هذه قضية ليست من قبيل الترف الذهني كما قد يتبادر للبعض ممن يسمون المثقفين بأهل الترف، والتحليق، وما دروا أن مثقفي السودان هم القابضون على الجمر، المنافحون عن الحق، سواء أولئك الذين ظلوا يواجهون الرياح العاتية، أو أولئك الذين اختطفتهم المنافي في أركان الدنيا الأربعة. والقضية تطرح دائماً ونحن ننظر إلى التغريب والاستلاب الذي تتعرض له أجيالنا الجديدة، وهم يفتحون صفحات الشبكة العنكبوتية، أو يتجولون في معارض الكتب داخل وخارج السودان، فلا يجدون الكتاب السوداني، ولا برامج الأطفال مع الاحترام للجهد المبذول من البعض. وظللنا لسنوات عديدة نتحدث عن ضرورة إعادة المكتبة المدرسية إلى مدارسنا، ولم يتكرم أحد بالسؤال: لماذا خرجت المكتبة من مدارسنا ولماذا كما طرحنا من خلال الملف الثقافي لماذا خرجت مادة الفنون من مناهجنا التعليمية؟ ولماذا لا نعيد النظر في مناهجنا التعليمية التي صارت منذ عقود تعتمد على التلقين. رأيت الطفل السوداني في معارض الكتاب في الداخل والخارج، وهو يتابع ما تنتجه المطابع من كتب موجهة لطفل آخر وهذا أمر لا غبار عليه مادام الجوهر الانساني واحداً، ولكن أين تلك الشخصيات السودانية التي خطت بأحرف من نور سطوراً خالدة في تاريخ السودان. لماذا لا يكتب الأساتذة والمؤلفون الذين تخصصوا في مجال الكتابة للطفل وهم قلة نادرة في هذا الزمان عن شخصيات سودانية كالتيجاني الماحي، محجوب عبيد طه، معاوية محمد نور، وغيرهم من العباقرة الأفذاذ الذين أخرجهم هذا الوطن وقدمهم للإنسانية جمعاء. ولماذا لا تخرج برامج الأطفال عندنا عن النمط المحفوظ والمتكرر الذي ملَّ منه الأطفال، وأصبحوا يتجهون إلى القنوات الفضائية الأخرى، والتي لها بث متنوع على مدار ساعات اليوم. كيف لنا أن نتحدث عن هويتنا الثقافية، وعن الذات الحضارية، من دون أن يكون هناك جهد علمي مدروس لإنجاز برامج تلفزيونية وإذاعية، وكتب ورقية للأطفال، وأخرى الكترونية تشبع تطلع طفل السودان إلى المعرفة والوعي بما يدور حوله، مما سيسهل كثيراً مهمة الأسرة والمدرسة في تربية وتنشئة الجيل الجديد، الواثق من نفسه المعتز بوطنه الذي يقدر قيمة الإنسان ويصون حقوقه في تلقي العلم والمعرفة، ويكفل له حرية التعبير؟ هذه الأسئلة ظلت ترد على الخاطر، وتنتظر تحركاً إيجابياً، وسنقوم بإعداد ندوة مائدة مستديرة سمها ما شئت لتناول هذه القضية التي لا تدخل في باب الترف الذهني، بل هي ضرورة من الضرورات.