* حاشا لله أن أُسوِّد هذه المساحة بالحديث عن شخصي الضعيف، فهذا من منكرات الأمور.. ولا أريد أن أشغل ذهن القاريء الكريم بسيرة حياتي فإنما أنا ابن امرأةٍ قضت نحبها غرقاً وهي تجلب لصغارها الماء « بالصَّفيحة « من البحر.. كان ذلك قبل ما يُنيف على الخمسين عاماً.. وأنا أقف اليوم على أعتاب الستين.. أستشهدت أمي شابَّة وأنا أكلتُ شيبي وشبابي والحمدالله . وقد سبقها أبي قبل ميلادي بشهرين.. وكنت أعزي نفسي بأنَّ الله تبارك وتعالى قد أختار لي « طفولة « مثل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم عندما رأى النور يتيماً وماتت أمه وهو في السادسة من عمره « وأنا مثله تماماً « وكان مع ذلك يقول « هَوِّن عليك لستَ بجبارٍ ولا مَلكِ إنما أنا ابن امراةٍ كانت تأكل القديد بمكة « صلى الله عليه وسلم.. لكنني أردتُ أن لا يفوتني التعليق على ماجاء في بعض صحف أمس الأول بالعنوان أعلاه مصحوباً بصورةٍ لشخصي.. ولم يكف هاتفي عن الرنين مكالمات ورسائل للاستفسار أو « للشمار « وللتهنئة أو لإسداء النصح « ياخوي بعد ما ربنا خارجك داير تَشَرْبِكْ روحك مع الناس ديل مالك ؟! « وأشياء من هذا القبيل.. كما أن أصدقاء أبنائي « هَرُوهُم « في الفيس بوك « شنو ياود المستشار.. أبوك عيْنوه شنو ؟! «.. فإذا ماقالوا لهم « والله مافي حاجه زي دي « ردوا عليهم بالقول « يعني خايفين نحسدكم ولا شنو؟ « * مصيبة هذه البلاد أنها مؤمنة إيماناً لا يتطرق إليه الشَّك بالمثل الشعبي « المصري «.. لو فاتك الميري إتمرغ في ترابه.. وحتى سياسة التعليم التي وضعها المستعمر كانت تقوم على توفير الوظيفة « الميري « للخريج بعد فصله من البيئة التي تربى عليها.. فما من طالبِ لبِس الرداء والبنطلون والقميص الأفرنجي عاد للعراقي البلدي والطورية ليشتغل مزارعا أو يسرح بالبهائم !! وحتى خريج الزراعة يسعى للوظيفة الميري في عهد النهضة الزراعية !! لذا فمن يُعفى من المنصب أو ينزل المعاش يُقيم له الناس مأتماً وعويلاً وكأن الله من فوق سبع سماوات لم يكتب له رزقاً إلا في « الميري «... والميري خشوم بيوت.. وأكثرها بريقاً هي الوظائف الدستورية.. تحت الشعار الدارفوري الشائع « سلطة للساق ولا مال للخنَّاق « لكن قضايا الفساد توحي بأن « السلطة والمال « كلاهما « للخنَّاق « فكم من موظف متعفف.. وكم من مسؤول فاسد ومفسد في نفسه ولغيره!؟ ولم انفك مستغرباً من صديقي د. عبد الحميد موسى كاشا وهو يضعُ شرطاً غريباً لقبول منصب والي شرق دارفور الذي صدر القرار بتعيينه فيه، وهو أن يقيل الرئيس وزير المالي، والاقتصاد الوطني من منصبه طلباً لرضا كاشا !! ولو فعلها السيد الرئيس لوقعت مصيبة.. تضرب هيبة الدولة في مقتل وتفتح باباً لا ينسَّد.. وتؤجج لصراع جديد بين الرزيقات وأبناء عمومتهم التعايشة.. بعدما تقهقرنا من الحزبية إلى القبلية، فالحزب أوسع ماعوناً من القبيلة إنه التقدم إلى الخلف إذن . ولم ينقضِ عجبي إلا بعدما قرأت في الصحف نبأ حضوري لاجتماع بالقصر الجمهوري.. وإن كانت أبواب الأسرار لا تلتزم بعناصر الخبر..ولا تشفي غليل «الشمشار».. ولن أُفسد على حزب أعداء النجاح فرحتهم بعدما « شاطت حَلَّتَهم « وفاحت رائحتها وقطعوا أنفاس اللاندكروزرات والدبل كابات إلى جنوب الجنوب الجديد.. طلباً « للعمل « والذي يضمن نجاحه وفاعليته القليل من « لبن الطير.. وريش التمساح.. وصوف الورل.. وشعيرات من الخنزير» ياله من درك سحيق هوت فيه شخصيات كنَّا نظنها من الأخيار !! * وهذه مناسبة لتعضيد ما جاء في المذكرة المنسوبة إلى الحركة الإسلامية أو « مجهولة الأبوين « كما وصفها الأستاذ ضياء الدين بلال في حديثه لقناة العربية.. وأقصد الجزء الخاص بتحديد المدى الزمني لشغل المناصب الدستورية وأعمار من يشغلونها.. منعاً للكنكشه والعكلته وإدمان اللقب وطول الأمل والاعتياد الذي يُبلد الشعور ويقتل الإبداع حتى أمام أصعب المشاكل وأعقدها.. والجديد شديد ومتطلع وساعي لاثبات الذات وتأكيد جدارته بالمنصب.. يعني عكس «الكومر المعمَّر» حسب قول عبدالعزيز داؤود رحمه الله، فالشباب « البكاسي « خيرٌ من القدامى «الكوامر» وفي كل خير .. * إن في سوق الله أكبر بركة لاتعدلها أبداً وظيفة الميري الممحوقة ورزقها الضيِّق وأخلاق شاغليها الأضيق وشُبهاتها الحاضرة « يعني لو لبست جلابية جديدة يقولوا ليك جبتها من وين ؟! « لكن خيال « الوظيفة « المريض يحسب كل صيحه عليه !! هم العدو !! ومعظم الوقت الذي تمضيه الوفود في التفاوض يدور حول المكاسب الشخصية « حتدونا شنو ؟ وكم وزارة ؟ « وعندما يأتي دور تسمية الوزراء « القيامة تقوم « وكل قبيلة تحتشد تأييداً لابنها !! * نصيحة لعشَّاق الميري « ختوا الرحمن في قلوبكم.. وبعدها ختوا قلوبكم بين شطوركم.. وانظروا حولكم.. كم من كان ملء السمع والبصر فانقطع ذكره لا خبر ولا أثر.. « رحم الله عمر الحاج موسى الذي كان يضع على مكتبه الحكمة القائلة « لو دامت لغيرك لما آلت إليك « وأسأل الله أن يُعين كل مسؤول على ما كُلِّف به.. وشكراً لكل من توسَّم فينا الخير.. ونسأل الله أن يجعلنا خيراً مما يظنون، وان يغفر لنا مالا يعلمون . وهذا هو المفروض