٭ لا اتناول اليوم موضوعاً محدداً.. لكني اسوق جملة خواطر وتأملات ظلت تداهمني طوال نهارات الايام الفائتة من رمضان.. ظلت هذه الخواطر والتأملات تقطع طريق افكاري بصورة مستمرة.. ان كنت في الجريدة او الشارع أو البيت مشاهدة أو مستمعة أو قارئة حتى فرضت نفسها وتدافعت راقصة على الورق.. لتقرؤها.. خواطري وتأملاتي صارت في حالة عشق لعيونكم.. وعرفت كيف تكسر القيود وتنطلق اليكم فرحة مهللة. ٭ رمضان شهر عظيم شهر التعبد والصفاء ومغالبة الشهوات الشهر الذي انزل فيه القرآن هدى للناس.. شهر ليلة القدر التي وحدها خير من ألف شهر. ٭ رمضان شهر الاحساس بالآخرين.. هو شهر التجرد ونكران الذات.. وهو ايضاً شهر الامتحان الكبير.. امتحان الصمود في وجه المتاعب والشقاء.. امتحان ظل الانسان المسلم يستعد له بمختلف الطرق ويغوص في أعماق دواخله ليستنهض كل دوافع الخير والتجرد والتسامي ليتمكن من اجتياز الامتحان. رمضان في اللغة يعني حرارة الجو.. ونحن نعرف هذا في لغتنا العامية ونقول (الرمضاء تقلي الحبه) او الرمضاء حرقتني.. والرمضاء عندنا ايضاً.. هى (الرمل) عندما تسقط عليه أشعة شمس مارس وابريل ومايو.. ومع دوران الاشهر العربية يأتي رمضان في هذه الاشهر مرات عديدة. ٭ وإلى جانب الاستعداد الروحي للتعبد والتقرب الى الله في هذا الشهر.. اخذت الشعوب الاسلامية تبدع في جانب آخر من الاستعدادات.. جانب المأكولات والمشروبات.. فهناك مأكولات عند الشعب المصري مرتبطة بشهر رمضان وهكذا الشعب التونسي والسعودي والجزائري والاندونيسي.. والعراقي.. والسوري.. واليمني وكل حسب طبيعة مائدته الشعبية وتذوقه لاشكال وألوان الطعام. ٭ عندنا في السودان وفي سالف الازمان تبدأ هذه المهمة قبل أشهر من هلال رمضان.. تبدأ (ببل) الزريعة وفندقة العيش للعصيدة وللابري الابيض.. والفندقة لابناء الجيل الحاضر هى (قشر) الذرة عن طريق الفندق والآن تطورت وصارت عن طريق (الطواحين) الحديثة.. ٭ وبعدها تنتعش اسواق البهارات.. القرفة والجنزبيل والحلبة والكسبرة والقرنجال والهبهان والكمون الاسود والعرديب.. وتنتعش ايضاً سوق القفاف وتنتظم الاسر حركة اضافية.. لعواسة الحلومر.. وحلو مر لماذا جاء الاسم هكذا لذاك المشروب اللذيذ الذي ننفرد به.. انها عبقرية المرأة السودانية وتتبع مجالس عواسة الحلومر التحضير للابري الابيض.. وايضاً الجيرية لزوم العصيدة. ٭ وبعد ان تهدأ حركة (القفاف) داخل السودان والطرود الى الخارج.. تتهيأ وتستعد المائدة في رمضان السودان لاستقبال ذاك الشراب اللذيذ صاحب اللون القرمزي.. مع الابري الابيض والعصيدة الجيرية وملاح التقلية (ام دقوقة) والشرموط الابيض مع الكول.. والنعيمية.. والويكاب مع بليلة الفريك او العدسي.. أو الكبكبي. ٭ تتهيأ الاماسي والليالي الرمضانية الى الاسمار والحكايا والولائم الممتدة.. (الرحمتات) واغاني الصبية والصبيات مع القُلل الصغيرة.. اختفت هذه الايام تماماً. ٭ وجاء رمضان هذا العام.. جاء وقد سبقته موجة عارمة من الغلاء.. وانتهت معركة الاستعداد بكثير من الخسائر المادية.. طوال فترة التحضير كانت تنخلع قلوب النساء والرجال معاً عندما يذهبون لشراء حاجيات رمضان.. جاء رمضان والغلاء متمدد من اللحمة والفراخ وحتى الكهرباء التي بالغ أهلها في أسعارها.. جاء رمضان ومعركة الاستعداد الى العيد تطرق على الابواب بشدة والقلوب.. قلوب الأباء والامهات تنخلع بشدة أكثر.. وكل سنة وانتم بخير. هذه خواطر فرضت نفسها كما قلت. هذا مع تحياتي وشكري