أوردت «المجهر السياسى 20/9/2012 العدد 154» ان حكومة ولاية الخرطوم عقدت اجتماعها برئاسة السيد والى ولاية الخرطوم، وقرر مجلس وزراء الولاية ان يجلس مع السلطات الاتحادية والولايات الاخرى لاتخاذ تدابير وسياسات موحدة تجاه التعامل مع ظاهرتى التسول والتشرد، وعلى غرار الصندوق القومى لتشغيل الخريجين فإن حكومة الخرطوم قد قررت انشاء محفظة لتشغيل المتسولين والمتشردين، وقررت حكومة الولاية ايضاً انشاء شرطة خاصة لمكافحة ظاهرة التسول والتشرد وتأهيل الدور الايوائية والتوسع فى برنامج التأهيل والتدريب والتشغيل، وأنهم فى طريقهم للاستيعاب فى مشروعات انتاجية بمرتب شهرى مجزٍ ضمن برنامج الخدمة الوطنية.. ومع تقديرنا التام لدور وزارة الشؤون الاجتماعية واهميته فى معالجة الظاهرة، الا اننا نعتقد انها اخطأت الطريق وتاهت عن المشكلة منذ البداية، وذلك حسب الخبر، فإن الحكومة قد دمجت صنفين او مجموعتين مختلفتين تماماً وفى كل شيء، وهما ظاهرتان وليست ظاهرة واحدة، ولكل ظاهرة منهما اسبابها وظروفها ونتائجها وآثارها المباشرة والجانبية، ومن هنا فإن تجاهل هذه الحقائق دفعة واحدة والشروع فى وضع وتنفيذ وصفة علاجية واحدة للظاهرتين هو بداية الفشل وهو اتجاه لا يسنده علم او منطق، هذا فضلاً عن ان الوصف العلاجى حسب ما اعلن يتجاهل تماماً الوسائل المتبعة فى مثل هذه المعالجات، واهم تلك الوسائل الاعتماد على اساليب التأهيل النفسى والاجتماعى والاكاديمى واعادة تأهيل اسرهم وتمليكهم وسائل انتاج، ومن ثم دمجهم من جديد فى حياة الاسرة وتدريبهم على التصالح والتعايش مع الوسط الاجتماعى من حولهم، وهذا يستدعى تقليل مراكز الايواء بدلاً من التركيز على التوسع فيها باعتبارها إحدى آليات حل المشكلة، وبالتالى فإن الحل ينبغى ان يستشرف اعادة هذه المجموعات الى حياة الأسرة والأسرة الممتدة، وان يتم ابتداع وسائل جديدة تقررها الجهات المعنية، وعلينا هنا أن نؤكد دور الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى فى تشجيع المواطنين على الإقدام على تبنى من هم فى عمر التبنى، وايواء الشباب والحاقهم بالاسر التى ترغب فى ذلك باتفاقية محددة ووفقاً لقانون يشرع لهذا الامر، وتطوير مراكز العجزة كبار السن لتكون اكثر انسانية، وهذا لعمرى يساهم بشكل كبير فى تقليل حالات الطلاق بسبب عدم الانجاب التى تعانى منها الكثير من الاسر، وهى من صميم عمل ومهام وزارة الشؤون الاجتماعية، الا اننا نرى ان الحكومة دلفت مباشرة لانشاء محفظة لتشغيل المتسولين والمتشردين ضمن برامج الخدمة الوطنية، ولم تسأل الحكومة او الوزارة نفسها هل تصلح بيئة الخدمة الوطنية لاستيعاب هؤلاء؟ ولكنه الحل السهل الذى يحمل بذرة فنائه منذ الآن باقحام الخدمة الوطنية فى الموضوع!! والحكومة وهى تحاول معالجة نواتج الظاهرة عليها ألا تنسى تجربة مشروع تشغيل الخريجين، فقد تضخم مشروع تشغيل الخريجين واصبح صندوقاً فاجتمعت عليه اسباب الفشل من كل لون وجنس، واتى مديره وأخمد انفاسه وأجهز عليه، فهو يمد لسانه لنا وللآلاف من الخريجين العاطلين، يا ايتها الحكومة ان معالجة مشكلة التسول والتشرد ينبغي أن تبدأ بتجفيف المنابع التي يأتى منها هؤلاء، وهى المناطق الفقيرة ومراكز الإيواء، وأسباب فقدان الأسرة في الحروب وغيرها من الكوارث، و «التسرب المدرسى»، ومع التدهور الحاصل فى المجالات الاقتصادية والامنية فإن الظاهرة مرشحة للتفاقم، وهذا يستدعى العمل بصبر لأجل تحديد ابعاد وأسباب المشكلة بشكل دقيق، ووضع احصائية واقعية بأعداد المتسولين والمتشردين وتصنيفهم بطريقة علمية واكثر تحديداً، كما هو الحال فى دول كثيرة عانت من هذه الظاهرة ونجحت بالتخطيط السليم والادراك التام لكون المشكلة هى مشكلة وطنية وقومية لا يمكن ان تحل جزئياً فى ولاية بعينها دون سائر الولايات، وعليه فإن جهود الولاية فى هذا المجال ستذهب ادراج الرياح، خاصة أن الولاية أصلاً هى مركز جاذب للهجرة الجماعية والفردية من اطراف الريف السودانى، وبعض دول الجوار، ومنهم من اتى ليعمل او لطلب العلم وألمت به او باسرته النوائب والملمات، ويبدأ الحل الناجع من احلال السلام وتأهيل المناطق المتأثرة بالحرب، ومن اعادة مجانية التعليم والزاميته، ومن معالجة اسباب الفقر ببرامج جادة، والتوسع في نشر برامج الخدمة الاجتماعية في المدارس ووسط الإحياء والتجمعات السكانية، وطلب العون الإقليمى والدولي وفقاً للاتفاقيات المنظمة لهذه العلاقات، لا سيما أن بعض الدراسات قد قدرت عدد المتشردين تشرداً دائماً فقط ب 35.000 متشرد، ومساهمة العاصمة وحدها بحوالى 15.000 من اجمالى العدد ، وبما أن الحكومة قد التزمت بالاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الاطفال وباتفاقية تحقيق اهداف الألفية واتفاقيات الحد من الفقر، فعليها العمل بأيسر الوسائل للحصول على هذا الدعم وحشد طاقات الدولة والمجتمع لهذا الهدف، والمؤكد أن الأمر لن يفلح ما لم تتوقف الحرب نهائياً ويحل السلام .