لكل فصل من فصول السنة خصائصه الطبيعية المميزة له والدالة على بدايته ونهايته، وما بعد منتصف شهر مارس يكون الصيف قد أعلن عن بداياته التي تكون منطلقا للعدد من الهواجس من الأمراض المصاحبة لارتفاع درجات الحرارة، على رأسها التهاب السحائي او «أبو فرار» كما يسميه الكثيرون، وفي الاسبوع الماضي كانت البلاد قد تعرضت إلى ارتفاع مفاجئ في درجات الحرارة نتيجة للعاصفة الشمسية التي تأثر بها كوكب الارض عامة، وكانت الهيئة العامة للارصاد قد وعدت جراء ذلك باتجاهها الى رصد التوقعات الاسبوعية ومد الجهات ذات الصلة بها، طوال فترة الصيف، لأخذ التحوطات الصحية والوقائية للاطمئنان إلى سلامة وصحة المواطن، وما بين ما اوردته هيئة الارصاد وما يتردد كل عام من انتشار امراض بعينها، يكون واجب وزارة الصحة في التوعية بالامراض الوبائية وتوفير الامصال الوقائية للامراض التي تحتاج لذلك، ودعم الحوادث لتكثيف استعدادها لاستقبال تلك الحالات، وان كان عدد من المختصين قد ارجعوا انتشار امراض الصيف الى السلوكيات والملوثات وتعرض الشخص الى درجات الحرارة ومن ثم الدخول في اجواء التكييف وتناول المثلجات بحثاً عن البرودة، مما يؤدي الى انتشار الالتهابات في الجهاز التنفسي العلوي. ولكن يقف دور الدولة في الحد من توفر البيئة المرضية والتوعية الصحية وتوفير العلاجات الاسعافية في حالات الطوارئ، وفي العشرين من شهر مارس من العام الماضي كانت وزارة الصحة قد أعلنت وضعها حزمة من التحوطات لمجابهة أمراض الصيف والخريف، بتقوية نظام الترصد المرضي بغرض التدخل السريع، والعمل على كلورة مياه الشرب، وحددت أولويات ومعايير لدعم النظام الصحي بعدد من الأجهزة والمعدات الطبية، وتوزيعها على المستشفيات، وزيادة التغطية بخدمات الرعاية الصحية الاولية. وفي حديثي مع اختصاصي طب الأطفال بمستشفى ام درمان التعليمي دكتور من الله الطاهر، قال إن أخطر الامراض التي تمثل هاجسا في فصل الصيف هو مرض السحايا او الحمى الشوكية، وان خطورة المرض تكمن في كونة مرضاً وبائياً ينتشر في اماكن الازدحام، ويعد من الأمراض التي تشكل هاجساً كبيراً للمجتمع مع مقدم فصل الصيف، ويرجع ذلك الى ان ضحاياه يكونون من مختلف الأعمار الاطفال والشباب وكبار السن، وهو مرض يحتاج الى احترازات وتدخلات كبيرة من قبل الدولة خاصة في الاماكن المزدحمة، وتوفير المياه وتوعية المواطن بتفادي الزحام وتوفير المصل الواقي للمرض، وهناك الامراض الصيفية التي تصيب العمال بنسبة كبيرة، منها ضربة الشمس، وهم غالبا لا ينتبهون الى صحتهم حيث يفقد جسمهم الكثير من السوائل بسبب العرق والتعرض للشمس، ويعملون على تعويض الفاقد بشرب المياه فقط، في حين يكون الجسم قد فقد كميات من أملاح الصوديوم، وهذا الأمر يحتاج الى كثير من التوعية. ويضيف أن غالبية امراض فصل الصيف هي امراض وبائية ناتجة عن التزاحم او التعرض للمياة الملوثة، مثل التايفويد والدوسنتاريا وشلل الاطفال والكوليرا، وهي ما يسمى أمراض المجتمعات المتخلفة، وتكون التوعية بها صعبة، ولكن من المفترض طالما أن الفكرة الاساسية التوعية أن تتبناها الدولة ومنظمات المجتمع المدني والقابلات واساتذة المدارس، وتكون في النوادي ورياض الاطفال، ومن المفترض أن يتم تدريس منهج السلوكيات في الرياض والمدارس عن سلوك الفرد في التعامل مع نفسه ومع المجتمع والفرد مع البيئة المحيطة به، وعن كيفية التصرف الحضاري واستخدام المنافع. أما في ما يخص الاطفال فهناك أخطاء تقع فيها الاسر في الاجازة الصيفية، فمن المهم جدا ان يكون فصل الصيف للراحة لأن الحميات تنتشر فيه بصورة اكبر من بقية الفصول، ولكن للأسف يستغل اولياء الامور الاجازة لالحاق ابنائهم بالكورسات والمعسكرات، مما يدخلهم في دائرة الازدحام، وهذه أزمة يجب الانتباه لها ومعالجتها ايضا عن طريق التوعية، ويقول من الله إن من الامراض التي تكثر الاصابة بها في فصل الصيف النزلات المعوية، وهي عند الاطفال كثيرة، ويتأثرون بها اكثر من غيرهم، خاصة أن الاطفال اجسامهم ضعيفة ولا تتحمل فقدان السوائل نتيجة القيء والاسهالات، وهي دائماً ما تكون نتيجة للتلوث الناتج عن تناول الأطعمة او المشروبات، أي هي نتيجة خارجية خارج الجسم والسلوك، وطريقة المعيشة فيها سبب رئيسي، ولعل اسرع طريقة لانتقال الامراض الوبائية مثل الدرن والتهاب الكبد الوبائي هي تناول الملوثات وشرب الماء من السبيل الملوث في الشارع، خاصة من أولئك الذين يسيئون استخدامه حين يغسل احدهم وجهه ويتوضأ ومن ثم يشرب بذات الاناء. ومن هنا يبدأ انتشار النزلات المعوية «القيء والاسهال» وفقدان السوائل، وهنا يجب التوعية بتعويض المفقود من السوائل بالجسم وذلك لا يكون الا بتناول الماء والملح «ملح التروية»، وهناك عامل مهم جدا هو الذي يؤدي الى تأخر كثير من الحالات، وهو الاستطباب خارج المؤسسات العلاجية بالتداوي بالاعشاب وهذا يؤزم الوضع الصحي للمريض خاصة في حالات النزلات المعوية، لذا لا بد من التوعية وطلب العلاج داخل المؤسسات العلاجية المعنية. وفي حوادث وطوارئ مستشفى الخرطوم كان لنا حديث مع مسؤول الاحصاء فتحية سليمان التي تحدثت لي وقالت إن الحالات الداخلة والمسجلة للحوادث في الصيف تكون غالبية الاصابة فيها بالتهابات الجهاز التنفسي. واضافت: وفقا لما ورد الينا العام الماضي من تردد الحالات فهي التهابات الحنجرة والتهابات الجيوب الانفية، وفي العام الماضي كانت حالات السحائي اقل بكثير من الاعوام الماضية. ولعل ذلك يرجع الى استخدام المصل الوقائي، وقالت: حتى شهر فبراير الماضي عدد الحالات المترددة على الحوادث بلغ أكثر ستة آلاف حالة، والحالات الحرجة ألفان وخمسمائة ثلاثة وستون حالة من مرضي الباطنية. وفي إدارة الحوادث كان لي حديث مع مدير الحوادث والطوارئ بمستشفى الخرطوم التعليمي الدكتورة هالة ابو زيد التي قالت لي: إن امراض الصيف في مجملها تكون نتيجة فقدان الجسم لكمية السوائل التي يحتاجها، ويكون ذلك ناتجا عن كثرة التعرض للشمس الأمر الذي يسبب الصدمة الشمسية ويدخل المريض في غيبوبة بعد ان ترتفع درجة حرارة الجسم، مما يحدث مشكلة في الرأس بعد ارتفاع درجة الحرارة في الدماغ، مما يسبب الصدمة الدماغية نتيجة التعرض للشمس في فترة طويلة، لذا يجب تغطية الرأس والإكثار من شرب السوائل وعدم التعرض الى الشمس لفترات طويلة، وهناك امراض العيون التي تنتج عن التعرض الى اشعة الشمس، وحتى لا يتأثر النظر علينا تغطية العيون بالنظارات. وتنتشر في فصل الصيف الأمراض المعدية المنقولة بواسطة الذباب الناتجة من انتشار الاوساخ، وتعتبر امراض التايفويد والدسنتاريا والالتهابات في الجهاز التنفسي العلوي من اكثر الامراض شيوعاً، وتنتج عن التعرض للتلوث وتناول الأطعمة الملوثة، خاصة في حال تناول المشروبات في الشوارع بدون معرفة مصادرها، مما ينقل امراض التلوث مثل الاسهالات والقيء والتهابات الاوعية الدموية، لذا لا بد من تنفيذ كل الضوابط الصحية وحماية المستهلك والمتابعة والرقابة من قبل المحليات خاصة عند تعرض المشروبات والمعلبات لأشعة الشمس في المحال التجارية، لأن ذلك يؤدي الى تفاعلها مع السوائل ومع «البلاستيك» نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، مما يؤدي الى تكوين مواد مسرطنة. وفي ختام حديثها قالت إن الازدحام يؤدي الى انتشار التهاب السحايا الذي ينتقل من خلال العطس، ويؤدي الى التهابات الجهاز التنفسي العلوي والدرن، وهذه الامراض لا تقتصر على فصل الصيف فقط، ولكن بيئة الصيف تساعد على انتشارها وبائياً.