بعد تحرير هجليج يجب أن يتأمل المصلحون من أهل الحكم المقولة النبوية الكريمة «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»، وهو جهاد النفس وجهاد الشيطان والجهاد ضد الفساد والمفسدين وما أكثرهم، وهم يعملون ليل نهار علي رفع اسعار السلع الغذائية مستخدمين انشغال البلاد بحملة التعبئة والاستنفار لتحرير هجليج، يجب أن تقول رئاسة الجمهورية التي أنشأت مفوضية أبو قناية لمكافحة الفساد: «رجعنا إلى الجهاد الأكبر»، وتشرع من فورها في تسريع خطوات جمع الملفات الخاصة بفساد بعض المسؤولين في المركز والولايات، باعتبار أن العدو المتخفي خلف أثواب السلطة والجهاز التنفيذي أكثر تدميراً من العدو المقاتل الذي يحمل السلاح ويحتل هجليج أو أية بقعة من بقاع السودان التي مازالت تنتظر حملات ردع المعتدين، إن ارتفاع سعر السكر والدقيق والزيت بناءً على الارتفاع الوهمي في سعر صرف الدولار في السوق الموازي يعتبر إعلان حرب شعواء ضد المواطن السوداني المسكين، وهي حرب تستحق من الشعب السوداني والأخيار في الحكومة أن تكوَّن لها لجنة عليا للتعبئة والاستنفار برئاسة الرئيس البشير وليس أحداً غيره. كيف يمكن للشعب السوداني أن يصدق أن حفنة من تجار العملة في وسط الخرطوم يمكن أن يتلاعبوا باقتصاد الدولة ويفرضوا ارتفاعاً جنونياً في أسعار الضروريات؟ هذا كلام غير معقول وغير مقبول، ومن الواضح أن غول الفساد أكبر من حفنة تجار يتداولون بين أيديهم بضع مئات الآلاف من الدولارات او يزيد. وإذا كان اقتصاد الدولة يمكن أن يهزمه شخص يحمل مليون دولار مثلاً، فلنعلم إذن أن الدولة بلا اقتصاد وبلا وزير مالية وبلا بنك مركزي وبلا خطط اقتصادية وتدابير يضعها خبراء الاقتصاد في الدولة، إن غول الفساد موجود داخل الدولة التي تتحكم في كمية السكر وتوزعه عبر شركات بعينها تعيد تعبئته، كما لو أن المسألة مسألة تعبئة وليس تلاعباً في الأسعار، إن غول الفساد الرسمي يوجد داخل الجهاز التنفيذي في المركز والولايات، ويعمل على إرساء العطاءات على جهات بعينها كيما تستجلب فواتير خرافية لإنجاز أعمال متواضعة ثم يقتسمون معهم الفوائد المليارية، ولماذا لا يفعلون ذلك والدولة لم تكوِّن مفوضية لمكافحة الفساد ومراجعة العطاءات والفواتير الا قبل فترة قصيرة، رغم تطاول نظام الحكم في السلطة لأكثر من عشرين عاماً. وغول الفساد الذي يحتاج إلى جهاد مستمر دون وضع السلاح مازال يمسك بملفات السلطة الحيوية ويزعم أنه الأجدر بهذه المهمة، ولذلك ليس صحيحاً أن البلاد حققت النصر الكامل بعد تحرير هجليج.. كلا، فمازال ينتظرنا عمل كبير من أجل إنهاء حالة الهلع وسط الشعب السوداني وهم ينظرون الى المفسدين والمتلاعبين بمقدرات واموال الشعب يتلاعبون بأسعار الضروريات، ويواصلون نهب ثروات البلاد وإرهاق الجماهير عبر عملية الركض اليومي لتوفير الحد الادنى من قوت اليوم، فيما تعيش طبقة عريضة من الاثرياء الجدد وكأنهم في ماليزيا أو الصين الشعبية. وبمناسبة الصين تتردد في مجالس مدينة بورتسودان عبارة ظريفة عن «أولاد الصين»، وهم مجموعة من رجال الأعمال والتجار الجدد الذين ظهروا فجأة، ممن يستوردون البضائع غير المطابقة للمواصفات ويغرقون بها اسواق السودان، تاركين مهمة اكتشاف رداءة هذه البضائع للمستهلك المسكين بعد أن يتعب من تكرار الشراء بلا فائدة، إن السلطة العليا في المركز مطالبة بالتحقيق في ملف المواصفات وملف الاستثمار وملف العطاءات، وكافة التعاملات المالية في المركز والولايات.. فهذا هو الجهاد الأكبر إن كنتم تعلمون.