نطرح هنا وعلى امتداد أعداد الملف الثقافي لهذا الشهر قضية الكتاب الورقي، وهي قضية تختلط فيها النوستالجيا والبكاء على الماضي، حيث ارتبطت أجيال من المثقفين السودانيين وغيرهم بهذا الكتاب. ونستطلع هنا آراء عدد من الكتاب والناشرين وغيرهم ممن يهمهم أمر الكتاب. وهذا الأمر قد يظنه البعض نوعاً من الترف الذهني، وخاصة في هذه الظروف. ولكني أعتقد أن إثارة مثل هذه القضايا هي أيضاً من صميم الضرورة. فالوعي بأهمية المعرفة هو وعي بالحياة وتطويرها والارتقاء بالحياة الإنسانية في جوهرها التي لم تنجح الرياح الكثيفة الغبار في حجب جوهرها الخالد. فمتعة القراءة هي لذة جبلنا عليها ونحن في صغرنا، ودرسنا في مدارس كانت المكتبات تزينها، وحتى في داخل دورنا كان الكتاب يحتل مكاناً متميزاً. ولهذا فإن هذا الوعي الذي يتشكل به الإنسان هو محصلة كسب تقدمه لك البيئة التي تنشأ فيها.. وليس من سبيل إلى بناء ثقافة وحضارة دون أن يكون هناك وعي بالمعرفة وضرورتها للإنسان.. ولهذا فإن كل منظمات المجتمع الدولي ومواثيق حقوق الإنسان تنص على حرية انسياب المعلومات وحق الإنسان في التعبير وحرية الرأي، وغيرها من الحقوق التي تنص عليها كل الشرائع والمواثيق السماوية والأرضية. وليس غريباً أن تكون الدول التي امتلكت التقنيات الحديثة وتطورت في مجال الوسائط الالكترونية، هي الأكثر اهتماماً بالكتاب الورقي على خلاف ما يعتقد الكثيرون.. فالغرب هو الأكثر تقديراً للكتاب الورقي رغم تفوقه العلمي والتقني!!