يحتاج المصريون إلى بعض الوقت حتى تستقر الأوضاع في بلدهم، خصوصاً هذا الارتباك القانوني والدستوري الذي كان سببه، إضافة بالطبع إلى أخطاء العسكر، تصارع القوى الموجودة على الساحة لنيل أكبر مساحة ممكنة في السلطة. ويتوقف طول أو قصر فترة الارتباك تلك على رغبة هذه القوى في العبور بالبلاد من النفق الذي دخلت فيه أو قدرة إحداها أو بعضها في حسم الصراع لمصلحتها أو القبول بقواسم مشتركة تخرج منها كل القوى راضية على ما نالته وغير ناقمة على ما ناله غيرها! ويبدو جلياً أن ما يجري في الغرف المغلقة وما يدور تحت السطح بعيداً عن المصابيح والكشافات والميكروفونات أهم بكثير وأكثر تأثيراً مما يدور أمام الناس. في العلن يمارس الرئيس الجديد محمد مرسي مهاماً روتينية كحضوره احتفالات تخريج طلاب الكليات العسكرية أو استقباله ضيوف البلاد أو رموز السياسة أو إصداره القرارات الإدارية التقليدية، بينما يبدو أعضاء المجلس العسكري يحتفون بالرئيس كلما حل «ضيفاً» على مؤسسة عسكرية كما يظهرون وكأنهم يعاونون الرئيس بالقدر المطلوب منهم. ودائماً ما يصدر عنهم كلام يحتمل أكثر من تفسير وحين يسألون تكون الإجابات دائماً في اتجاه الطمأنة والبعد عن التصعيد. من بين المعلن أيضاً أن قوى التيار الإسلامي تجاهر بأنها تنتظر من الدستور الجديد أن يعبر عن دولة أخرى غير تلك التي كانت، وأن يحوي عبارات توضح «إسلامية مصر»، وهم كلما عجزوا عن تمرير عبارة هنا أو أخرى هناك خلال النقاش داخل الهيئة التأسيسية التي تتبنى صياغة الدستور يكررون المحاولة من دون كلل. والقوى المدنية في المقابل ما زالت منقسمة، بعضها يرفض أصلاً المشاركة في أعمال تلك الجمعية واتخذ موقفاً رافضاً لكل ما يصدر عن «الإخوان» أو حزبهم الحرية والعدالة أو مؤسسة الرئاسة وبعضها الآخر سعى وما زال يسعى إلى الفوز بنصيب من كعكة الدولة الجديدة سواء عبر مناصب أو مكاسب. وكلما زاد انقسام «المدنيين» زادت قدرة الإسلاميين والعسكر في كسب مزيد من النفوذ أو مواطن القوى في إدارة الصراع بينهما. وغداً ستفصل محكمة القضاء الإداري في مصير الهيئة التأسيسية وكل الاحتمالات مفتوحة. والرئيس مرسي أراد ترسيخ نفوذه وسلطاته فأصدر مجموعة من القوانين أمس ليضع العسكر أمام أمر واقع مفاده أن سلطة التشريع صارت في حوزته. وقوع الصدام في العلن بين أطراف اللعبة السياسية أمر مستبعد لأن أحداً لن يربح منه وأي فصيل يبادر اليه من دون أن يحسب ردود فعل باقي الأطراف سيخسر معها حتى لو حقق قدراً من المكاسب، وعلى ذلك فإن الصورة من الخارج ستبقى على حالها لفترة. أما تكسير العظام فيجري بعيداً عن الأضواء ومحاولات الإقصاء والسيطرة تتم في جسارة أو ربما تهور وكل الأطراف تحافظ على أن تبدو أمام الجماهير وكأنها الأكثر حرصاً على مصالحها وهذا ما يبرر حرص المتنافسين والمتصارعين على الظهور في العلن وبراءة الأطفال في أعينهم. نعم ما خفي كان أعظم. أما لماذا أصبح القضاء لاعباً رئيسياً في المشهد فإن الإجابة تعكس عجز القوى الأخرى الفاعلة على حسم المنافسة لمصلحتها، فأدخلت القضاء عاملاً مساعداً تحول رئيسياً. وبحسب كل حكم يكون رد الفعل الذي لا يخرج عن الإشادة بالحكم والقضاء النزيه المشرف أو المطالبة بتطهير القضاء وإعادة هيكلته. ويبقى المواطن صانع الثورة في حالة انتظار دائم للخلاص وهو يرقب أحوال النخبة وصراعها من دون أن يهتم كثيراً بما يجري تحت السطح، فالمهم لديه أن يقفز يوماً ليكون فوق سطح الفقر. محمد صلاح