«هذه إعادة نشر لقصاصات نشرت على الفيسبوك بناء على طلب من مجموعة من الشباب. وهي ليست رواية تاريخية للأحداث ولا ترمي إلى إيراد رؤية نقدية للشخصية المعنية، بل هي قصاصات كتبت ابتداء بنية إبراز ملاحظات إيجابية أو انطباعات ذاتية عن الشخص المذكور» بقامته الفارعة ووجهه الذي تميزه نظرة جسور، لا يدور في خلدك عندما تراه لأول وهلة أنك أمام داعية من الطراز الأول. وإذا فتشت عن أسرار شخصيته وجدت أنه في الحقيقة، قبل أن يكون داعية مرموقاً، كان «أفنديا» عمل في سلك الحكومة في العهد البريطاني )لعله في مصلحة البوستة.( وقد تنقل بسبب مهنته في أرجاء مختلفة من السودان. وميزة هذه الخلفية في موقع الأفندية هي أنها تعطي صاحبها خبرة في الحياة ومعرفة تجعل مهمة استغفاله من أي ناحية بواسطة خصمه مهمة شبه مستحيلة. أي كما وصف بعض السلف حاله قائلا: «لست بالخب والخب لا يخدعني.» ولعل هذه الميزات هي التي جعلتنا نهاجر في كل جمعة من جامعة الخرطوم للصلاة في مسجد الملك فيصل في العرضة حيث كان شيخ الهدية يؤم الصلاة. لم تكن الدعوة السلفية قد ازدهرت آنذاك فكان معظم المتدينين من الشباب هم من الإخوان المسلمين، الذين لم يكونوا يلمسون فرقاً بين تياري الدعوة على كل حال. كان شيخ الهدية وآخرون من دعاة حركة «أنصار السنة المحمدية،» من بينهم الشيخ أبو زيد والشيخ مصطفى ناجي، هم قبلة الدعاة من شباب الحركة الإسلامية. ما شدنا إلى شيخ الهدية، سوى علمه، هو شجاعته التي جعلته من منبره يزدري بالإجراءات الأمنية التي كانت تتخذها الحكومة ضد الإخوان حينذاك بين حين وآخر. ولا أنسى خطبته في وقت ما في أوائل السبعينات عندما هاجم الحكومة علناً بسبب اعتقالها للدكتور الترابي. وكان مثل هذا الكلام يعد نوعاً من التهور، لكن أجهزة الأمن ، ولا أنكر أنها في ذلك الوقت كانت لقياداتها حكمة، آثرت التغاضي والتغابي. كان شيخ الهدية في الستينات من القرن الماضي من مؤسسي جبهة الميثاق الإسلامي التي أنجزت إنجازا فريدا بجمعها بين طوائف متفرقة من المسلمين )إخوان وأنصار سنة وصوفية،( وما كان ذلك ممكنا لولا سعة صدر شيخ الهدية ورجاحة عقله. ظل شيخ الهدية علما في الحياة العامة ونجما بين الدعاة، ولا أحسبني مبالغاً إن قلت إنه قدم للحركة السلفية أكثر مما قدمت هي له. فهو بعلاقاته الواسعة مع المحسنين في المملكة العربية السعودية والكويت والخليج عموماً ظل يدأب في صمت في إقامة المساجد ومراكز تدريب الدعاة في جميع أنحاء السودان، حتى بلغت الدعوة السلفية ما بلغته اليوم. أهم من ذلك أن شيخ الهدية بشخصيته القوية وعلمه الغزير وفقهه العميق، حافظ على وحدة أنصار السنة، فقد كانت له هيبة ومشروعية خاصة تردع كل من تحدثه نفسه بالمشاققه. وعندما توفي رحمه الله ترك إرثاً تجاوزت آثاره الحركة السلفية إلى المجتمع السوداني عموما. وقد أحس بفقده كل من عرفه وإن لم يلقه، لكن أنصاره في جماعة أنصار السنة هم اليوم الأشد افتقادا له فوحدتهم من بعده قد صارت على المحك..