سارع تاجر الفواكه عباس أحمد الامام بدفع مبلغ الفين وخمسمائة جنيه، وذلك حينما أعلن اتحاد تجار الفواكه بمدينة شندي عام 2006م تشييد سوق مركزي لتجارة الفواكه، ليحظى بدكان ثابت يمارس خلاله مهنته، وظل عباس في انتظار استلام متجره الذي دفع من اجله كل ما يدخر من مال في وقت كان سعر الدولار لا يتجاوز الجنيهين، وكل ذلك من اجل تحقيق حلمه بأن يمتلك موقعاً ثابتاً يطور من خلاله تجارته، إلا أن الرياح لم تجر كما يشتهي التاجر عباس، وذلك إثر تعثر المشروع الذي بدأ بخطى متسارعة وجادة، الا انه توقف ليتبخر حلم أكثر من اربعين تاجراً كانوا يأملون في استلام متاجرهم في توقيتها المحدد، وطوال ست سنوات ظل التجار يتساءلون من أسباب توقف المشروع، وعن مصير الاموال التي دفعوها؟ ليصل الحال بالتاجر عباس احمد الامام الى ان يتحول الى بائع صغير بسوق الديم مربع «15» بشندي مفترشاً مصطبة بخضروات لا يتجاوز رأس مالها مائتي جنيه، ويقول انه حرص ومعه شقيقه محمد على توريد الرسوم في حساب اتحادهم ببنك الخرطوم حسبما طالبهم القائمون على امر المشروع، مشيراً الى ان قادة الاتحاد اوضحوا ان المتجر «تسليم مفتاح» تبلغ تكلفته ستة آلاف جنيه وخمسمائة جنيه، وزاد قائلاً: «بعد ذلك بدأ العمل بصورة مرضية في تشييد السوق المركزي للفواكه بمربع «6» بسوق المدينة قبالة احدى الجنائن، ولكن فجأة توقف العمل، وعندما سألنا تمت إفادتنا بأن المحلية امرت بايقاف العمل، لنظل ست سنوات نطارد حقوقنا ونسعى لاسترداد الأموال التي قمنا بدفعها، ولكن لم نجد استجابة من قادة الاتحاد الذين ظلوا يماطلوننا، وحتى الآن لا نعرف مصير الأموال التي قمنا بدفعها». ويقول التاجر محمد الإمام إن الاموال التي قاموا بدفعها في ذلك الوقت كانت لها قيمة، الا انها الآن فقدت قيمتها كما يشير، وأكد أن تجميدها حرمهم من الاستفادة منها، وقال: «ألفان وخمسمائة جنيه كانت مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت، وإذا كتب لنا توجيهه نحو التجارة لوصلت أرباحنا الآن الى عشرات الآلاف من الجنيهات». أما التاجر الجيلي حسن كرفاس فيبدو أن حظه كان أفضل من سابقيه، مشيراً الى أنهم دفعوا رسوماً غير محددة الغرض للاتحاد بلغت «250» جنيهاً، وقال إن قادة الاتحاد أفادوهم بأن تكلفة الدكان تبلغ «3» آلاف جنيه، وأنهم بعد فترة أشاروا الى أن التكلفة تبلغ ستة آلاف وخمسمائة جنيه، مشيراً الى ان هذا الامر جعلهم يحجمون عن الاقبال على المشروع لعدم وضوح الرؤية، بالإضافة الى ان المبلغ الذي تم تحديده كان كبيراً، لافتاً الى ان المتاجر وبحسب البعض تقدم لها تجار ليست لهم علاقة بالفواكه، وقال إن الرسوم التي قاموا بدفعها لم يعدها الاتحاد اليهم حتى الآن ولا يعرفون مصيرها. والتاجر سليمان حسين فيقول إن المحلية في مرحلة لاحقة منحتهم ايصالات مبدئية لتوريد مبالغ الدكاكين الى خزانتها، ويقول انهم لم يفعلوا وذلك لأنهم طالبوا بمعرفة تكلفة تشييد دكاكين السوق المركزي، وذلك عبر مهندسين مختصين، اما التاجر سليم حماد سليم فيقول ان اللجنة التي تصدت لمشروع تشييد السوق المركزي لم ينتخبها تجار الفواكه، وانها قامت بتعيين نفسها وشرعت في المشروع دون تفويض من أحد، كاشفاً أن أسباب ايقاف العمل في تشييد دكاكين السوق المركزي تعود الى قرار اتخذته المحلية، وذلك لأن الارض التي شيد عليها لم تكن مصادقاً عليها قانونيا من طرف المحلية، وقال إن معتمد المحلية الاسبق ميرغني عكود ابدى تعجبه خلال اجتماع مع التجار من الكيفية التي تم اتباعها في تشييد متاجر المشروع، وعبر عن دهشته من توريد المبالغ في حساب الاتحاد ببنك الخرطوم، وان المعتمد تساءل عن مستندات المشروع والتصديق الرسمي لقطعة الارض التي لم تكن موجودة، وذلك لأن المعتمد الذي قام في عهده المشروع صدق شفاهة للاتحاد وليس عبر مستند رسمي، مطالباً بفتح ملف هذا السوق لأن هناك تجاراً متضررين. وينفي التاجر عبد الحميد علي محمد شكهم في ذمة قادة الاتحاد، إلا انه تساءل عن مصير الاموال التي قاموا بدفعها، مطالباً بإعمال مبدأ الشفافية في مثل هذه القضايا، وذلك لأنها تتعلق بحقوق مواطنين، ويرى ان محلية شندي مطالبة بتشكيل لجنة محايدة لفتح ملف هذا السوق ورد الحقوق الى اصحابها اذا رأت صعوبة اكمال المشروع، وان يعاقب المخطئ قضائياً ان وجد. اما مصلح علي نصار فقد قال ان التضارب الذي ظل ملازماً لمشروع السوق المركزي للفواكه يثير الدهشة والتعجب، ويشي بأن ثمة أخطاءً مشتركة بين الاتحاد والجهات الرسمية التي قال عنها متسائلاً كيف سمحت بتشييد مشروع كبير دون ان تكون له مستندات رسمية ودون اشراف من المحلية، وقال إن المعتمد الذي اعطى التجار الضوء الاخضر في عام 2006م لتشييد السوق المركزي للفواكه لم يتخذ قراره بمؤسسية، بل جاء على هامش مناسبة أقيمت باحدى الجنائن حسبما يشير البعض، وهي انباء لم ينفها الاتحاد والمعتمد ولم يؤكدانها، ولكنها توضح ان المشروع لم يشهد اتباع الخطوات القانونية في انشائه، مؤكداً ان هذا الامر يخصم كثيراً من مكانة الدولة، مشدداً على ضرورة تصحيح مسار المشروع حتي لا تضيع أموال التجار، ويرى ان تدخل والي الولاية مطلوب، وذلك لحسم القضية التي تطاولت ايامها دون ان تبارح محطتها. ولمعرفة الحقائق كاملة حول المشروع، توجهت «الصحافة» صوب موقعه بمربع «6» شمال غرب سوق شندي الكبير، ووجدت أن هناك ثمانية دكاكين قد اكتمل العمل فيها فيما توقف عند مرحلة «العتب» في ثمانية اخرى، ووجدت أن المكان تحول لسوق للماشية، وتوجهنا بالسؤال لرئيس اتحاد تجار الفواكه عودة محمد نصار الذي قال إن التجار هم من رفضوا تكملة المبالغ، وإنهم بصفتهم اتحاداً يجهلون اسباب ذلك، مؤكداً أن سلطات المحلية متعاونة مع الاتحاد، ويقول إنه قد تم تشييد «40» دكاناً، نافياً وجود موانع قانونية لاستمرار المشروع، متهماً بعض الاشخاص بالعمل على عرقلة العمل رغم انه لا علاقة لهم بتجارة الفواكه، مجدداً التأكيد على ان قطعة الارض التي يقام عليها المشروع مكتملة المستندات، وقال إن عدد الدكاكين المستهدف تشييدها يبلغ «48» دكاناً، لافتاً الى ان المحلية اكدت اهتمامها باكمال المشروع. ولكن وعندما جلست «الصحافة» الى المدير التنفيذي لمحلية شندي عباس ادريس، اكتشفت ان حديثه مغاير تماماً لما أفاد به رئيس الاتحاد، حيث اكد ان مشروع السوق المركزي للفواكه تم خارج نطاق المحلية، وان الاتحاد هو من تحصل الاموال واستحوذ على قطعة الارض ثم بدأ في عمليات التشييد، وقال إن المحلية عندما أوقفت العمل كانت تريد ان تعرف هل القطعة مسجلة قانونياً باسم الاتحاد ام لا، ووجدت انها غير مسجلة، وزاد قائلاً: «وحرصاً على حقوق المواطنين ورغم عدم قانونية خطوة التشييد، عملنا على معالجة الامر، وذلك بإحضار مقاول ومهندس لتقدير تكلفة العمل الذي تم انجازه في تشييد الدكاكين ووضع تكلفة ما تبقى من العمل، وبعد ان تم تقدير التكلفة طالبنا الاتحاد والتجار بتوريد الاموال للمحلية حتى تشرف على اكمال المشروع، ولكن حدث تباطؤ وتراخٍ من جانبهم»، ويردف قائلاً: «المحلية بصدد إنشاء سوق جديد للخضر والفواكه، وستوزع متاجره للذين يحملون رخصاً»، وعندما سألته «الصحافة» عن مصير التجار الذين دفعوا اموالاً لاتحاد الفواكه رد قائلا: «أموال المشروع الذي بدأه اتحاد الفواكه لم تورد للمحلية، والامر برمته غير «مظبوط»، ونحن لا علاقة لنا بهذا المشروع لأنه ليس له مستند رسمي، ولكن لأن هناك متضررين قررنا أن يكون السوق الذي شيده الاتحاد امتداداً لمشروع سوق كبير نزمع تشييده في المرحلة المقبلة، ونحن غير مسؤولين عن اموال التجار التي اخذت منهم، وعليهم أن يبحثوا عمن تحصل عليها، وهذا المشروع تم بطريقة غير قانونية ولا علاقة لنا به، واذا فقد التجار الثقة في الاتحاد الحالي فعليهم تفويض آخرين لإكمال المشروع الذي أعلنا بوصفنا محلية امكانية اكماله اذا تم توريد الاموال مباشرة الينا وذلك لحل المشكلة». ورفض المدير التنفيذي تفسير عدم تسجيل القطعة، وقال إن ذلك تم في عهد معتمد سابق تولى شؤون المحلية قبل ست سنوات، مؤكداً أن الحل النهائي يتمثل في أن يدفع التجار أموال الدكاكين للمحلية، وإذا لم تكن لديهم رغبة فليبحثوا عن الجهة التي منحوها أموالهم.