«كن طموحاً، إبدأ صغيراً ثم إعمل الآن». عبارة كانت لها صدى لدي وأيضا أعتقد لدى جميع الحضور الموجودين في أكاديمية العلوم الصحية بأم درمان يوم السبت الماضي. إستخدم البروفيسور حسن بلة هذه العبارة لتوصيف فلسفة مابل وولف التي أسست مدرسة تدريب القابلات في السودان في عام 1921، كانت المناسبة إزاحة الستار عن لوحة تبرع بها هذا البروفيسور المعروف لتذكر العمل الذي قام به من أسس للقبالة الحديثة في السودان- مابل و أختها جيرترود و إثنتين من زميلاتهم السودانيين، بتول محمد عيسى و جندية صالح. ولكن أكثر من أي شيء فقد كانت فرصة للتفكير في تحديات توفير الرعاية الصحية في جميع أنحاء السودان. تقدر الأكاديمية النقص في الكوادر الصحية بعدد 95,000 من الممرضات والقابلات والمهن الصحية في ولايات السودان السبعة عشر جاء إحتفال يوم السبت في الوقت المناسب لأنني كنت لتوّي قد ودعت ستيفن أوبراين، وزير المملكة المتحدة المسؤول بالتعاون التنموي مع دول أفريقيا جنوب الصحراء- خلال زيارته، دشن السيد أوبراين الخطة التشغيلية لإدارة التنمية الدولية البريطانية: التي تبين كيف سنقدم فوائد ملموسة للشعب السوداني على مدى 3-4 سنوات قادمة، بما في ذلك تمكين800 ألف إضافي من الحصول على مياه الشرب النظيفة و تقديم برامج متصلة بالتغذية والصحة ل 3 ملايين لقد عقدنا مناقشات أولية في السفارة مع فريقنا حول كيف يمكن أن تساعد المملكة المتحدة السودان لمعالجة مشكلة %80 أو أكثر من الفتيات اللاتي يخضعن لعملية الختان. العاملون في القطاع الصحي في السودان وكذلك الحكومة مصممون على القضاء على هذه الممارسة بحلول 2018. للقيام بذلك أظن أن علينا جميعاً العودة إلى المستقبل والتعلم من النجاح الذي تحقق في تدريب القابلات قبل أكثر من 90 عاماً قام السيد أوبراين كذلك بزيارة دارفور حيث رأى كيف أن المملكة المتحدة قادرة على مساعدة سكان دارفور للإنتقال من الإعتماد على الدعم الإنساني إلى التنمية على المدى الطويل. خزان غولو خارج الفاشر تجري صيانته و ربطه بشبكة المياه في المدينة. إنه مكان جميل في أرض قاحلة و هو خزان المياه السطحية الدائم الوحيد في جميع أنحاء دارفور. أشجار المهوقني التي تحيط به زرعت في عام 1947 عكس طموحاً، إبدأ صغيراً ثم إعمل الآن عندما تم تشييد الخزان. اليوم صارت الأشجار ضخمة لها ظل وريف. بينما كنا نهم بمغادرة المكان إلتقينا بمزارع يبلغ من العمر 96 عاماً حيث قال إنه ما يزال يتذكر كيف كان يسقي الشجيرات عندما كان شاباً. الأمن في بعض مناطق دارفور ما زال مصدر قلق كبير و منذ زياراتنا للمنطقة فقد تم إختطاف عامل إغاثة آخر. وفي اليوم الذى كنا فيه هناك لقي أحد عناصر قوات حفظ السلام التابعة للبعثة المشتركة للأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي مصرعه بطريقة مأساوية كما أن المزيد من المدنيين فرّوا إلى الفاشر هرباً من القتال الذي دار مؤخراً ولكن هناك أمل في الأفق. السلطة الإقليمية لدارفور تعمل على إكمال هياكلها كما يتم الوفاء ببعض التزامات وثيقة الدوحة لإحلال السلام في دارفور. وعلى الأقل بعض النازحين الذين إلتقينا بهم بدأوا التفكير بشكل جدّي في مستقبلهم ما بين العودة إلى ديارهم و أراضيهم أو اتخاذ قرار ببدء حياة جديدة في الفاشر ومدن أخرى. سوف يختار الكثير منهم الخيار الأخير وستكون المياه النظيفة إحدى إحتياجاتهم الرئيسية. لقد توقعت المملكة المتحدة ومعها هيئات المياه بالولاية ومكتب الأممالمتحدة لخدمات المشاريع ذلك ونأمل أن نساعد سكان دارفور على التمتع بمستقبل أفضل. هذه ثالث زيارة لي للفاشر هذا العام. و بينما لم تعد عناوين الأخبار تركز على دارفور فإن المملكة المتحدة لم تنساها دارفور تقدم بصيصاً من الأمل في مشهد متزايد الإضطراب. قريباً جداً سأحزم أمتعتي لأذهب في إجازة بعد خمسة أشهر من النشاط المكثف إلى حد ما. أغادر و شيء من القلق ينتابنى . يبدو شهر مارس صعباً على السودان. الصراع ما يزال مستعراً في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والتوترات بين جنوب السودان والسودان تنذر حتى بإندلاع نزاع على نطاق أوسع. حثّ وزير خارجيتنا و أطراف أخرى على الهدوء. نحن ما زلنا محايدين: كلا البلدين ينبغي عليهما إتخاذ تدابير لتخفيف المواجهات كما يجب عليهما الإمتناع عن دعم الجماعات التي تحارب بالوكالة في أراضي كل منهما. على الطرفين كذلك أن يسمحا بوصول كافة المساعدات الإنسانية الى المدنيين المحتاجين أينما كانوا. وعلى كلا الطرفين الإنخراط في عملية سياسية بوساطة الرئيس ثابو مبيكي. هذه ليست مطالب تطرحها القوى «الغربية» التي تتدحل في الشئون الداخلية. هذه تمثل مطالب الأممالمتحدة، الإتحاد الأفريقي ،جامعة الدول العربية وقبل كل شيء الشعب السوداني الوقت لم يفت بعد للزعماء أن يختارا أن يبنيا بلدين على سلام مع بعضهما البعض ويعمل كل منهما بكل جد وتعاون لتلبية احتياجات شعوبهما لفرص العمل والمدارس والعيادات. وستعمل المملكة المتحدة حتى النهاية، من خلال علاقاتنا السياسية، التنموية و الدفاعية لتشجيع تلك الرؤية. ولكن الوقت قصير. ويزداد ضجيج الحرب. أمنيتي هي أن لا يطغى أصوات الملايين من السودانيين والجنوبيين السودانييين الذين يتوقون إلى السلام. لأن يوما ما سيكون لهذه الملايين ليس فقط أصوات - ولكن الفرصة في إسماع تلك الاصوات عبر صناديق الإنتخابات. ٭السفير البريطاني في الخرطوم