حسن الجوار، سياسة سودانية قديمة أرساها الزعيم الأزهري بقوله إن حدود السودان الكبيرة لن تحرسها إلا علاقات طيبة مع دول الجوار، وأثبتت الأيام صدق تلك المقولة، وبحمد الله الحكومة أخيراً سارت في هذا الدرب في معظم الحدود، حدودنا مع تشاد واثيوبيا واريتريا وغيرها. وأخيراً أيضاً اقتنعت أو أقنعت الصقور أن حدودنا الكبيرة مع الجنوب أكثر من 0002 كيلو متر لا يمكن أن تحرس إلا بالعلاقات الطيبة مع الجنوب وحل المشاكل العالقة، وتوفير الجو المناسب للتعايش السلمي بين السكان من الدولتين. ودلالة على السير في نفس الدرب شمالاً، فقد تحمل السودان بمرارة عدم رد مرسي زيارة الرئيس لمصر كأول رئيس يبارك لمصر حكمها الديمقراطي الجديد، وأخيراً يأتي بعد 11 زيارة خارجية ليزور السودان. القيادة السودانية، لتوفير جو مناسب للزيارة تمنع أي تطرق لمشكلة حلايب في هذه الزيارة الأولى رغم الأصوات التي تنادي بضرورة فتح الملف، والزيارة تمضي وتخرج مصر بمكاسب كبيرة والسودان يرى أن الزيارة كانت ناجحة وكذا مرسي. وأعتقد أنه من البديهي أن نقول الآن إن السودان بالنسبة لمصر يعتبر ملاذاً وحلاً لكل مشاكلها الاستراتيجية التي بدأت منذ عهد عبد الناصر، السادات، حسني.. ثم مرسي وللذي سيأتي من بعدهم. كيف؟، أولى مشاكلهم الاستراتيجية الانفجار السكاني 08 مليون نسمة، فليس لهم حل إلا الاتجاه جنوباً للسودان، في الشرق البحر الأحمر والشمال البحر الأبيض المتوسط والغرب صحراء ليبيا. المشكلة الثانية «رغيف العيش» حيث توفر مصر من القمح ما لا يكفي حوالي ربع السكان والباقي من أمريكا.. المشكلة الثالثة مشكلة مياه النيل ولا مناص من التعاون مع السودان بصفته دولة مصب معهم وتربطنا اتفاقية عام 9591م قسمت المياه 5.55 مليار متر مكعب لمصر 5،18 متر مكعب للسودان، وما مشكلة تحالف عنتبي ببعيدة عن الأنظار. التحالف بين مصر والسودان مطلوب ومرغوب، المشكلة الأخيرة الجماعات الإسلامية، وطبعاً كان ذلك في عهود السادات وحسني، حيث كانت الجماعات الإسلامية تمثل المعارضة، أما الآن تمثل الحكومة، في السابق كان ينظر للسودان بحكومته الإسلامية نصيراً للمعارضة الإسلامية المصرية ومهدداً لأمن مصر. الآن ينظر للسودان كحليف للحكومة المصرية الإسلامية، فإسلاميو مصر يعتبرون ذلك مناصرة لهم، أي أن السودان حليف استراتيجي لصالح مصر، وتنظر المعارضة للسودان كحليف استراتيجي «عدوا لمصر»، إذن في كل الحالات قبل وبعد مرسي هنالك ارتباط سياسي استراتيجي مع السودان «صديق أو عدو». إذن السودان إذا تم تحسين العلاقة معه فسيكون داعماً لمصر فمن المفترض أن تسعى مصر «حكومة ومعارضة» لخلق علائق طيبة معنا وأن تعالج المشاكل العالقة. نرجع لمخرجات الزيارة، فقد صرح السيد موسى محمد أحمد بأن الرئيس مرسي ناقش معه موضوع حلايب، ووعده بتذليل العقبات وإزالة الاحتقان بالمنطقة، وإعادة المثلث لحالة ما قبل5991م. أولاً.. تاريخ 5991م والذي يعتقد القارئ أنه تاريح احتلال مصر لحلايب ، ولكن الاحتلال تم في يوليو 2991م إذن إما أن القصد هو 2991م أو القصد 5991م!! فإن كان القصد قبل 2991م فهذا جيد حيث إن حلايب في ذلك الوقت تدار بواسطة السودان بها الشرطة والأمن والجيش والحكم المحلي والمدارس تعمل بالنظام السوداني، والمواطنون لديهم الجنسية السودانية، وقامت الانتخابات منذ 3591م بها أما إن كان القصد هو قبل 5991م، فإن الموقف في مثلث حلايب من 2991م إلى 5991م مصر تحتل حلايب بفرقة مشاة ميكانيكي وبعدد 2 طائرة و2 سفينة، وبدأت في بناء حلايب الجديدة ورصف الطرق وأنشأت ما يسمى بإدارة القبائل التي تدار بواسطة الاستخبارات والتي تتحكم في حركة السكان، وغيرت نظام التدريب في أبي رماد حيث «قيادة الفرقة» وتمت إزالة الشرطة الموجودة في شلاتين وموقع النص القريب من أبي رماد مع وجود قوة كتيبة سودانية بحلايب محاصرة بواسطة القوات المصرية وبوابة في خط 22 درجة لا تسمح بدخول السودانيين إلا بإذن... الخ. ولا تعليق!!. ولكن ما يؤسف له برغم ما بذلته القيادة السودانية في توفير الجو المناسب للزيارة إلا أن الجانب المصري ظهر على حقيقته التي ذكرناها مراراً وتكراراً، فإنهم يرون أن السودان تابعاً لمصر برمته، هذا رأي مصر الخديوي وعبد الناصر والسادات وحسني ومرسي والنخب المصرية. وعلى حسب الصحافة 8/ 4/ 3102م ومن خلال الصحفي النابه ماجد محمد علي فقد شنت العديد من النخب هجوماً على مرسي لتصريحه عن موضوع حلايب، ويقال إن مرسي نفسه نفى التصريح ووضح أن المعارضة المصرية لها رؤية واضحة عن مصرية حلايب وأن ذلك خط أحمر، ولا يحتمل النقاش أو التفاوض أو التحكيم، ولأول مرة يدخل الجيش في حمى التصريحات حيث أصدر بياناً يشجب فيه الخبر وأوضح أن هنالك حالة استياء في الجيش المصري جراء هذا الخبر. كذلك أكد المتحدث الإعلامي لرئاسة الجمهورية بمصر أن من يأتي بمثل هذه التصريحات يهدف لخداع الشعب. كذلك تنقل بعض وسائل الإعلام مثل التلفزيون المصري في 7/ 4/ 3102م «لم يتغير رأي الحكومة المصرية عن حلايب وشلاتين». كذلك أوضحوا أن «سيناء أسبقية أولى على حلايب». لا ندعو لحرب أو قطع علاقات، ولا ندعو لتوتر العلاقات، ولكن ندعو أن تكون قضية حلايب حية في وجدان الشعب السوداني وحكومته، نطالب بها، بل وبالأحرى نطالب بالوسائل السلمية التي حددتها الأممالمتحدة، وطالما نحن بهذا الأسلوب الحضاري هذا لن يفسد للود قضية، وفي النهاية يجب أن نعالجها بصورة جذرية، وإلا ستطمع بقية دول الجوار في كرمنا الحاتمي، ولن تتنازل عن المناطق المحتلة أو المتنازع عليها خاصة الجنوب الذي بيننا وبينه 6 مناطق متنازع عليها بجانب الفشقة مع الحبشة.. إن كانت مصر كما ذكرها الدكتور عصام في خطبته بمسجد النور إبان زيارة مرسي بتلك الصورة الزاهية الحضارية الراقية، ما زالت، فلا بد أن نسعى لحل مشكلة حلايب حتى تثبت حسن الجوار.