آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لست راضياً عن مشروع الأسلمة والتأصيل
البروفسور التجاني عبد القادر
نشر في الصحافة يوم 01 - 06 - 2012

استضاف برنامج مقاربات بقناة الشروق البروفسور التجاني عبد القادر حامد استاذ الفكر السياسي الإسلامي بجامعة زايد بالامارات العربية المتحدة ، وصاحب النصيب المقدر من المساهمة في مشروع الأسلمة والتأصيل ليراجع معه المبادئ العامة والمنطلقات الفلسفية والفروقات والمشتركات بينها اي الاسلمة وبين التأصيل والجدوى العلمية للأسلمة وكسبها ومحصولها الواقعي على الأرض، وتنشر (الصحافة) الحوار لاهمية الافادات التي وردت فيه:
{ قضايا الأسلمة والتأصيل هي من القضايا التي وجدت حظها من الدراسة لكن دعنا نتساءل ما هو المغزى من دراسات الأسلمة والتأصيل؟
- قضية الأسلمة وقضية التأصيل لابد لها من خلفية ولو مختصرة قبل أن نعود إلى ما ذكرته من النتائج والثمرات . لا شك أن قضية التأصيل والمعرفة هي قضية مربوطة بسؤال النهضة والتخلف ، منذ قرنين من الزمان بدأ المراقبون والقادة والسياسيون يحسون بأن احوال العالم العربي ومجتمعاتنا الاسلامية والعربية ليست على ما يرام، واننا تأخرنا كثيرا عن ما هو مثلنا من الامم الأخرى خاصة الامم الغربية ، ولذلك ظل السؤال يتردد في جنبات العالم الاسلامي عن ما هي أسباب هذا التخلف وما هي الطرق التي يمكن ان تؤدي بنا الى النهضة.
لذلك جاءت مسألة اسلامية المعرفة او سمها مسألة التأصيل في اطار محاولة الاجابة على طرق النهضة الشاملة للأمة الاسلامية والامة العربية. والنقطة الاساسية في هذا الاتجاه هي ان النهضة لا يمكن ان تكون إلا بالمعرفة ثم ترتب على ذلك ان هذه المعرفة لا يمكن ان تكون خليطا من الافكار او قضايا مشتتة لكن لابد ان تكون هناك منظومة معرفية منهجية اذا اردنا أن نبدأ خطوات النهضة فأصبح السؤال كيف يمكن التوصل الى استخراج او الى تكوين منظومة معرفية منهجية.
{ واحد من اسئلتنا المطروحة كيف يمكن تكوين هذه المنهجية ..لكن حتى يتم تكوين هذه المنهجية بصورة مرتبة ينبغي ان نتعامل مع مصطلح وهنالك اشكالية فيما يتعلق بالمصطح في قضية الاسلمة والتأصيل.. من حيث المصطلح ما هو المصطلح الدقيق الذي ينبغي ان يستخدم في هذه المسألة؟
- في تقديري ان بداية الحركة هي محاولة تفكيك المصطلح نفسه ، المأزق المعرفي الذي نوجد فيه الآن أننا نوجد «مصبوبين» في مصطلحات علمية ومعرفية لم نصنعها نحن، مصطلحات اما تكون من التراث او من الحضارة الغربية فأول خطوة في حركة التأصيل والاسلمة هي تفكيك المصطلحات الجاهزة لمحاولة الشروع في عملية التفكير ولذلك اذا سميتها عملية تأصيل يقصد بها هذا اي انها تبتدع المفاهيم الاساسية التي تكون بمثابة اللبنات التي تؤسس عليها المنظومة العلمية الجديدة.
{ مقاطعة: قد يفهم التأصيل العودة للأصل وهذا قد يفهم عند بعض الناس العودة للطرق التقليدية في التعامل مع العلوم كذلك؟
- ينبغي هنا ان نفرق ماذا يقصد بالأصل اذا قصدنا بالاصل القرآن الكريم أي الوحي قرآنا وسنة فهذا أمر لابد منه وهو مرتبط ارتباطا عضويا بقضية الاسلمة وقضية التأصيل. أما اذا كنت تقصد بالاصول تراث المسلمين في فهمهم لهذه النصوص فهذا ليس هو المقصود فهي ليست عودة فقط للتراث ليست هي تحصن بالتراث إنما هي عودة إلى أصول الوحي ثم من بعد ذلك النظر في التراث نفسه ثم النظر في التراث الغربي ثم النظر في التجربة الانسانية عموما
{ التناصر بين الوحي والكون هل يمكن ان نسميه المنطلقات الفلسفية والفكرية لمشروع الأسلمة والتأصيل؟
- نحن نؤمن تماما ان المعرفة لا يمكن ان تقوم على جناح واحد أو على قدم واحدة كأن تقوم على العقل مثلا من دون الوحي وانما هذه هي الاضافة الاساسية أن الوحي هو المصدر الاساسي من مصادر المعرفة وكذلك الكون مصدر من مصادر المعرفة والجمع بين المصدرين ضرورة منهجية وضرورة معرفية.
{ دكتور في كتاباتك عن قضايا التأصيل أشرت الى ان هناك عناصر للمعرفة من بينها الوحي والتراث الاسلامي والكون لكن هناك اشارة للقلب المسلم فما هو موقع القلب المسلم من بين عناصر المعرفة؟
-كثير من الدارسين يتكلمون عن العقل والعقلانية لكن عندما تنظر للقرآن تجد فيه حديثاً متكرراً عن القلب ، القلب هو مكان التفكر وهو مكان التذكر وهو مكان الايمان والوعي الحقيقي والعقل هو وظيفة من وظائف القلب وليس العكس ، الانسان يعقل بقلبه ويدرك بقلبه ، القلب هو مستقر الكليات المعرفية وأيضا القلب موصول بالروح وموصول بالعالم الغيبي .. أنا أذهب إلى القول كأنما القلب فيه جهاز أو هو نفسه جهاز يصلنا بعالم الغيب فيه قدرة اتصال بعالم الغيب وقدرة اتصال بعالم الشهادة .. يتصل بعالم الشهادة وبالكون وبالوجود من خلال الحواس ومن خلال التكوين المادي العادي ويتصل ايضا بالعالم الغيبي بخاصية خص بها القلب لذلك نعتقد ان الجمع بينهم ضرورة لا شك في ذلك.
{ كيفية تمثيل هذه العناصر القرآن والكون والتراث الانساني والقلب المسلم كيف يمكن ان تمثل لتؤشر الى مشروع متكامل في قضايا التأصيل؟
- نعود للنقطة الأولى هي المنظومة المعرفية أو المنظومة العلمية المنهجية هي كلمة المنهج هي نقطة اساسية في هذا الأمر والعلم ايضا، دعنا نعرف التعريف السائد بين علماء المسلمين للعلم هم يبدأون بفكرة الادراك. ان العلم هو ادراك عن يقين وادراك مطابق للواقع عن دليل . فالانسان لا يكفي انه يكون متصورا لأن هناك فرق بين الادراك والتصور ولا يكفي ان يكون متخيلا ينبغي ان يكون مدركا وان يكون الادراك مطابقا للواقع عن دليل . هذه فكرة المنهج الذي نتحدث عنه لا يكفي ان نتحدث عن ظنون او افتراضات وما يترتب على هذا هو ادراك الحقيقة, حقيقة الواقع وحقيقة الوجود اذا انت لم تتوفر لك هذه المنهجية الدقيقة والأدلة لا تستطيع ان تدرك الواقع كما هو وهذا هو الذي يربط مسألة اسلامية المعرفة بمسألة النهضة لأن اكبر مشكلة تواجهنا واكبر عقبة في سبل النهضة اننا لا نستطيع قراءة الواقع بصورة صحيحة. مرات كثيرة قد يكون الانسان مخدوعا يتوهم ان هذا هو الواقع او يفترض افتراضات ليست حقيقة فميزة المنهجية المعرفية التي نتحدث عنها انها تساعدنا مساعدة دقيقة في معرفة الواقع وقراءته ومعرفة الحقيقة واذا عرفنا الحقيقة نستطيع ان نركب مشروعا للنهضة وان نفهم الفرق بين الكليات والجزئيات وبالتالي نستطيع صنع برامج ومشاريع ونستطيع ان ننشئ علوما جديدة وفقا لهذه المنظومة المعرفية وهذه واحدة من ثمرات المنظومة المعرفية التي نتحدث عنها.
{ كيف يمكن ان تحدث نهضة علمية عبر مشروع التأصيل في ظل صور ثابتة مثل الصورة اللفظية الشكلية التي تهتم بترصيع الكتب ببعض آيات القرآن الكريم وصورة اخرى صورة اعتذارية خجولة في مقابل النظريات العلمية الحديثة الموجودة كيف يمكن ان نؤسس لمشروع للتأصيل لديه جدوى علمية في ظل مثل هذه الصور الراسخة في الاذهان؟
-المدخل في تقديرنا هو مفردات القرآن الكريم ومفاهيم القرآن الكريم, وليس مصطلحات المفكرين أو المتكلمين سواء كانوا في التراث الاسلامي او الغربي، وليس الافتراضات الجاهزة او الظنون فالمفهوم هو البداية ونضرب مثالا من الواقع العملي فان الذين يعملون في مجال البناء يعرفون ان اللبنات او الطوب لها قالب معين فهذا القالب هو الذي يتحكم في شكل اللبنة ثم تشكل اللبنة في البناء او الهندسة فالذي يتحكم في صناعة القالب في مجال المعمار يتحكم في الهندسة بصورة كبيرة، نفس الشيء في المجال الفكري الفكر ايضا له قوالب فالذي يصنع القالب الفكري هو الذي يتحكم في حركة الفكر نحن نريد ان نبدأ من هذه النقطة نريد اننا نعيد تفكيك القوالب الجاهزة ولن نستطيع ان نعيد تفكيك القوالب الجاهزة هذه الا بالرجوع الى المفاهيم القرآنية لأن القرآن يزودنا بمفاهيم ما قبل مرحلة المصطلح اذا نستطيع ان نساءل وننتقد المصطلح ونخرج عليه او نعدله بمفهوم جديد، هذا المفهوم الجديد الذي يفتح لنا مكانا لنظرية جديدة او افتراض جديد وهوما يقربنا للكون لأن المفهوم القرآني مؤشر الى الكون ومؤشر الى النفس والى المستقبل والى الماضي نحن نبدأ بالمفهوم القرآني ونتبع هذه المؤشرات وهي التي تقودنا الى الكون او تقودنا الى الخلفيات العلمية او تقودنا الى المآلات العلمية وقد نتبعها بنظريات او تطبيق الى غيره ولا نكتفي بالنظرية العلمية او المقولات العلمية كما هي انما نسائلها ونعيد ربطها بإحالاتها الأخلاقية وإحالاتها الفلسفية وكذا ولا نكتفي بالمقولات التراثية وانما نحاكمها بالمفهوم القرآني ونعيد تركيبها بصورة جديدة.
{ الآن نحن نبحث عن مشروع للنهضة والتأصيل متى تم حالة الانفصال بالمعرفة في التاريخ الاسلامي وكيف تم ولماذا؟
- الفصل في المعرفة يرجع الى التأريخ الاوروبي بعد حدوث المشكلة بين المؤسسة الدينية والعلماء لأسباب معروفة لكن في بدايات الاسلام فكرة التوحيد كانت هي الغالبة فكرة ان الوحي والعقل والتجربة يتضافروا ويتحدوا في الوصول للحقيقة كانت هذه الصفة غالبة من صفات الحضارة الاسلامية لأنها حضارة توحيدية حضارة توحد بين اصول المعرفة.
وبالعودة لسؤالك اصابنا الانفصال من جراء الاحتكاك بالثقافة الغربية سواء كان في أصولها الاغريقية أو في روافدها في مرحلة النهضة وما بعد النهضة لانه حصل الفصل العلماني بين العلم والوحي أو بين الدين بصورة كاملة ثم بنيت العلوم الطبيعية ثم على اثرها العلوم الاجتماعية والعلوم الانسانية كلها بنيت على منظومة الفصل بين الدين والعلوم فصارت علوما علمانية شاملة.
ونحن في فترة الاستعمار وما بعد الاستعمار انتقل الينا النموذج الغربي في مجال التعليم وأصبح نموذجا له جاذبيته واصبح له قوته في مقابل النموذج الاسلامي التقليدي الذي توقف العمل به منذ قرون طويلة ولذلك انجذب كثير من المتعلمين لهذا النموذج الآحادي وأهمل النموذج الاسلامي.
{ تعبير الأسلمة نفسه قد يوحي بفرض نوع معين من النشاط المعرفي دون الآخر؟
-كلمة فرض كلمة قوية.. أنت في مجال العلم والمعرفة لا تفرض وانما تستكشف وتبلور وتقترح وتقدم تفاسير، فاذا قدمت تفسيرا أو افتراضا يفسر الظاهرة الاجتماعية او الاقتصادية بصورة مجدية أو بصورة معقولة والمجتمع العلمي قبل ذلك ، فهذا حسن وإذا قدمت افتراضا أو تفسيراً لم يقبل اما ان التجربة كذبته او رفضه المجتمع العلمي فسوف يكون مصيره الاهمال او النسيان فليس هناك مجال لفرض نظرية فقط بالرداء الاسلامي أعني انها ليست مثل الآراء السياسية تفرض فرضا انما هذا عمل علمي يكذب بالتجربة والنقد ويعضد ايضا بالتجربة والنقد فاذا قبل يكون إضافة وإذا رفض يرفض مثله مثل كل الافتراضات البائدة.
{ هل هناك حساسية في التعامل مع مصطلح أسلمة؟ -يشير البعض أننا عندما نسمي بعض العلوم علوما اسلامية قد يعني ذلك ان العلوم الاخرى كافرة مثلا ؟
هنالك حساسيات في هذا المسألة، الغربيون مثلا كل عنوان به مسألة إسلام مشكلة بالنسبة اليهم وكثير من العقلاء في البلاد الاسلامية يرون انه ان كانت هناك مندوحة ان نتفادى مثل هذه المعارك اللفظية فينبغي ان لا نتطلبها. لكن اذا انت اصلا تنتمي الى الاسلام وتبحث في اصول الاسلام والقرآن الكريم فاذا لم استخدم كلمة اسلامية سأستخدم كلمة قرآنية واذا كانت كلمة اسلامية تثير حساسية بعض الناس فإن كلمة قرآنية ستثير فيها الرعب ايضا.
في تقديري يجب أن لا نستجيب بصورة مطلقة لمثل هذه الحساسيات لكن العبرة بالجدوى لا بالاسم ، اي هل هناك جدوى علمية ومنهجية ؟هل هناك شيء مفيد في تغيير واقعنا المتخلف الذي نعيش فيه؟ فاذا كانت هناك جدوى فلا مشاحة في الاسماء ولا المصطلحات وان لم تكن هناك جدوى فليس من الحكمة ان نتدثر بالالفاظ والمصطلحات ان يكون ادعاء كاذبا ان ندعي ان لدينا نظرية اسلامية وفي الحقيقة انه ليست هناك اي نظرية نأتي بغطاء الدين ونستر به وليس هذا هو المقصود المقصود ان نقدم مجهودا علميا حقيقيا ليس امرا سريا انما امرا انسانيا ليس عملا حزبيا ولا مذهبيا انما هو عمل معرفي مفتوح للمسلمين وغير المسلمين ليس هناك كهنوت ولا غموض ولا مصلحة خاصة في هذه الجوانب.
{ اذا لم يكن هناك كهنوت ديني يتسلط على رقاب الباحثين ، فما هو الذي دفع المسلمين الى تقطيع المعرفة الى جذر وعلوم متقطعة؟
-العلم طبعا لا يأتي من فراغ ..العلم يأتي من علماء وفئات متعلمة والفئات المتعلمة تتكون تكوينا علميا في محضن اجتماعي أو محضن سياسي فالعلم لا يكون منفصلا من حركة الحياة الاجتماعية فعندما تنظر لتاريخ المسلمين السياسي والاجتماعي والاقتصادي تجد أنهم مروا بفترات جذر وتمدد وصراعات مذهبية في الداخل والخارج، هذه الصراعات السياسية والاجتماعية تؤثر على المؤسسة التعليمية وعلى مناهج التعليم وتؤثر على تكوين النخب المتعلمة. ففي مرحلة من المراحل تجد اهتماما شديدا بالعقل والعقلانية كما ظهر في الفترة العباسية تحت قيادة المعتزلة فترة اخرى تجد هيمنة شديدة للنص ورفضا متطرفا للمذهبية العقلانية بهذه الصورة، فيأتي التقطيع مثل التقطيع السياسي الذي اصابنا فاصابنا تقطيع في المعرفة ومذهبية في المعرفة فبعض الناس اصبح ينظرون بارتياب الى مسألة العقل والعقلانيين وبعضهم من الجانب الآخر ينظر بارتياب الى النصوص والنصوصيين فتقطعت فئات المتعلمين وفئات العلماء وتناحرت وبالتالي فقدوا الوحدة فاصبح كل اصحاب فن يتعصبوا لفنهم وفقدنا الوحدة العلمية والمنهجية كما فقدنا الوحدة السياسية.
{ البعض يشير الى ان الموقف من الاسلمة يتأرجح اما بين الموقف التقليدي او الموقف التغريبي الذي يشير للوقوع في احضان الغرب تماما او الموقف النقدي التجديدي فما بين التقليد والتغريب والنقد أين يقع مشروع الأسلمة؟
-مشروع الأسلمة في تقديرنا هو مشروع التوحيد ليس التقليد وليس التغريب وليس ما بين بين. هو مشروع توحيدي يوحد مصادر المعرفة ويجمع شعاب المعرفة في نسق علمي منطقي منهجي حتى تصل إلى أهدافها .وطبعا عملية التوحيد هذه يرجى لها من الناحية العملية أن توحد بين النخبتين اللتين اشرت اليهما من العلماء والمفكرين. نحن نعتقد أن هناك نخبة خيرة لكنها انقطعت في دراسة التراث لغة وتاريخا وأدبرت عن كل ما هو غربي أو علماني وكذلك من الناحية الأخرى هنالك نخبة أخرى تكونت علميا في التراث الغربي العلماني وأصبحت تتخندق فيه وتدافع عنه وتضع اطروحاتها وافتراضاتها العلمية كلها في اطار النموذج الغربي العلماني.
فالذي نريده في عملية الأسلمة والتأصيل أن نجمع بين هاتين النخبتين ، نأخذ النخبة التي تعمل في الاطار العلماني ونقربها ونجذبها الى المفاهيم القرآنية ونكشف لها ان هذا مصدر من مصادر المعرفة يغذي ما لديكم من معارف ويطورها ويقويها.
ثم من الناحية الأخرى أن نأخذ النخبة التراثية هذه ونقربها ما أمكن من العلوم الاجتماعية والانسانية التي تكونت في الاطار العلماني لعلنا نقنعهم ان هذه العلوم رغم ما فيها من خلفيات علمانية الا انها مصدر من مصادر معرفة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ومعرفة تحليل النصوص لا يمكن الاستغناء عنه او اسقاطه تماما. فاذا استطعنا ان نفعل هذا نستطيع ان نوحد بين فصيلين علميين مهمين في المجتمع ونكون قوينا فكرة توحيد المعرفة التي نتحدث عنها وليس هذا ببعيد.
{ هل هو أمر سهل خصوصا ان هناك صراعا بين المعسكر التقليدي ومعسكر الحداثة والتطور؟
- بالنسبة لأصحاب النموذج الغربي والحداثي كنا نظن ونتوهم ان الالتقاء معهم صعب جدا نسبة للصورة السالبة عنهم لدينا ، وهم أيضا لديهم صورة سالبة عن كل ما هو ديني. لكن من تجربة علمي لدي بعض الاتصالات والنقاشات مع بعض هؤلاء فاذا شعروا انك لست مجرد آيديولوجي تريد فرض آيديولوجية أو لست غوغائيا فقط تهتف بالشعارات لكنك علمي واستدلالي يمكن ان يستمعوا اليك لذلك كنت اشير اليهم ان كثيرا من المفاهيم التي يتحدثون عنها توجد لها أصول في القرآن الكريم مثلا نظرية العقد الاجتماعي لجون لوك فانا ارجع الى القرآن واقول نظرية التعاقد هذه اكتشفت في التراث الاسلامي وبنيت عليها مقولات لقرون قبل جون لوك لماذا نصر ان هذا المفهوم حديث وماذا يضير الباحث في العلوم الاجتماعية ان يوسع مجال النظر وان يوسع مصادر المعرفة وان يضيف بعدا معرفيا جديدا هل هذا خصم على المعرفة ام اضافة لها؟
اذن إذا قدمت قضية اسلامية المعرفة بهذا المجال فسوف تقرب المسافات بين النموذج الغربي والنموذج العلمي نحن لا نريد ان نفتعل معركة في غير معترك ولكن نريد ان نبتدئ حوارا وحركة علمية حقيقية ونحاول ان نستكشف هذه المواقع في الجانب الآخر، ايضا النخبة التراثية لابد ان تعدل في موقفها لأننا لا نلبس التراث كما هو لان التراث انتج في فترات تاريخية معينة لظروف اجتماعية وسياسية معينة فهو يطرأ عليه ما يطرأ على كل فعل بشري من عوامل البلى وغيرها وبالتالي فلابد ان يوضع في محك النقد وفي محك التحليل بأصول النقد العلمي نفسه المنطلق من المفاهيم القرآنية نفسها وبالتالي نوسع رحاب المعرفة ،المعرفة ليست فقط للمسلمين ولكن مجالها انساني عام.
{ هذه القضية قد تكون ميسورة وسهلة للذين لهم باع طويل فيما يتعلق بمجال البحث والمقاربات ولكن بالنسبة لباحث مسلم في بداية حياته العلمية يدرس التراث الغربي في كل العلوم وبالمقابل يعتقد في الدين الاسلامي وتربى التربية الاسلامية فيحدث فيه هذا الانفصام .. كيف يعالج الباحث المسلم هذا التعارض الذي يمكن ان يواجهه؟
-في تقديري لو تعمق الباحث المسلم في التراث الغربي سوف ينجو لكن المشكلة ان الناس لا يتعمقون في دراسة التراث الغربي فنحن احيانا نأخذ شكليات الفكر الغربي لأن الفكر الغربي لديه قابلية وقدرة على انتقاد نفسه لأن حركة النقد العلمي في الغرب حركة متقدة فلم يظهر مذهب في الغرب الا ظهر نقيضه والغرب لم يصل المرحلة العلمية الحالية الا عن طريق النقد لتراثه والتجاوز حتى في المجال العلمي المحض مثل نظريات الفيزياء نيوتن ومن سبقه ومن لحقه. لولا هذه النزعة النقدية الحقيقية لم تحصل قفزات في العلم وكذلك في مجال الاجتماعيات والانسانيات فهنالك مدارس نقدية قوية هي التي ساعدت في هذا التطور فإن الباحث المسلم اذا تعرض فعلا لتراث الغرب بهذه الصورة وفهم مراميه وفهم مدارسه النقدية فإنه يعود مطمئنا الى ان لدينا ما نساهم به مثلنا مثل الآخرين فليس كل ما في تراثنا سيئ وليس كل ما في تراث الغرب جيد وانما في تراثهم السيئ والجيد وفي تراثنا ايضا السيء والجيد فتتوحد المعارف الانسانية بهذه الصورة.
{ لدكتور اسماعيل راجي الفاروقي يرى ان مطلوبات الاسلمة والتأصيل تقتضي ان يكون الباحث فيها على دراية وعلم تام بالتراث وان يكون على دراية بمنتوج الغرب الحديث ثم يكون على درجة من القدرة في المزاوجة بين الاثنين ثم الخروج بمآلات لها علاقة بالتجربة الاسلامية.. هل هذا متاح؟ هل في مقدور الباحث العادي ان يعتكف على معرفة جيدة في التراث ثم المام بالنظريات الحديثة في الغرب ثم في قدرة في المزاوجة بين الاثنين؟
-الباحث العادي الفرد لا يستطيع ان يفعل ذلك ولكن القضية ليست قضية باحث فرد مستند الى حائط لكنها قضية أمة بأكملها. أمة لديها رغبة في النهضة وفي التقدم إذا وجدت هذه الرغبة وهذه الارادة وهذه الأمة يمكن ان يوجد هذا الباحث لأن الباحث يحتاج الى سند وحاضنة اجتماعية وحاضنة ثقافية فكرية حتى يستطيع ان يقوم بعملية البحث.
ولكن هذا فيما يتعلق بالباحث العادي لكن هناك باحثون غير عاديين يستطيعون ان يفعلوا الافاعيل في هذه العملية وهم كثر ولم تتوقف الأمة الاسلامية عن امثال هؤلاء وكمثال خذ الفاروقي نفسه لم يكن مسنودا بمؤسسة وخرج من مجتمع وكان فردا واستطاع ان يخرج بمثل هذه الدعوة الكبيرة وامثاله موجودون في باكستان واندونيسيا وفي بقاع كثيرة من العالم، لكن ينقصهم التناصر والتوحد وينقصهم التلاقي فنحتاج الى تكوين شبكات أو منظومات أو مجموعات من الباحثين المسلمين واظن ان واحدة من ثمرات مجهودات الفاروقي هو المعهد العالمي الكان مقصود به تجميع هذه الخلايا البحثية والذهاب بها الى غاياتها.
{ البعض يعتقد ان الاهتمام بتعريب العلوم جزء من قضايا التأصيل حتى ان بعض الجامعات اتجهت الى التعريب كلية فهل قضايا التعريب بهذا الشكل تخدم فكرة التأصيل والأسلمة؟
-اللغة العربية لا شك رافد ومصدر اساسي لفهم الوحي لأن الوحي أنزل بلسان عربي فالذي ينقطع عن اللغة العربية ينقطع عن الوحي نسبيا . لا اقول انه لا يستطيع ان يفهم الوحي الا باللغة العربية لكن من تمكن في اللغة العربية يمهد الطريق لفهم المصدر الاساسي من مصادر المعرفة ،فعملية التعريب ليست فقط عملية مهنية ولا ميكانيكية وانما هي عملية معرفية وحضارية وتسهم في مثل هذا المشروع
ونحن في حديثنا عن اسلامية المعرفة والتأصيل نذهب لخطوة أبعد قليلا نريد أن نقول ان القرآن الكريم نفسه له لغته الخاصة حتى الذين يحزقون اللغة العربية ليس بالضرورة انهم يفهمون المفردة القرآنية، القرآن له قاموس خاص ومفردات خاصة لكن اللغة العربية تشير وتوصلنا الى هذا، اللغة العربية مهمة لانها توصلنا الى هذا. فصحيح ان اللغة العربية مهمة لانها توصلنا الى هذا المنبع الهام واذا عرفنا اسرار اللغة العربية نستطيع ان نكتشف مفاتيح القرآن الكريم وذلك يعيننا في ايجاد المنظومة المعرفية التي نتحدث عنها.
{ لكن هناك حديث عن أن بعض العلوم التطبيقية والعلوم الحديثة بعض مصطلحاتها لا توجد لها مقابلات في اللغة العربية واذا لجأنا الى التعريب بهذا المعنى قد نقطع الطلاب او الباحثين عن الثورة العالمية والتواصل والتقاء العلوم في نقاط مشتركة؟
-التعريب لا يقصد به قطع الدارس في اللغة العربية. التعريب هو حزق اللغة العربية بالاضافة لحزق لغات اجنبية أخرى. نحن لا نستطيع ان نستغنى عن اللغات الأوروبية وغيرها من لغات العلم ولا ننكر ان لغة العلم الآن اصبحت هي ليست اللغة العربية ولكن نريد ان نقوي اللغة العربية الى جانب اكتساب اللغات الأجنبية بقوة تكون مساوية لمعرفتنا باللغة العربية. لكن للاسف انقطعت الوسائل في مسألة التعريب فضعفت اللغة العربية وضعفت اللغات الأجنبية فلا احسنت اللغة العربية ولم تحسنت اللغات الاجنبية. هناك دول كثيرة الآن تدرس أكثر من ثلاث لغات اذا ذهبت مثلا الى اليابان يطالبونك بدراسة لغتين اجنبيتين بالاضافة الى لغتك الأم فأصبحت فكرة الانقطاع الى لغة واحدة غير مقبولة. فانا لا اعتقد ان فكرة التعريب يقصد بها الانقطاع عن اللغات الأخرى ولا ينبغي ان يكون هذا طبعا هذا اذا تحدثنا فقط عن الجانب المهني اما اذا تحدثنا عن الأعماق الحضارية والمعرفية الأخرى فألزم ما يلزمنا ان نلم بلغات العالم الأخرى اذا امكن ذلك وليس ذلك بالمستحيل .
{ لك جهود في مشروع النهضة .. وآخرون لهم اسهاماتهم في هذا المشروع هنالك حديث عن ان هذه المساهمات مساهمات فردية في الأغلبية وهي لا تعدو ان تكون غيرة على الدين لأنه يعوزها المنهج الواضح الملامح، المتكامل الذي يمكن ان يقدم كنظرية متكاملة في مقابل النظريات الغربية التي تحكمها معايير علمية ومنهجية صارمة؟
-نحن نفرق بين المنهج وبين النظرية. فالمنهج هو الخطوات العلمية الدقيقة التي تتبع للايصال الى جزء أو جانب من الحقيقة ولا ندعي ان المنهج الآن جاهز ولكنا نضع المعالم ونشير إلى الثمرات التي يمكن أن ترتب عليه ونحاول أن نجذب الباحثين ونقنعهم ان يشتركوا معنا في انتاج واستكشاف هذا المنهج. استخدام المنهج هو الذي يقود إلى نقد التراث العلمي القديم ويقود الى اثبات بعض الجوانب الضعيفة فيه وربما الى بناء منظومة معرفية جديدة او نظرية علمية جديدة وطبعا هذه نواتج تحتاج الى عمل ومجهود .. نعم هي مجهودات فردية في كثير من الأحيان لكنها ليست شعارات ولكنه عمل علمي قد يكون متواضعا بعض الشيء لكنه عمل علمي يعرف ماذا يفعل.
{ في ظل المجهودات الفردية ظهرت تجربة المعهد العالمي للفكر الاسلامي في واشنطن كيف تنظر الى هذه التجربة في ظل تجربة للفكر الاسلامي في الولايات المتحدة الامريكية وسط الفكر الغربي ما هي مساهمات هذه التجربة وكيف تنظر اليها؟
-التجربة جيدة في عمومها مثلها مثل كل التجارب البشرية ومما يحمد لها انها استطاعت ان تستمر الى فترة طويلة رغم كل الظروف المناوئة والظروف المضادة لها ، نحن كثير من المشاريع عندنا في العالم الاسلامي لا يتجاوز عمرها سبع او تسع سنوات فهي استطاعت بمناورات ان تصمد الى فترة طويلة, ثانية هي حافظت على المشروع الذي بدأته في جوانبه المختلفة وحاولت بقدر الامكان تقديم مساهمات علمية عملية .وانحصر تقريبا عملها في الفترة الأخيرة في مسألة نشر الكتب العلمية والبحوث واقامة المؤتمرات اي تحولت من مرحلة التبشير والدعاية للفكرة الى مرحلة الانجاز العملي وحاولت انها تكون وتشكل مجموعاتٍ وفرقاً بحثية في اماكن مختلفة من العالم وترعى مثل هذا النشاط الذي هو الحاضنة التي نتحدث عنها .حاولت ان تقوم بدور الحاضنة لتفريخ هذه المجهودات وتجميعها بقدر الامكان فاصبحت هناك شبكة من العناصر الفعالة في المجالات العلمية المختلفة في كثير من الجامعات اذا ذهبت الى آسيا او اوروبا او الولايات المتحدة تجد ان فعلا هناك عناصر مجتهدة ونشيطة تقوم ببعض المجهودات في العمل بتنسيق مع شبكة المعهد العالمي الاسلامي فانا اعتقد انها حققت نجاحاً مقدراً في هذا الامر.
{ اغتيال الدكتور اسماعيل الفاروقي هل كان وراءه خطورة هذه التجربة في نقل الفكر الاسلامي في معقل الفكر الغربي؟
- أنا لست متأكدا من حيثيات مقتل الشهيد الفاروقي لكن الذي ينظر في كتاباته وينظرفي الديناميكية والحيوية التي اعطاها لهذا المشروع وينظر في رؤيته الاستراتيجية التي صاحبت هذا المشروع لا يستبعد ان يكون قتل بسببه وهو شخص كرس حياته تماما لهذا المشروع، والفاروقي كان فعالا فهو لم يكن فقط مفكرا وانما مفكر يصل الفكر بالعمل وكان منظما وكان منظرا وقد اصيب مشروع الأسلمة في مقتل بمقتل الفاروقي رحمه الله ونسأل الله ان يجعل اعماله في ميزان حسناته.
{ للمقاربة فقط نحن الآن نتحدث عن أسلمة وتأصيل تستند على الوعي والكون ولكن هل منجزات الغرب التي تمت الآن وفقا لهذه النهضة العلمية والمعرفية استندت على مشروع له علاقة بالدين؟
-ليس شرطا للانسان حتى يكتشف الكون ان يستند على الدين ، ومن رحمة ربنا سبحانه وتعالى ان اتاح للناس الفرصة ان يعيشوا ويشعروا بشيء من السعادة على ما فيهم من كفر .
ولكن لنتحدث بصورة موضوعية ،الغربيون نفسهم رغم الكشوفات التي توصلوا اليها بمنهجهم هذا بدأوا يلاحظوا ان المنهج معاب وان هنالك خللا في المنهج وان هناك نقصا في مصادر المعرفة .. وفي بعض المناهج الغربية نفسها وصلت لمرحلة العقم اي توقفت فحاولوا تطعيم المنهج بالنظر الى حقول معرفية أخرى مثلا الباحث في علم الاجتماع يكتشف ان علم الاجتماع نضب ليس هناك قضايا اخرى فيحاول ان يطعمه بالنظر في علم الآثار او الفيزياء اي يقوم بعملية استلاف بالبحث عن مفاهيم جديدة حتى يطور منظومة علمية جديدة، فنحن نقول له اذا لماذا لا تجرب في مصدر آخر لم تجربه في مصدر منظومة اخرى من المفاهيم الذي هو الوحي، فقد يكون هذا هو العنصر المفقود في المنظومة فإذن اعتراضنا على الغرب ليس انه لا يمكن ان يصل لاكتشافات لكن اعتراضنا ان الاحالات الفلسفية والاحالات الاخلاقية والغيبية مفقودة في هذا المنهج، فلو اضيفت لاكتملت المنظومة بصورة احسن ونتوصل لاكتشافات اعمق مما توصل اليه فهذا رفد وليس رفضا.
{ تجربة الأسلمة والتأصيل في السودان وانت كنت مديرا لإدارة التأصيل المعرفي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهناك كانت مستشارية التأصيل في رئاسة الجمهورية فكيف تنظر لتجربة الأسلمة والتأصيل في السودان فهل المشروع توقف بعد ان توقفت ادارة التأصيل في وزارة التعليم العالي والمستشارية؟
- لا ادري فأنا كنت في ادارة التأصيل كانت الادارة صغيرة وفترتي كانت قصيرة والعمليات التي بدأنا بها كانت عمليات افتتاحية وتبشيرية بالمشروع ثم من بعد ذلك خرجت عن ادارة التأصيل وخرجت عن السودان وانقطعت عن كل المجهودات التي كانت، فلا ادري ماذا فعلت من بعدي ادارة التأصيل بكل اسف ولا يوجد اتصال بيني وبينهم طيلة الفترة الماضية فلا علم لي بهذه المجالات.
{ من خلال متابعتك لما يكتب عن الأسلمة والتأصيل في عدد من الدوريات والبحوث هل تشعر أن هنالك تقاربا الى حد ما لبروز هذا المشروع بشكل واقعي على الارض كتجربة ماثلة يمكن الاستفادة منها قريبا في ظل عقم بعض العلوم الغربية من ان تخلق حالة من الانفتاح الجديد فيما يتعلق باكتشافات أخرى او مناهج جديدة لطرح المعرفة بأوجه أخرى.
- لو أجبت بنعم لما كنت صادقا معك أنا لا استطيع ان أقول انه فعلا توفرت ادبيات علمية كافية نتيجة لهذا العمل فأنا لست راضيا ولكن هذا لا يمنع من القول ان هناك بعض المجهودات رائدة في بعض مجالات هذا العمل يمكن ان يبنى عليها ويمكن ان تطور .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.