٭ نفى والي جنوب كردفان مولانا أحمد هارون لصحيفة الوان الصادرة أمس ما جاء في شريط الفيديو الذي بثته قناة الجزيرة الجمعة الماضية بالصيغة التي ورد بها، ووصفه بأنه لا يمت لحقيقة ما قاله بصلة، متهماً (يداً) لم يسمها بأنها تدخلت في حرفية ما قاله باضافة حرف نفي قلب المعنى رأساً على عقب أحال عبارة (جيبو حى) التي قالها الى نقيضها (ما جيبو حى)، وكانت قناة الجزيرة قد بثت الجمعة الماضية ضمن تقريرٍ لها عن الحرب في السودان شريط فيديو يظهر فيه الوالي أحمد هارون وهو يخاطب عناصر من القوات النظامية يحثهم على القتال والاستبسال، وجاء فيه ضمن ما قال (سلمونا نضيف، أمسح اكسح قشو ما تجيبو حى)، ونال هذا الشريط حظه الواسع من الذيوع والانتشار والتعليقات في عدد من المواقع الاليكترونية السودانية وغيرها، ولم يكتف الوالي هارون بنفي ما جاء في هذا الشريط ووصفه له بالفبركة والتدليس بل قال إنه سيلجأ لمقاضاة القناة التي حرّفت على لسانه شعار قوات الاحتياطي المعروف (أمسح اكسح جيبو حى).... لقد حق للسيد والي جنوب كردفان أن ينفي ويتبرأ من هذه العبارة الفظة التي لا يقبلها دين ولا يقرها عرف وتصادم جميع المباديء الانسانية والعهود الدولية بل وتصدم أخلاقيات الحرب، فليست الحرب للانتقام والتشفي والتمثيل بالاعداء مهما كانت مبرراتها ودوافعها، وهى كذلك لا تقوم بهدف إبادة البشر والشجر والحجر وإنما لرد عدوان أو لجلب حق مسلوب، وقد إحتشد التراث الاسلامي بالكثير من المواقف والقصص التي تحض الجنود على أن لا يقتلوا شيخاً ولا صبياً ولا إمرأة ولا راهباً، وتنبههم أيضاً أن يحترسوا فلا يقطعوا شجراً مثمراً ولا يهدوا بيتاً عامراً ولا يذبحوا من أنعام الناس من البقر والابل والغنم وغيرها إلا بقدر حاجتهم، ليس ذلك فحسب بل يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في غزوة بدر أمر بإطعام الاسرى قبل المقاتلين المسلمين، وتلك هى عظمة الاسلام وانسانيته التي شملت حتى الاعداء المقاتلين الذين يقعون في الاسر فأخضع معاملتهم لنظام محكم لا يجيز قتلهم أو إستعبادهم، وإنما معاملة تجنح باستمرار الى تغليب الجانب الانساني، بل أن الحروب في عالم اليوم أضحت لها أعراف وأخلاقيات تلزم ليس فقط بعدم قتل الاسرى بل وبواجب معالجة الجريح منهم أو المريض، فهل يمكن بعد كل هذا الإرث الاسلامي والموروث الانساني لعاقل مسلماً كان أو غير مسلم أن يقول في حق الأسير (ما تجيبو حى)، لذلك كان طبيعياً أن يدرأ مولانا هارون عن نفسه هذه المقولة الفظة الغليظة التي توقعه طائلة أحكام الشريعة قبل أى محاكم أخرى في حال ثبوت قولها... نسأل الله أن يدرأ عنا الحروب ويكفنا شرورها وشعاراتها كلها، لا (جيبو حى) ولا (ما تجيبو حى)....