما أقول ليس سراً فإنني أعني وأؤكد أن هذا الأمر معروف للقيادات العليا والوسيطة، ثم انه معروف للسيد محمد عثمان الميرغني الذي ناقشته في هذا الأمر حتى بعد استقالتي من الحزب، وأبلغته بما كان من حديث مع ابنه السيد الحسن الذي لم يكن الأمر معه سؤالاً أو محاولة لتيقن، بل كان حديثاً صريحاً وواضحاً أردت منه ان يعرف قدره ومقامه الرفيع ولا يزج بنفسه ليكون طرفاً في أي صراع بين هياكل الحزب وكوادره والبشرية. وانها لأمانة ان أذكر فيها حدثاً وقع في مؤتمر المرجعيات للحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني بالقناطر الخيرية في العاصمة المصرية القاهرة الكبرى عام 2004م، ففي ذلك الحين وعندما كان جميع المؤتمرين يتهيأون لانتخاب المكتب السياسي للحزب، كان في المنصة السيد أحمد الميرغني مترئساً الجلسة والاستاذ علي محمود حسنين الذي عينه السيد رئيس الحزب نائباً له، وكان معهما السيد الحسن، فأشرت له برغبتي في الحديث معه فنزل من المنصة وجاء قريباً من مقعدي، فنصحته بأن يترك المنصة ويجلس معنا حتى يرفعه القوم بأنفسهم في المنصة أو غيرها. وقد أعجبني كثيراً وأسعدني حينها أن يستجيب ويجلس معنا. وهذه تذكرة أشبه فيها بموقفه حينها وأعيب علينا أننا لا نجيد التعامل مع بعضنا البعض، ثم بعد ذلك وفي أول منحى نتلاوم ويلقي كل منا اللوم بالتقصير والكثير على الآخرين. وقد ضاعت جهود الوساطة بين هذا وذاك وفاضت الأنفس بالمرارات. وفات على لجان المحاسبة أن الأعراف والقوانين تمنع وتحجر على طرف في النزاع ان ينصب نفسه حكماً، فيكون كما قال شاعر العرب أبو الطيب المتنبي: «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم».
حاتم السر يدلي بدلوه
ومن جانبه فقد أدلى الاستاذ حاتم السر بدلوه في خصوص ما يجري في هذا الصدد بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، حيث ذكر في حوار نشرته صحيفتا «البيان» الاماراتية و «الأحداث» السودانية الصادرة في الخرطوم بتاريخ 17 ديسمبر 2011م، انه عندما طرح موضوع المشاركة في السلطة قضيةً للمناقشة في الأوساط الحزبية، كان الاتجاه الغالب هو رفضها تماماً انسجاماً مع رغبات جماهير الحزب، ولكن حدث تحوُّل في الموقف إثر تزايد الدعوات لقيادة الحزب للمشاركة في الحكومة من العديد من الدول العربية والأفريقية التي ترتبط قيادة الحزب معها بروابط الصداقة، وهي جمهورية جنوب السودان ودولتا إريتريا ويوغندا وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودول الامارات العربية المتحدة وقطر والكويت. وبالتحديد ففي أعقاب زيارة الرئيس الايراني الاخيرة للسودان نشطت العديد من العواصم العربية والخليجية في حث قيادة الحزب على المشاركة في الحكومة الجديدة بالخرطوم، بغية الامساك بملفات حساسة تفضي إلى تغيير الأوضاع في السودان، وتؤدي إلى رأب الصدع مع الدول المتخوفة من السياسة الخارجية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. ويمكننا بالتالي وصف مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي في الحكومة بأنها أتت استجابةً لمطالب عربية وأفريقية، ولم تأتِ تلبية لرغبات جماهيرية. وبالنسبة لمدى قدرة حزبنا على الامساك بالملفات الحساسة وكبح جماح حكومة الانقاذ، فهذا يعود بالدرجة الأولى إلى نوع التفاهمات بين الحزبين، ومدى استعدادهما لتوزيع الأدوار بينهما لتنفيذ برنامجهما المشترك. ولكني على يقين بوقوع مزيد من التردي في هذا الملف، وأتوقع أن تشهد الأيام المقبلة قدراً من الاحتكاك والملاسنة، لأن المؤتمر الوطني بطبيعته وتركيبته وعقليته غير مهيأ للتعايش مع الآخر، فقد نشأ على الاستهانة بالآخر وتغذى على الكراهية للأحزاب في تسعينيات القرن الماضي. ويكفي أن أول استهلال للمشاركة كان بملاسنة بين وزير التجارة الخارجية القيادي الاتحادي عثمان عمر الشريف ومساعد رئيس الجمهورية القيادي والرجل القوي في المؤتمر الوطني د. نافع علي نافع، وهذه مقدمة سيئة ستقود إلى نهايات أسوأ، كما أنها تعكس وجود خلافات فكرية وبرامجية كبيرة بين الحزبين.
نعم مشاركة ولكن بتوضيحاتها!!
ويضيف حاتم السر قائلاً: «لقد رفضنا المشاركة الثنائية لسنوات طويلة، وطرحنا مفهوم الحكومة القومية بمشاركة الكافة لضمان الحد الأدنى من الوفاق، لكن المؤتمر الوطني الحاكم رفض ذلك، وبالتالي فقد تحولت المشاركة بشروط الانقاذ إلى ورقة ومأزق سيتحمل من يكون طرفاً فيها أوزار حكم الإنقاذ التي ارتكبها حزب المؤتمر الوطني خلال عقدين من الزمان. كما أنه سيكون مسؤولاً عن كل اخطاء المؤتمر الوطني دون أن يقدر على تصويبها بحكم مشاركته الشكيلة. وقد رفض الجميع المشاركة لأن المطروح يعني أن يجلس الكل تحت شجرة المؤتمر الوطني وليس تحت سقف السودان، وعلى الجميع أن يعلم أن عصا الاتحادي الديمقراطي أكبر من أن تظللها شجرة المؤتمر الوطني. وأحمد الله ان ايماني بالحركة الوطنية الاتحادية على البقاء والتجديد والتطور لا تحددها حدود، وكذلك ايماني بشيوخها وشبابها. ومن المهم جداً التوضيح أن الجميع من رافضين للمشاركة ومشاركين في الحكومة من الاتحاديين يسعون لتحقيق التغيير بوصفه هدفاً واحداً ولكن بوسائل مختلفة. ومن رابع المستحيلات ان يأتي يوم اختلف فيه مع شيخي ورئيسي السيد محمد عثمان الميرغني حاشا لله، فهذا هو كل المستحيل. ومن يظن أن عرى الروابط الوثيقة التي تربطنا مع مولانا الميرغني يمكن أن تتأثر بأية عوارض فهو واهم. ولمولانا في عنقي بيعة لا أحول عنها ولا أزول إلى يوم الدين، وله في النفس محبة بلا حدود وود لا ينفد، ولا يعنيني كثيراً ما يتشدق بها أهل الظنون السيئة الذين يتمنون القطيعة ويعملون لها، وأبشرهم بأن صلتي مع مولانا لن تنقطع ولن تخبو، لأن ما كان لله دام وما لغيره زال وانقطع، وما يربطني بمولانا هو رابطة روحية واتصال وجداني لا انفصام لهما إن شاء الله.
حكمة والله وحكاية
وفي شهادة أخرى أدلى بها، ذكر الاستاذ صلاح ادريس في عموده «الحياة سؤال» بصحيفة «السوداني» الصادرة في الخرطوم بتاريخ 20 نوفمبر 2011 م، انه اذا كان حزب الأمة قد حسم أمره واختار ما اختاره ان صحت اخباره، فإن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل مازال يعالج اصطراع المواقف، ومازال واقعه يكذِّب في كل يوم قراءة اليوم الذي قبله، ليجعل ذلك كافة الاحتمالات واردة الحدوث. وأن ما يذكر لهذا الحزب انه قد استطاع تجاوز انسلاخ بعض قيادييه وفيهم من لم يكن أحد يتوقع أن يغادر الحزب، وان فعل لزم داره وما انضم إلى حزب أو فصيل. ويعود تجاوز الانسلاخ إلى الحكمة التي عالج بها زعيم الحزب السيد محمد عثمان الميرغني الأمر، اذ انه قد أبطل مفعول ما استند إليه المنسلخون الذين بدأوا التمهيد لرحيلهم بادعاء ان الحزب قد فصلهم، وهو ما نفاه الواقع، فلا فصل قد طال أي واحد منهم، ورغم ما تسرب عن توصية بالفصل ولكن لا أحد يستطيع الادعاء ان قراراً أو توصية بالفعل قد صدرت كما ورد في بعض الأنباء المسربة. والحكمة التي عالج بها الحزب هذا الأمر لم تكن كافية أو شافية لعلاج أمر الأستاذ علي محمود حسنين الذي كان زعيم الحزب قد عينه نائباً له، أو الاستاذ التوم هجو عضو المكتب السياسي المنتخب للحزب. ولقد ترك كل من حسنين وهجو الحزب ونأى كل منهما بنفسه يغرد بعيداً عن مواقف الحزب. والواضح هو أن الرجلين لم يعودا في الحزب، ولا فرق إن كان الفراق قد حدث بالتراضي أم غيره، حيث تبقى الحقيقة التي تتعامل بها قيادة الحزب، وهي أن الرجلين لم يعودا عضوين في الحزب. وهذا هو ما تدفع به القيادة وتعلنه لكل من يسأل عنهما، وحينما يمتد السؤال عن عدم الإعلان عن ذلك رسمياً يأتيك الجواب بأن نافذة «إلى من يهمه الأمر سلام» مازالت مفتوحة ولا حاجة فيها لمعلن لا يحتاج إلى إعلان.
القول الفصل على لسان السيد
وفي عودة للقول الفصل الذي أدلى به المرشد الختمي زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل في هذا الصدد وبهذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى أنه كان قد أكد في خطاب بمناسبة الذكرى الثالثة والاربعين لسيادة مولانا السيد علي الميرغني والذكرى الثالثة لرحيل السيد أحمد الميرغني بتاريخ 22 أكتوبر 2011: أن الإيمان الراسخ بالحزب العملاق صانع الاستقلال والحرية والديمقراطية ورائد الوحدة والسلام والحركة الوطنية الاتحادية هو صمام أمان الوطن والمواطن، فإن صلح صلح سائر الوطن. ولذا كانت دعوتنا لكل الأشقاء الحادبين على تاريخ وحاضر ومستقبل حزبهم أن يكونوا على قلب رجل واحد لاستمرار مسيرة الحزب القاصدة نحو القيم الكلية لجماهير شعبنا في تحقيق آماله وطموحاته في العيش الكريم تحت رايات الحرية والعدالة والديمقراطية والسلام، وأننا ليسعدنا أن نرى الجهود المخلصة قد دنا ثمرها وبدأ طلعها في تقارب حميم لكل الاتحاديين الشرفاء نحو حزبهم العملاق يرتبون صفوفهم ويوحدون جهودهم ويجمعون قواعدهم ويعيدون تلاحمهم ويواصلون مسيرتهم بلا عزل عن المحجة البيضاء لأحد أو استثناء لجماعة، إلا من تنكب الصراط المستقيم. فهؤلاء وأمثالهم هم الذين نفاهم الحزب في ما نفى من خبثه، وفي غيابهم يستقيم الصف ويصلح المسار وتنتظم المسيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.