وهناك في اقصى كردفان الغرة أم خيراً جوه وبره وتحديداً في مدينة (النهود) التي تتمدد علاقات التواصل فيها ما بين الناس دون حواجز، يمارسون الوصل الجميل تحت ضوء القمر، وهم ينظمون حبات الرمال مطالبين الليل بالتوقف لاستمرار الونسة التي تبتدئ دون ان تحدها نهايات، فونسة اليوم تمسك بحديث بكرة، وهكذا يعيش الناس في حالة من التناغم والانسجام خصوصاً في الاسواق التي يعلو فيها الضجيج المغموس فوق حلة الطيبة التي تستوي في كل لحظة ليلتهمها الجميع. عند إحدى الأشجار التي تحولت لسوق في قلب المدينة، الشجرة التي يسمى السوق باسمها (القرضاية)، تعرفنا على الحاجة ملين ضيفتنا التي تجاوز عمرها المائة عام، إلا انها تبدو أكثر نشاطاً من شابات اليومين ديل، وهي تمارس عملها داخل السوق، وتقوم بدور لجنة الوساطة حيث لا يرد لها طلب، باعتبارها ست بيت وأقدم العاملين في السوق.. جلسنا إليها لنخرج بونسة من تحت الشجرة يتداخل فيها التاريخ والجغرافيا والسياسة والزمن الذي تغير وتبدل. إزيك يا حاجة.. مرحب بالوليدات اتفضلوا اقعدوا.. هكذا بدأت ونستها معنا وكأنها تعرفنا منذ سنوات. ومن ثم واصلت في الحديث حيث قالت انها تجلس في هذه المنطقة وتحت ضل الشجرة منذ سنوات عديدة، تمارس البيع والشراء والونسة داخل هذا السوق التي قالت انه قام من تحت رأسها، حيث تقوم بفرش بضاعتها المكونة من الويكة والكول والمصران والنبق واللالوب والزيت والسمن والفول بكل انواعه، بالاضافة للشطة وبقية البهارات التي وصفتها بأنها مكونات بيت المرأة الفالحة والقادرة على تنظيم احتياجاتها وصنع وجبة كاملة الدسم، مضيفة عبر ابتسامة خفيفة: وده الاكل البوقف عيون الراجل الطائرة في محلها وما بفكر في الثانية. واضافت انو علاقتا مع ناس السوق سمن على عسل، وكلهم يحترموها من خلال الاقدمية في العمر وفي المحل، التي تمنحها لقب ان تكون عمدة السوق عديل كده، واجابت معترضة حينما قلنا ليها انو دي حاجات اتجاوزها الزمن: هو زمنكم ده زمن ما فيهو أي شئ غير المايل الشايلنو فوق اضنيكم ده لمن يطرشكم «وبالمناسبة المايل ده الموبايل الذي وصفته بانو خرب الناس عديل كده»، ولم تكتف بصب جام غضبها على الموبايل، بل تجاوزته لبنات الزمن ديل وكريماتن القالت انها خربت الوشوش وغشت الوليدات، ويا حليل زمن الودك والكركار البخلي الوش ناير وما يزلطوا زي الحاصل في الوقت ده. وفي اجابة على الانتخابات والحكومة الجاية وهي دايرة منو وشنو اجابت بمنتهى الدبلوماسية: البجيبوا الله كله سمح، وربنا يولي من يصلح. واكتفت بهذه العبارة واكملت معها امنيات أخرى بأن ينعدل الحال كلو.. وترجع للناس حاجات زمان والطيبة والسماح والونسة الحلوة وبدون مشاكل. وختمت ونستها بدعوة جميلة: ودعتكم الله وربنا يعدل طريقكم.. وكانت الدعوة لنا ولكنها تتجاوزنا لوطن احتضن الحاجة ملين لقرن، واحتضنت هي أهله من خلال الحب تحت ظلال القرضاية في نهود الخير والبركة.