الحكومة الإيرانية تؤكد أن وفاة رئيسي لن تسبب أي خلل في عملها    شاهد بالفيديو هدف الزمالك المصري "بطل الكونفدرالية" في مرمى نهضة بركان المغربي    خامنئي يعزي بوفاة رئيسي ويعلن الحداد 5 أيام    ما الذي ينص عليه الدستور الإيراني في حال شغور منصب الرئاسة؟    هنيدي يبدأ تصوير الإسترليني بعد عيد الأضحى.. والأحداث أكشن كوميدي    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    إنطلاق العام الدراسي بغرب كردفان وإلتزام الوالي بدفع إستحقاقات المعلمين    الجنرال في ورطة    (باي .. باي… ياترجاوية والاهلي بطل متوج)    رشان أوشي: تحدياً مطروحاً.. و حقائق مرعبة!    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    الإمام الطيب: الأزهر متضامن مع طهران.. وأدعو الله أن يحيط الرئيس الإيراني ومرافقيه بحفظه    محمد صديق، عشت رجلا وأقبلت على الشهادة بطلا    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    نائب رئيس مجلس السيادة يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم ويؤمن على قيام الإمتحانات في موعدها    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعاون بين المؤسسات الإجتماعية والحكومية ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الإرهاب
أثر الإرهاب على التنمية الإجتماعية في الوطن العربي (1)
نشر في الصحافة يوم 08 - 01 - 2013

الدكتور منصور خالد مفكر موسوعي ،وقلم موضوعي ،كتب في شتى المجالات بعمق ورصد أحداثاً وظواهر مرت على المنطقة والعالم برؤية ثاقبة،وظل متابعاً دقيقاً للتطورات السياسية والإجتماعية وله عدة مؤلفات في هذه الشؤون مما أكسبه احترام وتقدير قادة ومفكرين في العالم.
وقد شارك مؤخراً في ندوة نظمتها جامعة الأمير نايف للدراسات الأمنية بورقة وجدت صدى طيباً في الندوة لمناقشتها (موضوع الإرهاب واثره على التنمية الاجتماعية في الوطن العربي).
وخص الدكتور منصور خالد "الصحافة" بالورقة التي قدمها في الندوة وستنشرها الصحيفة تباعاً تعميماً للفائدة.
جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أنشأها الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز طيب الله ثراه لتعميق مفهوم الأمن في الوطن العربي وتطوير قدرات العاملين به.. وقد درجت الجامعة، إلى جانب الدورات التدريبية التي تعقدها، للعاملين في مجالات الأمن والشئون الاجتماعية على عقد ندوات بين الحين والآخر لتدارس القضايا ذات الصلة بالأمن بهدف بلورة رؤى مشتركة بشأنها..
وكان د.منصور خالد من بين من دعي لتقديم أوراق لتلك الندوة بحكم خبرته في القانون والإدارة وبالمؤسسات الدولية التي عمل في عدد منها.
1.توطئة: الارهاب في التاريخ القديم والحديث
1-1 نحسب أن الإرهاب المعني في هذا البحث هو الظاهرة السياسية/ الإجتماعية التي أخذت منذ النصف الثاني في القرن الماضي حيزاً كبيراً في الإستراتيجيات الأمنية للدول، وفي قرارات المنظمات الدولية ، كما في الدراسات المتعمقة في مراكز البحوث عبر العالم . ذلك الإرهاب صنفته الجمعية العامة للأمم المتحدة في خانة الاجرام وعرّّفته بالعمل الذي «يهدف الى ، أو يُُقصَد منه ، اشاعة حالة من الذعر في المجتمع أوبين أي جماعة لتحقيق مآرب سياسية «. مثل هذا العمل ? كما نص القرار - لا يمكن تبريره تحت أي ظرف من الظروف ، كانت تلك الظروف « سياسية ،عقائدية ، عرقية ، عنصرية ، دينية أو غير ذلك « (الفقرة الثانية من القرار 51/210 الصادر في 17 ديسمبر 1996) . هذا هو الوصف للارهاب الذي توافق عليه المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة ، كما تبنته كل دول العالم بما فيها الدول العربية في الإتفاقية العربية لمكافحة الارهاب (1988) .
1-2 بصورة عامة يتمظهر ذلك الإرهاب في :
* عنف عشوائي يحظره القانون أو لا تقبله الأعراف بهدف بث الرعب في مجتمع بعينه أو وسط شريحة من ذلك المجتمع.
* إنطلاق ذلك العنف من محفزات سياسية وطنية او عقائدية، كانت تلك العقائد روحية (spiritual) أو زمنية (temporal).
* إبتغاء زعزعة او تقويض سلطة قائمة لإستبدالها بسلطة أخرى . كل ذلك يبين أن الإرهاب لا ينطلق بالضرورة من فكرة عدمية . فحتى الجماعات الارهابية التي نُُسبت افكارها في الماضي الى العدمية (nihilism) لم تكن كذلك إذ كان لها تصورها الخاص لإعادة تكوين المجتمع.
1-3 على أن الإرهاب بالمعنى المشار اليه أعلاه لا يُُعد ظاهرة جديدة إذ عرفته المجتمعات منذ قديم الزمان . عرفته كأداة من أدوات الحرب بين الدول ؛ أو كإنفاذ لأمر سماوي مزعوم عند الغلاة من أهل الأديان ؛ أو كوسيلة لتغيير ثوري للمجتمع عند الروافض لذلك المجتمع ؛ أو كوسيلة لتطهير المجتمع من أعراق فاسدة في رأى من ابتلاهم الله بداء التمييز بين خلقه على اساس اصولهم العرقية ؛ أو كمنهج لاستئصال الخصوم الفكريين و السياسيين الذين لا يشاركون السلطة المهيمنة الرأى في كيف يدار المجتمع ولهذا احتسبتهم تلك السلطة «عناصر فاسدة « يلزم اجتثاثها ؛ وليس في كل ما أوردنا مزاعم يصعب اثباتها .
1-4 مثلاً ، منذ أكثر من الفي عام بََرََر عالم الحرب الصيني سن تزو الإرهاب في الحروب بقوله : « اقتل واحداً لترهب الفاً» . ومنذ فجر الدعوة شهدت الدولة الإسلامية صراعاً دنيوياً من أجل السلطة لم يستنكف بعض دعاته من اضفاء طابع ديني عليه برفعهم القرآن على أسنة الرماح تأييداً لدعواهم . تلك الدعوة جابه الامامُُُ عََليٌ اهلها بما يكرهون اذ وصفها بكلمة حق يراد بها باطل ثم قال :»أن القرآن لا ينطق وانما ينطق به الرجال» . فالقران يحرم قتل النفس بغير سبب من قصاص او فساد في الارض ويحسب ذلك إسرافاً يستوي فيه قتل الفرد مع قتل الجماعة : « مِِنْْ أجْْلِِ ذلِِكََ كتََبْْنََا عََلى بََنِِي إسْْرَََائِِيلََ أنََهُ مََنْْ قََتَََلََ نفساً بِِغيْْرِِ نفْْسٍٍ أو فسََادٍٍ في الأرْْضِِ فكأَنََّمََا َقََتََلََ النََاسََ جََمِِيعََاً وَََمََنْْ أحْْيََاهََا فكأَنََّمََا أََحْْيََا النََاسََ جََمِِيعاً . وََلقدْْ جَاءَتْهُُمْْ رُُسُُلْْنََا بِِالبََيِِّّّّناتِِ ُُثمََّّ إنََّّ كَََََثِِِيراًً مِِّّنْْهُُُُُُم بََعْْْدََ ذََلِِكََ فِِي الأرْْضِِِ لمُُسْْرِِفُُون « (سورة المائدة،الاية 32) ؛ ومن معاني احياء النفس في تفسير ابن كثير «الكف عن قتلها» .
1-5 من جانب آخر انطلق المسيحيون من جنوب فرنسا بتوجيه من البابا ايربان بدعوى نصرة العرش البيزنطي في الجانب الشرقي من الامبراطورية الرومانية في حين كان الهدف من حملتهم «تحرير» بيت المقدس أو بالحرى احتلاله . ذلك ، هو الآخر ، كان استغلالاً للدين لتحقيق غاية سياسية . في تلك الحرب - بل الحروب الصليبية المتواليه (1096 الى 1099 ، 1147 الى 1149 ،1189 الى 1192 ، 1198 الى 1229) - قُُتل رجال وذُُبحت نساء تحت راية الصليب . ولا نحسبن ان « الاب المقدس « ايربان كان يجهل قول يسوع : « طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يُُدعون» ، أو قوله : « سمعتم انه قيل لك تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم . احسنوا الى مبغضيكم . وصََلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات» ( متى ، الاصحاح الخامس ، الآية 9 ، و الآيتان 44-45) . فالدين ، أياً كان ، لا يستحل العنف ، ناهيك عن اباحة القتل العمد ظلماًً . « وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً « ( الاسراء 17 /33) .
1-6 في التاريخ أيضاً من العنف العشوائي ، أي الإرهاب ، ما يدعو للسخرية ، خاصة ان كان الهدف من العنف تحرير الانسان من الظلم أو الإرتقاء باوضاعه الإجتماعية والإقتصادية والسياسية . مثال ذلك ما شهدته اول ثورة قامت لإعلاء راية حقوق الإنسان والمواطن ( الثورة الفرنسية ) . تلك الثورة لم تشهد فقط اكثر انواع الارهاب فحشاً ، بل اعتبرت الارهاب من الفضائل . ففي اعلانه المشهور بََرََر ماكسميليان روبسبير ابرز قادة اليعاقبة (Jacobins) وهم الآباء الشرعيون للثورة الفرنسية ، بل أبلغ خطبائها ، العنف العشوائي الذي كان يرهب به الخصوم بقوله «الرعب الثوري يعد من الفضائل الإنسانية لأنه لايقع إلا إنفاذاً للعدالة الثورية الناجزة التي ينبغي أن تتسم بالقسوة (severity) والصلابة (inflexibility)» . لا غرو ، إذن ، أن أطلق المؤرخون على تلك المرحلة من الثورة الفرنسية «عهد الرعب».
1-7 أما في التاريخ الاقرب فقد مُُني العالم بداء ارهاب الدولة ؛ فالى جانب الحربين العالميتين (1914م - 1918م) و (1939م ? 1945م) اللتين دمرتا اوروبا وكادتا أن تدمرا العالم ذهبت الى ارهاب واسع النطاق بعض الدول او التنظيمات السياسية لخصومها السياسيين ، وضد مواطنيها الذين حملتهم النوازع الانسانية على رفض غلواء الحكم . انهمكت أيضاًً في تلك الفترة بعض الدول التي كانت تعاني من وسواس مرضي بالتميز العرقي في ارهاب لا نظير لها في التاريخ الحديث . فمن ناحية ، ذهب الإتحاد السوفيتي في العهد الستاليني إلى إنشاء القولاق السوفيتي ، أي معسكرات الخدمة في المنافي البعيدة. ففي الفترة الواقعة بين 1929م -1953م استقبلت تلك المنافي بين أربعة إلى خمسة مليون معتقل قضي نحبه منهم ما بين عامي 1934 و1953م ? حسب الوثائق التي اميط عنها اللثام بعد سقوط النظام ? ما يربو على المليون شخص ، وعلى وجه التحديد (829, 053, 1شخصاًً) . اما في المانيا الهتلرية فقد ابتدع النظام النازي فكرة التطهير العرقي إنطلاقاً من مفهومه المريض حول التميز العرقي للجنس الآري وكان اليهود وجماعات الروما اكبر ضحايا ذلك التطهير . والروما هم المجموعة التي التي كان يطلق عليها من باب الزراية إسم الغجر .
1-8 وإن كان إرهاب الدولة في المانيا قد إنتهى بهزيمة النازية وسقوط نظامها في عام 1945م ، كما تقلصت حدته في الإتحاد السوفيتي في الفترة التي اعقبت صعود نيكيتا خروشيف ، إلا أن العالم شهد في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي نماذج جديدة للإرهاب من جانب جماعات متطرفة كانت تبرر تطرفها اما من منظور وطني أو طبقي . من تلك الجماعات نذكر بوجه خاص حركة بادير ماينهوف التروتسكية في المانيا والتي ظلت تؤرق بال المجتمع الألماني طوال تلك الفترة . الهدف السياسي الأبرز لتلك الجماعة ، حسب دعواها ، كان هو القضاء على بقايا النازية والتي إتهمت حكومة المستشار ادريناور بالعجز عن إستئصالها ، بل بالتعاون مع بقاياها . على أن تحقيق تلك الغاية ما كان ليقتضي العنف العشوائي الذي لجأت اليه الجماعة الإرهابية في المدن بصورة هزت المانيا من اقصاها الى اقصاها حتى أطلق على العقد الذي وقعت فيه اسم « الخريف الألماني» . تحقيق تلك الغاية ايضاً ما كان يقتضي ان تستلهم تلك الجماعة في توجهها الثوري افكار ماوتسي تونق في الصين ، وهوشي مِِنه في فيتنام ، الى جانب تلك التي كان يبشر بها فلاسفة مدرسة فرانكفورت اليساريين مثل جيرفن هامبرماس وهيربرت ماركوز . وكما تبين فيما بعد لم يكن هدف الحركة الشبابية الثورية هو فقط استئصال بقايا النازية ، وانما أيضاًً اضافة بُُعد فوق قُُطري الى المحيط الثوري لتلك الجماعة ، ألا هو «مناهضة الإمبريالية».
1-9 ظل الشرق الأوسط بمنأى عن ذلك التطرف رغم تعدد الثورات الوطنية فيه بما في ذلك الثورة الجزائرية . تلك الثورة حرصت على النأي بنفسها عن العنف العشوائي وتركيز ضرباتها على المحتل ، كان ذلك في الجزائر أو في معقل سلطته في فرنسا . ذلك النهج اكسب الثورة الجزائرية تأييداً كبيراً حتى في داخل فرنسا وبين مفكريها . اما في المشرق العربي فقد بدأ العنف العشوائي مع شعور الإحباط الذي إنتاب الفلسطينيين إزاء استكانة الغرب- ان لم نقل ممالأته - للعجرفة الإسرائيلية . وكان أمر ذلك الإنحياز الاوربي ? الامريكي لاسرائيل ليهون لو اقتصر على ضمان أمن الدولة العبرية وحمايتها داخل الحدود التي أقرتها الشرعية الدولية : قرارالتقسيم في سبتمبر 1947م ، أو قرار مجلس الأمن 242 حول الاراضي المحتلة عقب حرب حزيران ، رغم عدم الرضا الكامل من جانب العرب بالقرارين . ولكن عندما يتحول التأييد الى انصياع كامل لغلواء اليمين الصهيوني المتطرف وسياساته التوسعية يصبح الامر مختلفاً . وعلى كل فالإستثناء الوحيد لممالأة الغرب للعجرفة الاسرائيلية هو ذلك الذي إتخذه الرئيس ديقول وعََبََر عنه عقب ضرب بيروت في ستينات القرن الماضي . ففي خطاب جرئ حول النخبة السياسية في إسرائيل وصف ديقول حكام اسرائيل الذين قاموا بالاعتداء على بيروت ب» الجماعات النخبوية المعتدة بنفسها ، والتي ينتابها ظن بأن الشرائع الدولية التي تقيد تصرف الدول تنطبق على كل دول العالم الأخرى ولا تنطبق على اسرائيل «.
1-10 ردود الفعل الفلسطينية ضد هذه العجرفة أخذت منحيين ، الأول هو تصعيد الكفاح بكل وجوهه المعروفة والمشروعة من أجل استرداد الحق السليب ؛ والثاني هو توسيع نطاق تلك الحرب لتشمل العالم كله دون تمييز . العنف الثوري في المنحى الأول هو حق مشروع لأنه ? على تفاوت درجات عنفه ? يهدف إلى تحقيق غايتين : الأولى لفت نظر الذين الهاهم الجهل عن ، أو حملهم الغرض على تجاهل ، الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني . أما الغاية الثانية فهي إلحاق ضربات موجعة بالمستعمر الحقيقي، لاسيما والهدف الرئيس لحروب التحرير هو جعل الحكم ، أو السيطرة على الإقليم المحكوم ، أمراً عصياً على من يبتغي استدامة حكم او السيطرة على اقليم . هذا هو ما ظل يفعله ، على سبيل المثال ، الجيش الإيرلندي الحر ، ويفعله المؤتمر الوطني الأفريقي (جنوب أفريقيا ) ، كما تفعله حركة الباسك (إيتا) في إسبانيا . كل هذه الحركات حرصت على أن لا تتوغل في الصراعات الداخلية في الدول المناصرة لها، بما في ذلك دول الطوق الذي يحدق بها ، أو تذهب الى اشاعة الذعر بلا تمييز عبر العالم . ولا مرية في أن العنف الثوري ضد الاحتلال لا يمكن نعته بالارهاب إذ هو الطريق الذي إنتهجته كل حركات التحرير عبر التاريخ ، كما هو بالقطع السبب الذي حمل الدول العربية ممثلة في مجلس وزراء الداخلية والعدل العربي (22/4/1998م) على التمييز بين الإرهاب وبين الكفاح المسلح ضد العدوان الخارجي الأجنبي « من أجل تحرير الأرض والحصول على حق - تقرير المصير «. وكان الهدف من ذلك الاجتماع إقرار الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب .
1-11 اما العنف العشوائي فامر لا تبيحه شرائع الثورات التحريرية ولهذا لم تذهب اليه أي من حركات التحرير التي اشرنا اليها ، ربما باستثناء ايتا في عهد فرانكو ، ومنظمة الطريق المضئ ((Shining path في بيرو. وبانتهاج الطريق الأول حافظت على حرية حركتها المنظمات الثورية التي لم تُُقحم نفسها في سياسات الدول المناصرة لها ، أو تسعى للتأثير على تلك السياسات بصورة مباشرة أو غير مباشرة . بالمقابل لا يمنح شََرعُُ التحرير حقاً للدول المناصرة للثورات في الوصاية على الثورة أو ضبط ايقاعها . وتفيد الاشارة هنا الى العقد غير المكتوب الذي ابرمه مع منظمة الوحدة الافريقية المؤتمر الوطني الافريقي ، الحزب الوحيد الذي ارتضاه اهل جنوب افريقيا قائداًً في حربهم ضد الابارثابد . في ذلك العقد تواصت الدول الافريقية على شيئين : الأول هو الالتزام بما تقرره دول الطوق (تنزانيا ، زامبيا ، زمبابوي) حول طرائق دعم النضال الافريقي ضد الابارثايد ، والثاني هو التزام هذه الدول ? بل كل الدول الافريقية ? بخيارات المؤتمر الوطني في النضال السياسي والعسكري.
1-12 في الحالة الفلسطينية كان لتمييع الخطوط الفاصلة بين ما هو داخلي وما هو خارجي ؛ وبين ما عليه إجماع من الدول حول قضية مشتركة وما تشتجر عليه الاراء بشأن تلك القضية ؛ وبين المواقف التي تنبع عن نظرة أيديولوجية محددة لا اجماع عليها وتلك التي يتفق عليها الجميع لاعتبارات قومية أو إنسانية ؛ كان لكل هذه العوامل أثر بالغ في إضعاف الزخم الثوري للثورة الفلسطينية . لهذا فان تشذر تلك الثورة لم يكن لان الفلسطينين قوم مشاغبون يستمرئون التخالف ، وانما لسعي غير قليل من دول الطوق لاحتضان هذه أو تلك من الفصائل الفلسطينية ، ان لم يكن خلق بعضها خلقاً.
1-13 هذه الجماعات ? مُُختََلفة كانت ام طبيعية ? افتعلت بسبب تزيدها بالنضال جفوة غير مبررة مع العالم ، من ناحية ، ومع بعض الدول العربية من ناحية أخرى . لم تنج من التزيد على الدول العربية حتى مصر ، اكثر الدول العربية دفاعاً عملياً عن حقوق الفلسطينيين في عهدي رئيسيها عبد الناصر (مبادرة روجرز) و السادات (إتفاق كامب ديفيد) . اما بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي كانت جميع قرارات الجامعة العربية منذ سبعينيات القرن الماضي تنعتها ب»الممثل الشرعي و الوحيد لفلسطين « فقد شمل تزيد المتطرفين عليها كل المبادرات السلمية التي تبنتها : مدريد ، اوسلو ، واشنطون. ذلك التزيد ، كما أسلف الذكر ، يستمد مبرراته عند أصحابه اما من نظرة ايديولوجية ، أو انحياز سياسي لموقف هذه الدولة أو تلك . وأياً كانت المبررات فلا يمكن ان يكون مثل هذا الانحياز بديلاً عن الاستمساك بالقاسم المشترك الأعظم الذي اجتمعت عليه الدول العربية بشأن فلسطين . من جانب آخر، فان المواقف المتطرفة التي تهدف الى دفع الدول الى اتخاذ سياسات لا ترغب فيها أو لا تملك تحقيقها ، هو أمر ضد طبائع الاشياء . فالدول ? صغيرها وكبيرها ? تبني سياساتها على حسابات دقيقة لأوضاعها الداخلية ، والتزاماتها الدولية ، وقدراتها المادية . لهذا فان ردود فعل تلك الدول على ذلك التزيد - حتى وان جاء عنيفاً من جانب بعضها ? يجب أن لا يكون مدعاة للدهشة . فالسعي للتأثير على سياسات الدول لفرض أمر واقع عليها أمر لا تقبله الدول ، خاصة ان كان سيودي بها الى حروب لا تريدها أو تملك الاستعداد لخوضها.
1-14 ظاهرة التزيد هذه قادت الى اشتباه البعض في أمر الكفاح الفلسطيني المسلح- رغم مشروعيته ? أو على الأقل لحقت بهم لبسة في أمره . تلك السياسات ؛ بل الافعال المتطرفة ، قادت ايضاً على مستوى الرأى العام الدولي الى الصاق تهم الارهاب بالمجموعات التي انخرطت فيها . ففي عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي اصدرت الأمم المتحدة ( بموافقة الدول العربية) قرارات عدداً تدين فيها ممارسات قامت بأغلبها عناصر عربية متطرفة اتخذت لها حلفاء من خارج الوطن العربي (كارلوس الفنزويلي مثلاً) مما اضفى على الفعل عنصر التآمر الدولي . مثال ذلك اتفاقية طوكيو (14 سبتمبر 1967) التي تحرم الجرائم داخل الطائرات ، اتفاقية لاهاي (16 ديسمبر 1970) لانهاء الاحتجاز غير المشروع للاشخاص داخل الطائرات ، اتفاقية مونتريال (23 سبتمبر 1971) لحماية الطيران المدني ، اتفاقية نيويورك(14 ديسمبر 1973) لمنع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد الاشخاص الذين يتمتعون دولياً بحصانة بمن في ذلك الدبلوماسيين ، الاتفاقية الدولية ضد أخذ الرهائن (نيويورك 17 ديسمبر 1979)، بروتوكول حماية الملاحة البحرية (روما 10 مارس 1988) . ولا شك في أن أي محاولة للتعفية على تلك الظاهرة لن تعين على تحليل صائب لبعض النكسات التي أصابت الكفاح العربي المشروع ، أو إدراك سليم للمواقف الملتبسة التي إتخذها نحوه حتى بعض ذوي قرباه .
1-15 لا يغيب علينا ان اللجوء للعنف العشوائي الذي يندرج في باب الارهاب حسبما تواطأت عليه الشرعية الدولية كان ، في جانب منه ، بسبب تنامي احساس جماعات سياسية عربية عديدة باستصغار الغرب للوطن العربي ، والذي كانت ممالأة الغرب لاسرائيل واحدة من التعبيرات عنه . وليس المرء في حاجة الى كبير جهد لإستدعاء التاريخ كي يدرك ما في الاستصغار من ذلة لا يرضى بها الا من رضى بالهون . فالغرب ? حتى قبل تفجر القضية الفلسطينية ? متهم بمحاولات طمس معالم الثقافة العربية ، وتجزئة العالم العربي ، وخلق بؤر للصراع العرقي (العرب والأكراد) أو الطائفي (لبنان) . بيد أن كل هذه ظواهر مصاحبة لنمو وتمدد الدول الامبراطورية في الشرق والغرب ، بل كانت من بين الماكينزمات التي لجأ اليها لاستدامة هيمنته . وبدلاًً من محاصرة تلك الظواهر من أجل القضاء عليها ظل اغلبنا يتلبث عند دور الاستعمار في صنعها وكأننا كنا نبحث عن كبش فداء . فالدول العربية ليست وحدها هي التي عانت من الاستعمار ، كما أن ما فعلته الدول التي خضعت للاستعمار في ماضي أيامها لرد الاعتبار لنفسها كتاب مفتوح . في ذلك الكتاب نقرأ عما قامت به تلك الدول لتوحيد أقوامها ، وتعمير أرضها ، وتطوير العلائق مع جيرتها ، والتصالح والتفاعل مع الآخرين عبر العالم على أساس الندية وفق معايير اتفق عليها العالم لضبط التعاون بين دوله .
1-16 علنا في هذا المجال نتناول ظاهرتين : الأولى هي النزاعات العربية ? العربية التي اشتعلت بين الدول وصرفتها عن مهمتها الأساسية : تنمية الوطن وتوحيده والارتقاء بأهله ، كما حالت بينها وبين تحقيق التكامل السياسي والاقتصادي المتين . والثانية هي العجز عن الاستغلال الاقتصادي والسياسي لما حباه الله بها من موارد : النفط ، الغاز ، الزراعة . ففي الحالة الأولى- دون حاجة منا لتفصيل ? تفشت الصراعات بين الدول العربية ، منها ما تفجر ومنها ما ظل يتمور تحت الأرض . وزاد من الأمر ضِِغثاًً على إبالة انتشارها ليس فقط بين الدول ، بل وفي داخل بعضها ، وكأنا مازلنا في جاهليتنا نَََدُُق بيننا عِِطر مََنشم . في الوقت ذاته اختفت الصراعات في امريكا اللاتينية كما في اغلب الدول الاسلامية في وسط وشرق آسيا وانصرف أهلها الى خلق تعاون سياسي و تكامل اقتصادي متين فيما بينها على اختلاف الاجناس واللغات والديانات . خذ ، مثلاًً ، اندونيسيا الدولة الاسلامية الاولى من حيث عدد السكان (8708% من سكانها البالغ عددهم 245 مليون نسمة ) ، أو الهند التي يبلغ عدد سكانها 102 بليون نسمة منهم 138 مليون مسلم ، كلاهما استطاع أن لا يجعل الفوارق العرقية أو الدينية عاملاًً من عوامل تمزق المجتمع . هاتان الدولتان اللتان تحفلان بتنوع ثقافي ، لغوي وديني لا يعرفه الوطن العربي ، حرصتا منذ استقلالهما على الاحاطة بكل المشاكل التي قد تنجم عن ذلك التنوع واتخذتا من السياسات ، ووضعتا من النصوص الدستورية ، ما يدرءها . فالهند ، مثلاً ، تبنت ثلاثين لغة كلغات فرعية اعترف الدولة بها قومياً كلغات رسمية في الولايات التي تسود فيها . على الجانب الآخر تبنت اندونيسيا لغة أصغر جزر الارخبيل الاندونيسي ( سومطرة ) كلغة للدولة الجديدة عند استقلالها حتى لا يسبب اختيار لغة واحدة من الجزر الكبرى غيرة عند الاخريات . المشاكل الناشئة من التنوع الثقافي لا يُُعاني منها العالم العربي الا بقدر لا يستوي مع ذلك الذي تعانيه دول أخرى . لهذا اخترنا للقياس مع الوطن العربي أكثف تلك الدول سكاناًً بالمقارنة مع سكان الدول العربية ، او بالحجم الديموغرافي للمسلمين فيها حتى لا يْْلحِِق أحدٌٌ التمزق الذي مُُنيت به الدول العربية الى العداء الكامن للعروبة والاسلام عند الآخرين ، وليس بسبب عجزها عن ادارة التنوع في داخلها . ومما يدعو للدهشة ان الجامعة العربية ( انشئت في مارس 1945 بأعضائها الستة الأول مصر ، العراق ، سوريا ، المملكة السعودية ، لبنان ، شرق الأردن) كانت هي المنظمة الوحيدة - الى جانب منظمة الدول الامريكية Organization of American States - التي دفعت صاغة ميثاق الامم المتحدة للاشارة في الميثاق الى المنظمات الاقليمية ودورها في توطيد السلام العالمي . ويزيد من الدهشة ان الاتحاد الأوروبي ? حتي في صورته الجنينية ? كان في رحم الغيب عند انشاء الجامعة العربية إذ أن روبير شومان المفكر السياسي والوزير الفرنسي ( عمل مرتين كرئيس لوزراء فرنسا ) لم يخرج الى الملأ بالفكرة التي مهدت الطريق للاتحاد الاوروبي ( السوق المشترك للفحم والصلب ) الا في مطلع الخمسينات من القرن الماضي ، اي بعد خمس أعوام من انشاء الجامعة العربية كمنظمة سياسية فوق - قطرية تقود الاتحاد العربي . وفي الوقت الذي اطلقت فيه اوروبا على شومان لقب « أب الاتحاد الاوربي « كان اصحاب نظرية « التفسير البوليسي للتاريخ « يصفون انشاء الجامعة في قصر انطونيادس في الاسكندرية في عام 1945 بأنه مؤامرة بريطانية .
1- 17 من الناحية الثانية نتناول التعاون الاقتصادي العربي ، بل جانباً واحداً منه هو التجارة البينية العربية لما في ذلك من كشف للغطاء عن عجز في التعاون الاقتصادي العربي ، بل هو في واقع الأمر عجز القادرين على التمام . قد يقول قائل ان اختلال موازين التجارة الخارجية يعود للتطفيف في موازين التجارة العالمية ، وذلك أمر لا يختلف حوله اثنان أو ينتطح عنزان . الا ان ذلك التطفيف في الموازين هو ايضاً واحد من ظواهر هيمنة الدول الغربية الرأسمالية ليس فقط على الاسواق العربية بل على دول العالم الثالث كلها. بسبب من ذلك ظل الاقتصاد الدولي الراهن موضع ادانة من جانب تلك الدول منذ منتصف سبعينات القرن الماضي عندما اخذت تدعو وتناضل من اجل خلق نظام اقتصادي عالمي جديد . في اطار ذلك الجهد اتخذت منظمة الانكتاد ، ومجموعة السبع وسبعين في الامم المتحدة قرارات هامة حول التعاون بين دول الجنوب من بينها ، بل أدناها ، توسيع مواعين التجارة البينية فيما بينها . ولئن أخذنا هذا العامل فقط لوجدنا أن حجم التجارة الخارجية (باستثناء النفط والغاز) في الوطن العربي بسكانه الذين يربون على 260 مليون نسمة لا يرقى الى حجم التجارة الخارجية لسويسرا بسكانها الذين لا يتجاوزون الثمانية مليون نسمة ، أو فنلندا التي لا يتعدى سكانها الخمسة مليون . وليس في الأمر عجب إذ أنه ، رغم كل الضجيج عن توحيد الدول العربية ، لم تتجاوز التجارة البينية بينها كنسبة مئوية من تجارتها العالمية حسب تقارير معهد التخطيط العربي بالكويت ، 803% . في ذات الوقت ارتفعت تلك النسبة الى 69% بين دول آسيا والباسفيك ، 6107% في الاتحاد الأوروبي ، 4706% في اتحاد دول التجارة الحرة في امريكا الشمالية (NAFTA) الذي يشمل كندا ، الولايات المتحدة ، المكسيك ، 21% في دول شرق آسيا التي تعرف بالاسبان (ASEAN) وضمت في البدء ( عام 1967) اندونيسيا ، تايلاند ، سنغافورة ، الفلبين ، ثم التحقت بها من بعد بروناي ، مانيمار ، لاوس ، كمبوديا ، فيتنام . اما في دول اتحاد امريكا الجنوبية المعروف باسم Mercado Commun du sul (MERCOSUR) والذي يضم الارجنتين ، البرازيل ، باراغواي ، اوروغواي ، فنزويلا فقد بلغت النسبة 1802% . هناك ، مما لا شك فيه ، عوامل عديدة حالت دون توسيع مواعين التجارة العربية البينية مثل اختلاف الانظمة الاقتصادية بين الدول ، غيبة الاستراتيجيات السليمة للتسويق ، تباين السياسات النقدية ( في دول العالم العربي الاثنين وعشرين هناك 21عملة نقدية ) ، الضرائب الباهظة والتي أصبحت المصدر الأساس للموارد المالية لبعض الدول . رغم ذلك ، فان العوامل التاريخية الدينية و الثقافية و السياسية الى جانب الاتفاقيات والمجالس الاقليمية كانت كفيلة بمعالجة هذه العوامل لو أخذت الدول رسالتها مأخذ جد . لهذا يحز في النفس ان يكون حجم التجارة البينية بين دول غرب افريقيا التي لم تتوفر لها من شروط الاندماج الاقتصادي ما توفر للدول العربية أعلى من ذلك الذي حققته الدول العربية . إذ بلغت تلك النسبة بين دول الاتحاد الافريقي والنقدي لغرب افريقيا Union Monetaire et Economique Ouest Africaine (UEMOA) 12% من حجم تجارتها الدولية . كل هذه ظروف تدعو للغضب ، ليس فقط على الاستعمار بل أيضاً على انفسنا . في ذات الوقت فان الحروب العشواء على العالم من مركز ضعف لن تفيد في حل مشاكلنا المتعددة أو ازالة الظلامات التي حاقت بنا . « وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ . وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ « ( الذاريات 21/ 51) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.