الأستاذة الجليلة إخلاص نمر.. أغدق الله عليك وافر الصحة والعافية.. شح المواصلات هاجس يؤرق مضاجع مواطني الخرطوم، وقلمي يشاركهم الهم والغم، وآمل أن يجد متنفساً بزاويتك الهادفة مع شكري. ساقتني قدماى قبل مغيب شمس ذلك اليوم، لانضم لذلك الزخم البشري الذي ضاقت به ساحات الموقف الجديد «كركر» حشد من خلق الله: كهول وشباب، ونساء ورجال وأطفال غلب عليهم النعاس اللعين. وأبصار الجميع تحملق بحثاً عن حافلة تقلهم لديارهم العامرة، وأمضوا الساعات الطوال دون جدوى. وغصت وسط ذلك الموج البشري، وشرر الغبن والغضب يتطاير من تلك الوجوه الكالحة. وهناك عند ركن قصي لمح بصري بص «الوالي»، ورأيت الشباب يركضون صوبه، فاسرعت الخطى... وأفسح لي شاب نبيل ومهذب مساحة تكفي لولوجي داخل البص الذي يقوده رجل كهل متجهم الوجه، ويعاونه كمساري شاحب اللمحات مغلوب على أمره. والبص يعج ب «الركاب» وحتى كادت أنفاسه تنقبض لأن بجوفه خمسين وقوفاً.. خليط رجال ونساء «بص غير شرعي» وأربعة وأربعين آخرين جلوساً. وكنت سعيداً أن وجدت مساحة أقف عليها. وهي رحلة مضنية استغرقت زهاء الساعة حتى وصلنا محطة المهداوي بشارع الوادي، وخلالها كانت تجول بذهني المرهق حزمة من الخواطر والأفكار دارت كلها حول ثقافة المواصلات بالخرطوم، ووددت ان تقبع بذاكرة كل من يهمه الامر. أولاً: آمل ان يخصص د. الخضر والي الخرطوم حصة من زمنه، ليقف على ما يجري بذلك الموقف العجيب المدهش الذي اكتظ بشتى ضروب التجارة: أقمشة، فواكه، مرطبات، حقائب، حلاقة، تسول، تشرد، تهافت ولهث وراء النصب والنهب، تكدس بالبشر، ومركبات عامة تئن شاكية مما تحمل! ثانياً: كنت أتوق لأن ارى «النمر» معتمد الخرطوم مترجلاً يجول في تلك الغابة المحتشدة بالهرجلة والفوضى والضوضاء والارتباك والعشوائية بشتى ضروبها. كنت أتوقع من ذلك «النمر» الهمام ان يكشر عن أنيابه الحادة والنشطة لبتر ووأد تلك المظاهر السالبة والاوبئة المجتمعية الفتاكة التي تملأ المكان. ثالثاً: عليك أخي «النمر»، فقد عرفناك نشطا جاداً وحاسماً، ان تعيد النظر في امر هذا الموقف المثير للجدل، وذلك بالدراسة العلمية الفاحصة من حيث سعته، موقعه، تخصيصه وتنظيمه، فهل نتفاءل؟ رابعاً: العمل الفوري لوضع الحلول الآنية والمستقبلية لحل أزمة ونكبة المواصلات التي تفاقمت خاصة في ساعات الذروة، حتى ألهبت مشاعر المواطنين غضباً وغبناً وحزناً! وأثيرت حفيظة المواطن بتضاعف فئات الترحيل. خامساً: لاحظت أن العديد من بصات الولاية لا تحمل لافتة تحدد مقصدها مما دفع المواطنين للهرولة خلفها لمعرفة جهتها ثم يعودون بخفي حنين. كما نأمل من سائق البص ان يتوقف خلال رحلته الميمونة ليحمل من يقف على حافة الطريق. ولماذا لا توضع لوحة أمامية توضح رقم البص واسم السائق، وهاتف الجهة المشرفة عليه. كما نأمل أن تزين جنبات البص بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية لترشد وتوجه الفرد المؤمن لما ينفع، وتعمق ايمانه بذكر الله ورسوله الكريم. سادساً: لا بد أخي الوالي من السعي الفعلي والجاد لمضاعفة وسائل النقل البشري، وتطبيق القول بالفعل حتى يختفي الهاجس، وتعود البسمة العذبة للثغور. وأنت تعلم أخي الوالي أن أزمات المواصلات في العالم الثالث كثيراً ما تتسبب في ما لا تحمد عقباه، وربما بتفاقمها تقضي على الأخضر واليابس، ولكن ثقتنا فيك لا تتزحزح، ونحن متفائلون لما عرفناه فيك من بذخ إنساني، وهمك ازالة غبن وعثرة المواطن، ولذلك نتطلع إلى تخفيف عبء ترخيص المركبة. ولماذا لا تستورد الولاية قطع غيارالحافلات وتوفرها بأسعار هادئة، حتى نعيد لبعض الحافلات انفاسها بدلاً من الانزواء، فهو سبب في الازمة. سابعاً: أعتقد ان من اسباب الازمة الادارة والتنظيم، فلا بد من المراجعة، فهذا مرفق مهم مرتبط بالجمهور يحتاج لادارة قوية وأمينة وحاسمة. ثامناً: أناشد أبناء الوطن من أصحاب المركبات الحكومية والخاصة، أن يسهموا في حل ضائقة الترحيل، وتطبيق ثقافة فضل الظهر التي ناشدنا بفرضها رسولنا الكريم. وأخص بذلك ترحيل طلاب المدارس الذين تفيض بهم الطرقات لاسباب معروفة. نحن نتفاءل ونتفاءل أن تجد خواطرنا ومقترحاتنا آذاناً صاغية، وثقتنا متوفرة في من يمسكون بزمام الأمر بالولاية. وآمل ألا يغيب صوتي في وادي الصمت!! والله المستعان وشكراً لك الأخت إخلاص حسين الخليفة الحسن خبير تربوي