جدل واسع أثاره اطلاق مشروع صياغة دستور اسلامي ينظم حياة العباد في السودان في مرحلة ما بعد نيفاشا. لم تكن الاعتراضات التي قوبل بها مشروع الدستور حصرياً فقط على الجماعات غير الاسلاميه ، وهي التي لم يعطها مشرعو الدستور المقبل أية إمتيازات ، فقد إمتد الرفض ليشمل تيارات إسلامية ترى أن الشريعه الاسلامية اسست للدستور ، وأنه حتى يتم التوصل الى تلك المقاصد الإسلامية يجب الالتزام أولاً بالذرائع التي تؤدي اليها، كما يجب ادراك ان الذرائع وإن تم طرحها لا يعني بكل تأكيد أنها ستنفذ ويُعمل بها . ولطالما أكد ولاة الأمر أن الدستور الإنتقالي القائم الان مستدم من الشريعة الإسلامية على الرغم من أنه صيغ ليتواءم مع سني نيفاشا الإنتقالية ، لذلك وعندما إجتمعت ثلةُ من الجماعات الإسلامية وتواثقت على أن يطلق على الدستور المقبل صفة إسلامي، خرج الحزب الحاكم ليؤكد أن الشعب السوداني شعب مسلم وأنه سيكون مع خيار ان يحكم وفق الشريعة الاسلامية ، لكن ولأن القصد من تلك « المدونة « التي أطلق عليها مصطلح دستور الغرض الأساسي منها ضمان رفاهية انسان السودان وأن كل من يسكنون داخل أرض السودان ينبغي ان يتساوون في الحقوق والواجبات ولما كان تكوين ونشأة الدولة السودانية لا يقوم على الغلبة بمعني أنه لا توجد جماعة ذات أغلبية فرضت على البقية نوعا معينا من الحكم لذا وجب حماية الأقليات الموجودة والتي تتمثل هنا بغير المسلمين ، وهو ما دعا أحد قيادات المؤتمر الوطني ومفكريه الى تبني فكره مغايرة لما أخذ بالإجمال عن رأي الحزب المؤيد لمشروع الدستور الإسلامي ، فحسب أمين حسن عمر انه على الجماعة حماية الاقلية وأنه ينبغي عند كتابة بنود الدستور التركيزعلى النصوص التي توفر كامل الحماية لهم وتتم طمأنتهم بأنه وإن كانت الغلبه للمسلمين بنسبة تفوق ال( 97%) لا يعني ذلك الانتقاص من حقوق غير المسلمين « الذين يتحدثون عن دستور اسلامي ينبغي ان يركزوا على حقوق غير المسلمين لان هذه الدولة دولة معاهدة وينبغي ان يكون الجميع متساوين في الحقوق « .موضحاً الاسباب التي أدت الى إختلافه الجوهري مع فكرة تسمية دستور إسلامي بإعتبار أن الرمزيات لا تحمل في كثير من الأحيان تفصيلا لما تحتها على الرغم من أهمية وجود الرمز ، وقال أنا لست مع هذا الطرح لأسباب عملية فأنا أتعجب من ذكر هذا حلال وهذا حرام مثلما أرى عدم وجود جدوى من كتابة « أن يكون رئيس الدولة مسلماً « حيث يتضح أن تلك النصوص التي وردت لم تتم مناقشتها بصورة علمية ومنهجية بل غلبت فيها العاطفة فالأصل ان يكون الدستور عبارة عن مدونة هادية لسلوك الدولة من حكام وقضاة، تستنبط منها الاحكام ويجب على المواطنين الالتزام تجاه هذه التوجهيات ، من دون ان ننص عليها صراحة أو كتابة ومن غير أن ننقص من حقوق المسلمين وغير المسلمين لا من الناحية النظرية أو العملية ، مثلاً أنا كفرد مسلم لا يمكن أن أعطي صوتي لمرشح مسيحي لكن هذا لا يعني ان تحرم الجماعة الشخص المسيحي حقه في الترشح ،هو يترشح وفق الدستور وأنت من حقك أن تختار بينه وبين غيره .أما تضمين ذلك وفق بنود الدستور فهو يعكس هواجس النخبة الحاكمة القلقة على مستقبلها بينما الضمان الحقيقي للإستمرارية في يد الشعب وليس في يد النخبة الحاكمة . ووفق روئية القيادي في الحزب الحاكم فإن الدستور الانتقالي كان أيضا إسلاميا رغم انه لم يفصّل أن يكون الرئيس مسلما ، مشيراً الى أن الحديث عن دستور إسلامي لا يعني دولة الخلافة الاسلامية فنحن لا نريد ان يكون الرابط الاسلامي على الطراز القديم فهذا خلاف قديم حول هذا الامر ، الان ما ينبغي ان يكون عليه الحال هو تنظيم الحياة وفق الشريعة الاسلامية وكل ذلك لا يتأتي الا في حال تمت كتابة موجهات قليلة جدا تنقسم في الغالب الي قسمين امور متفق حولها وأمور خلافية وعلى الرغم من أن الأخيرة تكون قليلة لكنها تكون حادة ومثار جدل وتشرذم لاسيما عندنا في السودان « الدساتير ترسخ النزاع اكثر من الوفاق خاصة في السودان قاعدة الاتفاق واسعة والاختلاف محدودة لكن الصراع فيها حاد لذلك كان ينبغي ان ندونها ونحسم القضايا المختلف عليها قبل الدستور « وهو الشئ الذي يتطلب المزيد من الحوار الجاد ، بيد أنه وفي رأي أمين عمر فإن هناك ثمة جماعة لم يجئ على ذكرها صراحةً تعمل على إبعاد الرؤى على ما أُتفق حوله مع الاخرين ما سيؤدي الى إبعاد الشقة بين الاراء المختلفة . مستعرضاً أراء تؤيد فكرة أن يتم طرح القضايا المختلف حولها أمام الجمهور ليستفتي فيها ، لكنه أشار الى أنه يختلف مع تلك النظرية شارحاً سبب إختلافه بأن رد الجمهور حول القضايا المضمنة في الدستور بعد إجازته دائماً تكون إيجابية ويرد ب( نعم )، وهذا ما يعرف بحالة المزاج العام ، لذلك الاولي أن يؤخذ رأي الجمهور في القضايا الخلافية قبل ان تطرح بصورة نهائية ، كقضايا الحكم الفيدرالي الان لدينا أكثر من ثلاثين محلية في ولاية جنوب دارفور يجب ان تسحم مثل تلك الترهلات الدستورية ، كما أن موجهات علاقات الدين بالدولة وسلطة التشريع يبنغي ان تكون ديمقراطية ، يتم فيها ترجيح غلبة الرأي .وسلط المتحدث الرئيس في ندوة « ماهية الدستور الإسلامي « امين حسن عمر الضوء على المسكوت عنه في فقه التشريع محدداً بصورة أكبر العقوبات الحدية وما اثير من نقاش مستمر بين ولاة الامر والقضاة المنفذين، مع التأكيد على أنها من القطعيات في الشريعة الإسلامية ، وضرب مثلاً بقضية الردة هل تعني الخروج من الدين أو الخروج على الدين، ومن ثم العمل على هدمه ومحاربته؟ ، فضية الحدود نفسها فيها خلاف واسع بين المسلمين انفسهم ، ونبه الى ان الرئيس السابق جعفر نميري حاول الخروج من ذلك الخلاف بسن قانون هو الاول من نوعه بعد ان امر بتطبيق الشريعة الاسلامية اقر قانون مسقطات الحدود، لكن ومهما يكن من خلاف يجب الا يرسخ له بفكرة كتابة مصطلح دستور اسلامي لأن ذلك سيؤدي في النهاية الى عملية إقصاء للمسلمين انفسهم في مرحلة من المراحل بعد أن تتمكن طائفة مسلمة وتعمل على إبعاد غيرها من الطوائف وهذا ما يحدث الان في دولة إيران التي تمتلك دستورا ظالما وطائفيا يجب الا يستدل به ، وشدد أمين على أن إيران دولة طائفية ظالمة ليس لغير المسلمين بل للمسلمين أنفسهم ، لذا وجب عدم الاستدلال بالتجربة الإيرانية على الرغم من أن هناك مصالح مشتركه تجمعنا وإياهم، لكنها تحدد في الدستور أن يكون الرئيس شيعيا منتميا الي طائفة شيعية بعينها . وفيما لم تعد مسألة الخلاف حكراً على المسلمين مع غير المسلمين فإن أمين أقر بوجود خلافات بين المسلمين انفسهم او الطوائف فيما بينها، كاشفاً عن خلافات تمور داخل قيادات حزب المؤتمر الوطني بسبب قضايا فقهيه محدداً رأي بعضهم الرافض للإستماع للموسيقي واستخدامها ، لذا وحسب رأيه يجب رفع الخلاف بإقناع المعترضين اياً كان شكل المختلف حوله ، مشدداً في ذات الوقت انه مهما بلغت حدة الخلاف مع الغير يجب ان يستخدم الحسني « وجادلهم بالتي هي أحسن « فهم إن كانوا مسلمين فهم أهل كتاب قدسي، وإن لم يكونوا مسلمين فهم أيضاً أهل كتاب . لكنه رجع مرسلاً رسالة واضحة الى حزبي البعث والشيوعي، مؤكداً لهم أنهم إن طرحوا العلمانية واستفتوا فيها الشعب فالحكومة مستعدة للنظر فيها كأطروحة للدستور ، ليستدرك بقوله لكن العلمانية سقطت في كل العالم وليس في السودان وحده ، واذا لم يعط الدستورللشعب ستظل الحكومات مهددة مثلما حدث في دول الربيع العربي، حيث ان المخرج الوحيد لتلك البلدان هو الجمع بين الاسلام والديمقراطية فإذا اردت ان تعرف مستقبل دولة ما، تعرف أولاً على اتجاهات الفكر الممنوع واتجاهات الشباب فيها .