وفي تقديري أن (نادرة) كان لها من اسمها نصيب عظيم، فهي حقيقة (نادرة). ٭ نادرة.. رائدة الغناء العربي، وأميرته التي مهدت له الطريق للانطلاقة والذيوع، وقاطرته التي دفعت به في مرحلة البدايات، على قضبان غير متعرجة، من الكلمة الراقية واللحن الشفيف. ً٭ ومع ذلك، لم تجد حظها، لا في الذكر لا في الذاكرين، وطغى اسم أم كلثوم، واسمهان، وليلى مراد وفيروز وصباح ونجاة الصغيرة. ٭ وخبراء الموسيقى يؤكدون أن طبقات صوت (نادرة)، يتفوق على هؤلاء النسوة جميعاً، لا سيما في الليونة والعذوبة والذبذبات السريعة والمسافات النغمية الواحدة، والانتقال السلس من (السوبرانو) إلى (السوبرانو دارمتيك)، وصولاً إلى (الميتزو سوبرانو). ٭ ظهرت نادرة، لأول مرة في العام 2291م، في فيلم (أنشودة الفؤاد)، وأنشودة الفؤاد هو (أول) فيلم سينمائي غنائي في تاريخ السينما العربية، و(ثاني) فيلم ناطق في تاريخ هذه السينما، ويحتل الرقم 51 في تاريخ السينما عموماً (الصامتة منها والناطقة). ٭ في (أنشودة الفؤاد)، صدحت نجمة الغناء العربي (نادرة)، بقصيدة من شعر الفصحى، صاغ كلماتها عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد، ولحنها إمام الموسيقيين الموسيقار بليغ حمدي، وهي قصيدة (قلبي في الهوى زورق). ٭ (قلبي في الهوى زورق)، كانت ضربة البداية، في سباق الأغنية العربية الذي انطلق، وبلغ قمته، ثم (تدحرج) إلى أسفل سافلين ليعيش بالكلمات (السوقية) واللحن المجاني. ٭ أذكر مرة سألت واحدة من مطرباتنا (الشهيرات) عن نادرة؟ فوجدت ما تعرفه عن نادرة، كالذي تعرفه عن الفيزياء النووية، أو أقل قليلاً. ٭ نادرة أمين مصطفى، من مواليد مدينة بيروت في عام 6191م، من أب مصري ينتمي إلى مدينة رشيد شرق الأسكندرية، وأم لبنانية هي فاطمة دغيم، عاشت طفولتها في بيروت ثم انتقلت في صباها إلى القاهرة. ٭ ومن الغناء في الحفلات المدرسية، إلى الغناء في الأمسيات العامة، بعد أن أتقنت قواعد الغناء وأصول الموسيقى على يد الموسيقي اليهودي إيلي كنعان، والذي وجهها للتعرف على المقامات والأوزان والضروريات الموسيقية المختلفة، عندما شعر بموهبتها الفطرية، وقدرتها الإرتجالية على التلحين أيضاً بجانب الغناء. ٭ وفي واحدة من حفلاتها المسائية، في إحدى البيوتات الكبيرة، وقع على (صوتها)، المخرج الإيطالي ماريو فولبي، فصرخ: (وجدتها.. وجدتها). ٭ وكان فولبي يبحث عن ممثلة ومغنية، (في آن)، لبطولة فيلمه (أنشودة الفؤاد). ٭ ومنذ ظهورها في أنشودة الفؤاد، حازت نادرة على لقب (أميرة الطرب)، وتسلل صوتها بهدوء إلى الأذن العربية من المحيط إلى الخليج. ٭ وصار الشارع العربي، يترنم بأغنياتها: (يا حبيبي) من شعر عباس محمود العقاد، و(بين الزهور) من تأليف محمد الهلاوي، و(يا حبيبي أقبل الليل) من كلمات علي محمود طه. ٭ وكلها أغنيات ب (الفصحى)، فلم تغن نادرة طيلة مسيرتها الفنية أغنية عامية، غير (متشوقة لعينيك). ٭ ووجدت نادرة تجاوباً من الملحنين الأفذاذ، في ذاك الزمان، فقدم لها فؤاد حلمي (على نغم العود)، ومحمد القصبجي (عاشق)، ومحمود الشريف (أنا الأمل).. وشيخ الملحنين زكريا أحمد (أين مني الحب)، و(يا بحر النيل)، وكانت قد غنت من قبل أغنيات من ألحان محمد عبد الوهاب. ٭ وإلى جانب ألحان أقطاب الملحنين، كانت نادرة تميل - في بعض الأحايين - إلى تلحين بعض أغنياتها، فقدمت من ألحانها قصيدة (يقولون ليلى بالعراق مريضة)، وقصيدة عمر بن الفارض (هيء لنا من أمرنا رشدا). ٭ سجلت (أميرة الطرب) ونجمة أول فيلم سينمائي غنائي، 063 أغنية للإذاعة، وكانت تقدم أسبوعياً (كل يوم اثنين) وصلة غنائية من الإذاعة الرسمية، على مدى عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، واعتزلت في العام 0691م، ومنحها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر معاشاً شهرياً استثنائياً. ٭ قالت أميرة الطرب نادرة للناقد السينمائي محمد سعيد في حلقة كان قد سجلها معها في برنامجه التوثيقي بإذاعة القاهرة (مهرجان النجوم): بفضل معاش عبد الناصر، أعيش مستورة أحمد الله. ٭ عاشت نادرة بقية حياتها (مستورة) و(بعيدة عن الأضواء). فقد كانت الأضواء (مسلطة) على أم كلثوم وليلى مراد ونجاة الصغيرة وفيروز وصباح.. وغيرهن. فهل يا تُرى النجوم صناعة مؤسسات ودول واستخبارات أم ماذا؟