٭ بدعوة كريمة من الاخ الفنان عز الدين كوجاك صاحب مدرسة مسرح الكارو بودمدني وفي اطار ايام الخرطوم المسرحية ذهبت الى سجن ام درمان بصحبة كوجاك وفرقته والاستاذ المسرحي ابراهيم حجازي وكنت اعرف ان كوجاك سيقدم مسرحا ولكن لا اعرف شكله ودلفنا لداخل السجن وقد استقبلنا الجنود وصف الضباط والنزلاء واكرمونا ايما كرم وبرغم محن السجناء إلا ان الابتسامة وبشاشة اهلنا السودانيين لا تفارق محياهم وياهو ده السودان في كل مكان ، واستقبلنا الملازمون الاوائل فخر الدين كاروري ورشاد ناصر ادريس وعباس محمد الباقر وكنا في معية العقيد الحسين فتح الرحمن مدير سجن ام درمان (وان شاء الله ما تضوقوا السجن وتذكرت الفنان عبد الرحمن عبد الله في اغنية ضابط السجن.. ويا ضابط السجن صبرك لحظة واحدة). وتفرست في الوجوه ووجدت ان مقولة السجون للاصلاح تنطبق على سجن ام درمان في التعامل الانساني بين الضباط والجنود والنزلاء وارى انه مدرسة من مدارس الحياة وبداخله تهذيب وانسانية ومسجد كبير تقام فيه الصلوات، ولفت نظري مستوى النظافة في حوش السجن والعنابر والمكاتب، وادخلنا كوجاك في عالم مسرح جديد وتجربة رائدة تحسب لعز الدين كوجاك وفرقته المكونة من محمد عبد الجليل ومحمد عباس وكامل علي الشيخ وفوزية أحمد محمد وكانت التجربة تحت عنوان مسرح النزيل ، وافاد كوجاك ان اول مسرحية قدمها في مسرح النزيل بود مدني في السجن بعنوان «لنا قضية» وكانت من تأليف النقيب آنذاك بدر الدين ميرغني في العام 4891 وهو الآن برتبة اللواء، وقدم كوجاك تجربته من قبل في سجون كل من كسلا وبورتسودان وام روابة والابيض وسجن النساء بود مدني وسجون الروصيرص والفاشر ونيالا وسجن كوبر بالخرطوم بحري، ويرى كوجاك أن مسرح النزيل وجد المشاركة والتفاعل بفضل رعاية اللواء ابو عبيدة سليمان مدير الادارة العامة للسجون وتجيء مشاركة فرقة كوجاك ضمن احتفالات البلاد بالمسرح الذي يعرض في المسرح القومي في فعاليات المهرجان ويرى ان للمساجين حقاً في الوقوف على تجارب المسرح بمشاركة طيبة بين العميد الوسيلة الامين مدير سجون ولاية الخرطوم والاستاذ صديق صالح مدير مهرجان المسرح ، ويقدم كوجاك بعد ان تم تجهيز مكان العرض في حضور لكل الناس داخل السجن انه ابو الفنون هو المسرح- الرسالة- الاصالة- الحضارة- التراث واحساس بالانسانية هو النفس والناس هو هموم الناس ويرحب بالمشاهدين في سجن ام درمان وبخلفية مهرجان ايام الخرطوم المسرحية يقول كما عزفوا أحلى الالحان في المسرح القومي فتحية لهم مبدعين ومسرحيين والتحية الى نزلاء سجن ام درمان وهم في مواقف الابتلاء والامتحان.. وتمنياته بأن يجدهم جميعاً خارج أسوار السجن يلتقون بالاهل والحبان، واقول ان هذا العمل غير انه مسرحي إلا انه انساني كبير قام به كوجاك بوعي كامل بأن المسرح هو ابو الفنون لأن في تجربته مسرح الاطفال خارج دائرة الاسرة (الشماشة) وان المسرح المتجول صنع لكوجاك فهما كبيرا بالقضايا الاجتماعية ومعالجتها بصورة مسرحية فنية ابكتني كثيراً داخل السجن كما أبكت الاستاذ الرائد المسرحي ابراهيم حجازي، وفي الخاطر ان الجريمة لا تولد مع الانسان لكن تدفعه لها ظروف فوق طاقته لذا يجيء به الى السجن للاصلاح، وما قدمه كوجاك إصلاح اجتماعي بفهم فلسفي لمسرحه الخاص به والذي أسسه في العام 4891 بود مدني واطلق عليه مسرح الكارو ، وفي رسالة انسانية إننا نتواصل مع نزلاء السجون وكونا اصدقاء رابطة النزلاء ونحن اليوم في رحابكم وضيافتكم بسجن ام درمان وانا امسك الدركسون من ارض المحنة بود مدني الى بقعة ام درمان لاقدم لكم مسرحا يقدم طرحا وفكرة واسلوب فهم وحبا وعشقا وإنتماء للانسان السوداني اينما وجد في ارض السودان.. وقد اثبت كوجاك ان خطاب مسرح السجين خطاب متطور يلامس نفوس المسجون والسجان بفن ورؤية تحدث عنصر التطهير لدى المتلقين، وقد لاحظت أثناء العرض ردود افعال الحضور وتصفيقهم في احيان كثيرة تجاوباً وتفاعلاً مع ما يعرض أمامهم في مسرحية محطة غسيل الاخطاء ،ويقول كوجاك ان مسرحه يقوم على الارتجال ولكني الحظ انه في غسيل الاخطاء قدم مسرحية متكاملة قائمة على مقدمة وبداية وتصاعد للاحداث حتى وصول مرحلة الذروة وقدم الحلول وان هذا المسرح يرسل للمشاهدين قيما ومواقف في مسرح استثنائي استفاد فيه من ملكاته في فن الإضحاك، وحقيقة إن الضحك فلسفة قائمة على الموقف في المفارقة أى بمعنى فعل درامي ولا تقم على مفارقة النكتة التي لا ترسخ بالذاكرة، وما قدمه كوجاك من مؤثرات صوتية ومن استصحاب فنان بآلة العود وأغنيات تخدم خطه المسرحي في البناء الدرامي والمعادل الموضوعي لغسيل الاخطاء فيه إجادة وخبرة مسرحي، جعل الاستاذ ابراهيم حجازي يذرف الدموع، ويصف ما يقدمه كوجاك بانه مدرسة وفن ورقي وتجليات لانسان مهموم بقضايا الانسان السوداني.. وان ما قدمه كوجاك محاضرات في التماسك الاجتماعي في الدعوة للعودة لاحضان الاسرة والجلوس حول صينية الغداء لانها مؤتمر للاسرة تتضح من خلاله المسافة النفسية الممتدة والمتماسكة بين افراد الاسرة ويتحسس من خلاله الاب إن كان بالكلام أو من خلال النظرات مايعترض ابناءه في مناحي الحياة.. وعرفت ان في سجن ام درمان محكومين بفترات قصيرة وهنالك بعض المنتظرين وقد ازعجهم الانتظار ويزعج اسرهم لكن ماذا يقولون ويفعلون انهم ينتظرون الفرج والمادة بالرقم 342 في القانون يبقى لحين السداد وقد كتب أحدهم قصيدة: المادة في القانون مسماة يبقى لحين السداد مرفوعة سيف اصبح مسلط فوق الرقاب كم أسرة ضاعت بالسبب وقد رحب الملازم اول فخر الدين كاروري بايام الخرطوم المسرحية في السجن والقى كلمة عصماء وقد خاطب الجمهور والفرقة احد النزلاء وكان زرب اللسان حاضر البديهة يتكلم بطلاقة الادباء.. واقول إن مسرح كوجاك لغة للتلاقي داخل السجون وبحوث ومدارسة للباحثين الاجتماعيين في تطوير معاني ودلالات الاصلاح من غير مباشرة، إنما في بوتقة فنية مبدعاً من رائد مسرح الشارع والنزيل والكارو عز الدين كوجاك الذي يخلق لغته الخاصة وخطابه المسرحي الخاص في فضاءات من الابتكارات ويكتب احلام كل المساجين بانطلاق فرضية يؤطر لها من ان الاشياء عند البعض ليست هى الاشياء إنما الجمال يجعل الاشياء على حقيقتها لذلك يجب على السجين في مسرح النزيل ان يحلم ويؤمل في ايام قادمات خارج اسوار السجن الذي يصبح في حياته عبارة عن ذكريات ووقفات للتأمل بين قيم الخير والجمال والانعتاق من الخطأ والسير على درب الحياة الطويلة بهدى وتقوى واستقامة،انه المصلح الاجتماعي كوجاك افق من الكوميديا والتراجيديا وافق من التأمل والمفاكرة وقمر من الثقافة يضيء نفوس متابعيه وتضيء فرقته ردهات السجون والشوارع، انهم نوارس تضيء البحر من ظلمة مدلهمة يحاورون جمهورا يحتاج الى روايات جديدة وإعادة كتابة لتاريخهم الشخصي ويتهجى معهم كوجاك كل الخطوات القادمات بوسيلة اتصال حديثة وحضارية هى المسرح بأسئلة التجدد والتجديد بمفاهيم من حديقة الانسانية وهى حديقة كوجاك وفرقته ، لك من كوجاك جمهور متابع وردة من القرنفل وسحابات من الماء تبلل بها الطريق للاخرين لتخضر الارض بفكرك ويعود كل الى بيته يحمل الحلوى لاطفال ويضمهم في احضانه لقيا وتلاقي حققتها لنا كوجاك وابكتنا وودعنا السجن وكل شخوصه ارتسمت في الذاكرة أناس سودانيون جاء بهم القدر الى هذا المكان اللهم فك كربتهم وكربة كل مسجون . قولوا : آمين ،آمين. [email protected]