كعادته لم يمر يوم أمس التاسع والعشرين من يناير مرور الكرام في ولاية البحر الاحمر إذ شهد ميدان نادى الثغر، او ميدان الشهداء كما يحلو للبعض تسميته بديم العرب، حدثا استثنائيا بكل المقاييس. وميدان الثغر كان هو المكان الذى انطلقت منه احتجاجات البجا فى خواتيم الشهر الاول من العام «2005»،فقد تحركت وقتها مجموعة من منتسبى مؤتمر البجا نحو مركز المدينة،واثناء تفريقهم لقى خمسة وعشرون شخصاً مصرعهم،وهم من سموا لاحقاً ب»شهداء 29 يناير». ومن يومها يشهد هذا اليوم من كل عام احتفالاً ظل يقيمه الحزب الذى ينتمى له الشهداء، حتى تكونت لجنة تضم أسر شهداء البجا منذ «3» اعوام، احتجاجا على ما يرون انه تجاهل لقضية البجا وحقوق الشهداء من قيادة مؤتمر البجا، والتي على رأسها مساعد الرئيس موسى محمد احمد. وتم على إثر ذلك فصل كل ما يتعلق بالاحداث من ملفات ومطالب عن الحزب، ووصل الامر الى المطالبة بكف يد الحزب وقياداته عن القضية، وايكالها للجنة، ومنع موسى ومجموعته من قيادة الاحتفالات بالذكرى،وهو المنع الذي تطور بعد اقدام مجموعات من شباب البجا بمنع مؤتمر البجا نفسه من الاحتفال بالمناسبة في عقر داره، والانتقال بالحدث الى مدينة كسلا، على ان يشمل التاسع والعشرون من يناير الاحتفال بجميع شهداء ثورة البجا « الكفاح المسلح». لذا ربما كان احتفال الامس يشكل علامة فاصلة بين حزب البجا التاريخي، وقواعده الاساسية في ديم عرب. غير ان هذا الاحتفال قد شهد متغيرا اخر تمثل في غياب أبرز منظمى حركة الاحتجاجات التى نتج عنها استشهاد المجموعة المحتفى بذكراها بالامس، وابرز هذا الغياب قيادات مجموعة (البرش) وعلى رأسهم السيد شيبة ضرار المنسلخ عن حزب مساعد الرئيس،ومستشار الوالى الحالى ايلا عبر صفقة خاصة، والجدير بالذكر ان شيبه كان يتزعم ابان الاحداث مؤتمر البجا بالداخل، بالاضافة لغياب الصادق المليك رئيس المجلس الاعلى للثقافة والاعلام والرياضة وآخرين كان من المتوقع مشاركتهم . الا ان هناك ايضا شخصيات رجحت الاوساط مشاركتها، رغم انتمائها لحزب مساعد الرئيس موسى محمد احمد، وذلك لاعتبارات مختلفة مثل نائب رئيس مؤتمر البجا عبدالله كنه، والذي كان يشغل موقع الامين السياسي لتنظيم البجا ابان الاحداث في اسمرا، ويتواجد كنه في المدينة بصفة مستمرة فرضها موقعه الوزاري في حكومة البحر الاحمر، اذ يحمل حقيبة السياحة. كما شهد الاحتفال حضورا مكثفا وفاعلا لقيادات الحزب الشيوعى ولجنته المركزية واعلامه و قيادات الحركة الشعبية (سابقاً) مع غياب للقوى السياسية المعارضة التى كانت تحرص على الحضور فى مثل هذه المناسبات، كالمؤتمر الشعبى وغيرهم من القوى المعارضه . لم يشهد موقع الاحتفال تواجداً للقوات النظامية، بيد انها كانت تراقب بحذر على مسافة من موقع الاحتفال دون المظهر المعتاد فى مثل هكذا إحتفالات . وبعد افتتاح الحفل وقف الحضور دقيقةً حداداً على الشهداء، وخاطب الحفل رئيس اللجنة العليا المنظمة للإحتفال الاستاذ سيدى اوشكور الذى حمل مسؤولية إستشهادهم لجهات متعدده،ولمح ايضاً لتحمل قيادات مؤتمر البجا بالمركز جزءا من المسؤولية، وخص من وصفهم ب» الذين استرخت اجسامهم بالقصر»، وقال سيدي: لقد تم الاعلان عن هذا الحفل دون إستخراج إذن رسمى من الجهات ذات الصلة، مرجعا ذلك بحسب ما يقول» لعدم وجود قانون بالسودان»، وذلك دون ان يقدم الرجل اية تفصيلات. والجدير بالذكر أن الاعلان عن الحفل في شوارع المدينة صاحبه العديد من عبارات الادانه لجهات عليا بالدولة ،واعقبه حديث السيد حسين حسان ممثل اسر الشهداء الذى وصف الاغراءات المقدمة بإستلام اسر الشهداء للديات، بالامر غير المقبول، وعدها محاولات للتعامل مع القضية على طريقة «اخوى واخوك»،وقال بأسلوب تصعيدى : سيتواصل النضال ولن يقبل ذوو الضحايا غير القصاص . وعلى غير العادة في مثل هذا الاحتفال فإن قيادة الولاية التنفيذية و القيادات السياسية بالمؤتمر الوطنى ببورتسودان، لم يتعرضوا لاي نقد او هجوم من قبل المتحدثين،إسوة برصفائهم بالمركز والذين كيل لهم هجوم هو الاعنف من نوعه، وهو ما أثار الكثير من الاستفهامات لدى المتابعين لسير القضية، وتطورات عمل لجنة اسر الشهداء. وعن أسباب تغيب قيادات الحزب الحاكم عن الاحتفال قال ل»الصحافة» نائب رئيس المؤتمر الوطنى لشؤون الحزب بالبحر الاحمر محمد طاهر حسين «لم تقدم لنا دعوة للحضور»، وعلق محمد طاهر حسين المعروف ب» البلدوزر» على ما احتوته مخاطبات قيادات لجنة أسر الشهداء وبخاصة ما ابدوه من عزم على التصعيد،عقب حسين قائلاً : نحن نحترم الرأى الآخر، و ملف الضحايا « لا يعنينا كسياسيين وهو ملف يدخل ضمن الاختصاصات ألامنية والعدلية فى المقام الاول». وخاطب الاحتفال عبر الهاتف ياسر عرمان واحمد حسين آدم. ود. ابو محمد ابو امنة، ومن المعارضة فقد شارك سليمان حامد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السودانى، والذى قدم بصحبة وفد مركزي من الحزب لحضور الاحتفال، وانتقد سليمان حامد من خلال كلمته ميزانية العام «2012» بالولاية،وتحدث عن العلاقة التاريخية بين مؤتمر البجا والحزب الشيوعى، معددا مراحلها المختلفة ومبينا درجات التقارب بين التنظيمين السياسيين،ووصف القيادي الشيوعي هذه العلاقة بأنها تاريخية وقال انها قائمة فى الاساس على درء المظالم . وعلى الرغم من عدم مشاركة المؤتمر الشعبي رسمياً فى الاحتفالات اعلن الحزب بالامس في المدينة عن اعتزامه اقامة منتدى قانونى حول أحداث «29» يناير، بدار الحزب يوم «31» يناير بعنوان « 29 يناير مابين القضاء الوطنى والقضاء الدولى»، ووجه الشعبي الدعوة للقانونيين واسر الشهداء للمشاركة. وفي بورتسودان طالب الامين العام المستقيل لمؤتمر البجا عبدالله موسى بتكوين لجنة تحقيق دولية لتحديد المشاركين في تلك الجريمة، على حد وصفه. واشار موسى في حديثه هاتفيا ل» الصحافة» امس الى انه كان احد معتقلي تلك الاحداث، وشاهدا على كل ما تم في ذلك اليوم، الا ان اللجنة التي كونت للتحقيق لم تطلبه للشهادة. ووصف موسى مطالب اسر الشهداء بالعادلة، مشيرا الى انهم كانوا مناضلين قضوا في سبيل قضية سياسية، ولابد من اعادة الاعتبار لهم ووضعهم في المكان الصحيح، ولابد من تعويض اسرهم معنويا وماديا بشكل عادل ومنصف. وقال عبدالله موسى ان مؤتمر البجا يجب ان يعمل على تعزيز الجهود التي تبذل لمعالجة هذا الملف من منطلق دوره ومسؤولياته. ورأى موسى في نقل مؤتمر البجا احتفاله بالمناسبة من موقعه الطبيعي الى مدينة كسلا، هروبا من اسر الشهداء، واضاف « وهو جزء ايضا من عملية الانسحاب من قضية شهداء «29» يناير». الا ان القيادي بالبجا اشار الى مشاركة امانة مؤتمر البجا بولاية البحر الاحمر في المناسبة. وهى الامانة التي يقودها محمد احمد مختار. ووزعت بالامس تزامنا مع الاحتفالات اللجنة العليا لمقاتلى مؤتمر البجا- الكفاح المسلح، بيانا عدت فيه هذا اليوم» يوم عيد لكل شهداء النضال الوطنى الذين قدموا نفوسهم رخيصة لاحقاق العدل والمساواة ورفع الظلم والتهميش»، واتهمت اللجنة المركز بتقديم ما وصفته ب» الوعود الكاذبة عبر وكلائه المدجنين بأهوائهم ومصالحهم الشخصيه». واشارت اللجنة الى ان ذكرى الاحداث تجئ هذا العام «وقد فرضت الرياح السياسية على القيادة السياسية لمؤتمر البجا ان تدفن رؤوسها فى احتفال مصنوع بمدينة كسلا ،بينما تناقلت الانباء أخبار الليلة السياسية المزمع عقدها بدار المؤتمر الشعبى بالخرطوم. وقال البيان ان المقاتلين يثمنون» الحراك الذى قاد لاحياء ذكرى شهداء الحق والضمير الذين رووا بدمائهم ثرى شرقنا، ويطالبون بأن يتم اجلالهم عبر ايجاد الحلول الحقيقية لقضيتهم وتقديم الجناة للعدالة».