اطلعت على نص ما أعلنه السيد/ الأمين العام لديوان الزكاة حول عدد الفقراء في البلاد، ونُشِر بصحيفة الصحافة العدد رقم 6819 بتاريخ 21/7/2012م... وأثارت انتباهي تحديداً الجزئية التالية من تصريح السيد/ الأمين العام:- "وكشف يوسف أن إحصائيات ديوان الزكاة خلصت إلى أن هنالك 14 مليون من الشعب السوداني فقراء أي ما يعادل 46% من سكان السودان. وقال إن الديوان قسم الفقراء إلى ثلاثة أقسام على حسب درجة الفقر بينهم: الفقير والأشد فقراً والفقر المدقع، وذكر أن الإحصاء لعدد الفقراء تم بمساعدة من جهاز الإحصاء وذلك بغرض استخدامه في توزيع مصارف الزكاة." حقيقة لقد أصابني التقرير بالدهشة لأنني لأول مرة أعلم أنه يمكن إحصاء الفقراء تحديداً في أي بلد في العالم بالطريقة التي طaرحها السيد/ الأمين العام - مع احترامي له- بمعنى أن يقف جميع سكان البلاد أمامك في صف واحد وتحسب الفقراء والأغنياء منهم لتقول إن عدد الفقراء تحديداً أربعة عشر مليوناً... فإذا افترضنا أن عدد سكان السودان اثنان وثلاثون مليوناً فهل يعني ذلك أن البقية وعددهم ثمانية عشر مليوناً هم من الأغنياء؟ إن الذي نعرفه في علم الاقتصاد والممارسة الاقتصادية العملية على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية والدول المختلفة هو وضع معايير لقياس درجة الفقر ويكون الناتج عادة نسبة مئوية... فما هي المعايير التي استخدمها ديوان الزكاة ليصل إلى نسبة 46% من سكان السودان؟ الواضح من حديث السيد/ الأمين العام أنهم قد وصلوا أولاً إلى تحديد عدد الفقراء ثم بعد ذلك حددوا النسبة المئوية. إذا قال السيد/ الأمين العام إن 46% من سكان السودان يتعاملون معهم ويطرقون أبواب ديوان الزكاة في جميع أنحاء السودان لقبلنا ذلك، ولكن أن يقول إن نسبة الفقر 46% من السكان فهذا أمر غير مقبول اقتصادياً ويتناقض مع واقع حال الشعب السوداني فهناك أغلبية فقيرة تمنعها عفة النفس أن تطرق أبواب ديوان الزكاة، وهذه الشريحة في المجتمع السوداني تشمل صغار موظفي وعمال الدولة والرُّتَب الصغيرة بالقوات النظامية المختلفة الذين في الخدمة والمعاشيين منهم وإذا أضفنا إلى هذه الشريحة الكبيرة النازحين والنازحات من المناطق الريفية إلى المدن الكبيرة ويعملون في مهن هامشية للمحافظة على عفة النفس وعدم سؤال ديوان الزكاة فسنجد أن نسبة هؤلاء جميعاً تفوق نسبة الفقراء الذين يتعاملون مع ديوان الزكاة، فإذا كانت النسبة التي ذكرها السيد/ الأمين العام 46% فستكون النسبة الأقرب إلى الواقع هي ضعف هذه النسبة أي حوالي 94% من سكان السودان. فإذا استخدمنا أبسط المعايير لقياس درجة الفقر وهو معيار دخل الفرد ومدى كفايته لتغطية حاجياته الأساسية كإنسان من مأكل ومشرب وملبس ومأوى بعيداً عن رفاهية العلاج والتعليم وغير ذلك، فستفوق نسبة الفقر بكثير تلك النسبة التي أعلنها السيد/ الأمين العام... فإذا كنا قبل حوالي عقدين نقول إن نسبة الفقر حوال 90% فهي الآن قطعاً أعلى من ذلك مع الارتفاع الجنوني المستمر في أسعار الاحتياجات الأساسية للإنسان وثبات الدخل وتدهور قيمة الجنيه السوداني وفقدانه لقدرته الشرائية. إن تجميل الواقع البائس في السودان هو أمر ضارّ اقتصادياً؛ لأن إظهار الواقع على حقيقته مهما كانت درجة بؤسه ليس عيباً بل هو ضرورة تنموية لأننا لا نستطيع أن ننجز عملية التنمية الشاملة إلا إذا أمسكنا مهنياً وعلمياً بتفاصيل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمعرفة كيفية معالجتها.