ترجمة: تحسين عبد الجبار اسماعيل في ليلة رائعة جلس الكاتب البارع «ايفان ديمترخ جير فيالوف» في الصف الثاني من مقاعد المسرح مستمتعاً بمشاهدة مسرحية «أجراس الاحتفال» مستعيناً بنظارة الاوبرا. كان يرقب المسرح بغبطة ويحس بسعادة غامرة وهو يتابع أحداث المسرحية وحركة الممثلين، وعلى حين غرة تغضن وجهه وشدت عيناه نحو السماء، وكادت انفاسه تتوقف فأبعد النظارة عن عينيه واستدار في كرسيه ثم عطس. وراح يتحدث إلى نفسه قائلاً «لكل امرئ الحق في أن يعطس. المدنيون والقرويون، ومفتشو الشرطة، وحتى أعضاء المجلس الاستشاري كلهم يعطسون.. كل شخص.. يعطس كل شخص» لذلك لم يشعر ايفان بالحرج حتى أخرج منديله من جيبه ليمسح أنفه الرطب، وكأي شخص متحضر التفت حوله ليرى ان كانت عطسته قد أزعجت أحداً من المشاهدين. وفجأة أحس بالحرج إذ رأي الشخص الجالس أمامه يمسح بهدوء صلعته ورقبته وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة وينظر إلى الخلف ليرى من الذي عطس. عرف ايفان وهو يرى وجه ذلك الرجل انه الجنرال المدني (برزهالنوف) المستشار في وزارة الاتصالات. «لقد عطست عليه، قال ايفان لنفسه «ورغم انه ليس رئيسي وهذه حقيقة، إلا أن عملي حين عطست باتجاهه عمل أخرق، وان عليَّ أن أعتذر له» مال ايفان إلى الامام، ومع سعلة خفيفة، همس في أذن الجنرال «عفواً صاحب السعادة.. لقد عطست.. لم أقصد...». - «لا بأس عليك» ردَّ الجنرال بصوت هامس. أرجو أن تغفر لي، فما كانت عطستي عن عمد أو سبق تفكير. - «دعني استمع» رد الجنرال واستطرد «بحق السماء ألا تستطيع أن تقنط؟». ارتبك ايفان بعض الشيء وابتسم بخجل، وحول نظره من جديد نحو المسرح يريد متابعة المسرحية، ومضى يراقب الممثلين، إلا أنه لم يعد يشعر بالمتعة، فقد ظل يقلقه الندم. وفي فترة الاستراحة حاول ايفان من جديد أن يعتذر للجنرال فتبعه إلى الصالة الأمامية، وتوقف لحظات متردداً ثم تغلب على تردده واقترب من الجنرال وتمتم «لقد عطست عليك يا صاحب السعادة، هلا غفرت لي. أنت تعلم أنني لم أقصد». - «حقاً لقد نسيت ذلك وان عليك أن تنسى وتصمت» قال الجنرال ذلك بحدة وبلهجة من فقد صبره. «يقول انه نسى الأمر، إلا أني لا احتمل نظراته إليّ» تمتم ايفان مع نفسه، وهو ينظر بارتباب إلى الجنرال. وأضاف «انه لا يريد أن يكلمني.. عليَّ ان اشرح له انني لم أقصد. ان هذا هو قانون الطبيعة، وإلا فربما سيعتقد اني تعمدت أن أبصق عليه، وحتى إذا لم يفكر بمثل هذا الآن فقد يفكر بذلك بعد حين». وحين وصل ايفان إلى البيت قص على زوجته ما ارتكب من فعل غير حضاري، وذكر محاولاته المتكررة للاعتذار غير أن زوجته بدت غير مهتمة بذلك سيما حين اطمأنت أن ليس للجنرال سلطة على زوجها، إلا انها قالت «أعتقد أن عليك أن تذهب وتعتذر له، وإلا فقد يظن أنك لا تحسن التصرف مع الناس!». «هذا صحيح» رد الزوج لقد حاولت أن أعتذر له غير أنه بدا غريباً إذ انه لم يرد عليَّ بكلمة ذات معنى كما لم يكن يبدو في الحقيقة أن لديه وقتاً للكلام». وفي اليوم التالي ارتدى ايفان معطف الفرو الجديد وذهب إلى دائرة الجنرال ليقدم له الاعتذار. كان مكتب الجنرال غاصاً بالمراجعين، وحين انتهى من مقابلة بعضهم رفع نظره نحو ايفان الذي بادره قائلاً: «الليلة الماضية في المسرح إذا تتذكر سعادتك. لقد عطست.. حدث أن.. أني اعتذر». - «تباً ما هذا الهراء؟!» قالها الجنرال والتفت نحو مراجع آخر وسأله ما الذي استطيع أن أعمله لك؟ من جديد أخذ ايفان يحدث نفسه قائلاً «انه لا يصغي إليَّ، هذا يعني أنه غاضب، وعليه لا يسعني أن أترك الموضوع دون أن أشرحه بوضوح. وحين انتهى الجنرال من مقابلة آخر المراجعين، نهض لينصرف، فلحق به ايفان شاحب الوجه وهو يتمتم «أعذرني صاحب السعادة، الندم الذي يملأ قلبي يشفع لي بالاعتذار منك من جديد». وقبل أن يتم كلامه راح الجنرال يصرخ وكأنه سينفجر وهو ينحى بيده ايفان جانباً «أنت تهزأ بي يا سيدي؟» قال الجنرال وأطبق الباب بوجه الكاتب الذي راح يردد مع نفسه متسائلاً: أهزأ؟» انني لا أرى غرابة في الاعتذار، لم لا يفهم الجنرال هذا؟ حسناً سوف لن أزعجه باعتذاري بعد الآن وليأخذه الشيطان.. سوف أكتب له رسالة ولن أقابله ثانية. وهكذا استقر رأي ايفان، وهو يحث الخطى إلى داره، غير أنه لم يكتب الرسالة كما قرر ذلك، لأنه لم يعرف كيف يصوغها بسبب ما تملكه من قلق وانزعاج وآثر الذهاب إلى الجنرال من جديد لتسوية الأمر. - لقد غامرت وازعجتك بزيارتي يا صاحب السعادة يوم أمس. انني لا أهزأ كما اعتقدت إنما قدمت لأقدم لك اعتذاري لما سببته لك من ازعاج بعطسي. كيف يمكن أن أفكر في الهزء منك؟ اننا إذا فكرنا أن نهزأ من بعضنا فلن يكون هناك احترام، ولابد أن يكون هناك احترام للرؤساء. «أخرج من هنا» صرخ الجنرال في ايفان وهو يهتز غاضباً. «عذراً سيدي الجنرال» قالها ايفان بفزع وذعر إلا أن الجنرال لم يدعه يكمل، وصرخ فيه ثانية، وهو يضرب الأرض بقدمه غضباً «انصرف خارجاً». أحس ايفان أن ثمة شيئاً ينهش أحشاءه فلم يعد يسمع أو يرى شيئاً فراح يحث الخطى نحو بيته مضطرباً، وحين وصل داره ألقى بجسده على السرير بكامل ملابسه التي ارتداها في الصباح. وحين أدركت زوجته أنه نام فترة طويلة دخلت الغرفة تحاول ايقاظه إلا أنها فزعت حين وجدته قد فارق الحياة.