نوال حسين عبدالله: يعرف التغير المناخي بأنه هو اختلال في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وانماط الرياح وتساقط الأمطار، وتؤدي وتيرة وحجم التغيرات المناخية الشاملة على المدى الطويل الى تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية، وتعتبر ظاهرة الاحتباس الحراري مشكلة حقيقية وتتفاقم باطراد، ولقد ادى التوجه بغرض تطوير الصناعة في الاعوام ال «150» المنصرمة الى استخراج وحرق مليارات الاطنان من الوقود الاحفوري لتوليد الطاقة الى ظهور المشكلة، حيث أن هذه الانواع من الموارد الاحفورية اطلقت غازات تحبس الحرارة كثاني اكسيد الكربون، وهي من اهم اسباب تغير المناخ، وتمكنت كميات من هذه الغازات من رفع حرارة الكوكب الى «1.2» درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. وخطورة المشكلة الحقيقية تمكن في الآثار المدمرة التي تنتجها هذه الظاهرة، والتي بدأ العالم يعاني منها فمن التسونوميات، الى ارتفاع أسطح البحار، الى انخفاض سمك الكتلة الجليدية في آنتركتيكا، ومعظم الاحترار العالمي في السنوات الخمسين المنصرمة جاء بسبب الزيادة في الغازات الدفيئة «وخاصة أكاسيد النتروجين، وأكاسيد الكبريت، والميثان» والتي يسببها الانسان في الاساس. وقد اشارت التقارير الى ان الاتجاه الاحتراري الخطي خلال السنوات الخمسين المنصرمة قد سجل زيادة بمقدار «0.31» درجة مئوية في كل عقد، وكانت هناك زيادة في عدد موجات الحر، وانخفاض في تكرار ودوام موجات الصقيع، وزيادة في تكرار الاحداث المتطرفة وشدتها في أجزاء كثيرة من العالم آخرها تسونامي اليابان. إن تغير المناخ ليس فارقاً طفيفاً في الأنماط المناخية فقط، فدرجات الحرارة المتفاقمة ستؤدي الى تغير في انواع الطقس كانماط الرياح وكمية المتساقطات وانواعها، إضافة الى انواع وتواتر عدة أحداث مناخية قصوى محتملة. ان تغير المناخ بهذه الطريقة يمكن ان يؤدي الى عواقب بيئية واجتماعية واقتصادية واسعة التأثير وكثيرة الضرر، ولا يمكن التنبؤ بها. وهنالك بعض العواقب المحتملة التالية: ٭ متوقع ان يودي تغير المناخ بحياة «150» الف شخص سنوياً ٭ إن نسبة 20% من الأنواع الحية البرية مهددة بالانقراض مع حلول عام 2050م. ٭ خسارة مخزون مياه الشرب: في غضون «50» عاماً سيرتفع عدد الاشخاص الذين يعانون من نقص في مياه الشرب من «5» مليارات الى «8» مليارات شخص. ٭ تراجع المحصول الزراعي: التغير في المناخ أدى الى تأثر الزراعات المحلية وبالتالي تقلص المخزون الغذائي. ٭ تراجع خصوبة التربة وتفاقم التعرية: ان تغير مواطن النباتات وازدياد الجفاف وتغير انماط المتساقطات سيؤدي الى تفاقم التصحر، وتلقائياً سيزداد بشكل غير مباشر استخدام الاسمدة الكيميائية، وبالتالي سيزداد التلوث السام. ٭ ازدياد الآفات والامراض: يشكل ارتفاع درجات الحرارة ظروفاً مؤاتية لانتشار الآفات والحشرات الناقلة للامراض كالبعوض الناقل للملاريا. ٭ ارتفاع مستوى البحار: سيؤدي ارتفاع حرارة العالم الى تمدد كتلة مياه المحيطات، اضافة الى ذوبان الكتل الجليدية الضخمة ككتلة غرينلاند، مما يتوقع ان يرفع مستوى البحر من «0.1» الى «0.5» متر مع حلول منتصف القرن. وهذا الارتفاع المحتمل سيشكل تهديداً للتجمعات السكنية الساحلية وزراعاتها، اضافة الى موارد المياه العذبة على السواحل ووجود بعض الجزر التي ستغمرها المياه. ٭ زيادة الكوارث المناخية: ان ارتفاع تواتر موجات الجفاف والفيضانات والعواصف وغيرها يؤذي المجتمعات واقتصادياتها. ويتوقع في السودان ارتفاعاً ملحوظاً في درجة الحرارة بحلول عام 2060م يتراوح بين «1.5 - 3.1» م وذلك حسب الفصول، ونقصان في الامطار قد يصل متوسطه الى 6 ملم/ شهر اثناء الفصل الممطر، وستترك هذه التغيرات أثراً سلبياً على قطاعات الزراعة والموارد المائية والصحة العامة. وتشير سيناريوهات المناخ لشمالي كردفان الى توقع ارتفاع في درجات الحرارة السطحية بمقدار «5.1» درجة مئوية بين عامي 2030 2060م وانخفاض في الامطار بمقدار 5%، الامر الذي سيؤثر سلباً في غلات محاصيل الذرة البيضاء بمقدار 70%!! ولم تواجه البشرية سابقا ازمة بيئية هائلة كهذه، ومن السخرية ان الدول النامية التي تقع عليها مسؤولية اقل عن تغير المناخ هي التي ستعاني من اسوأ عواقبه. إننا مسؤولون عن السعي الى التقليل من حدة هذه المشكلة والاهتمام بتغيير نمط الصناعات والزراعة والرعي والنقل والمواصلات ووسائل ممارسة حياتنا اليومية، ولن يأتي هذا الا بالتوعية المطلوبة، وللإعلام دور كبير في هذا الأمر يتطلب في المقام الأول تهيئة الإعلاميين لاداء هذه المهمة بالتعريف والتدريب والمشاركة، وليس بنمط ارسال المواد الجاهزة لوسائل الاعلام وحضورهم الافتتاحيات والاختتاميات وحصر القضية في الخبراء البيئيين داخل القاعات المغلقة دون مشاركتها لكل فئات المجتمع، وهذه الهوة الكبيرة جعلت الجميع لا يدرك حتى معنى كلمة تغير المناخ. واعتقد ان اول الانشطة التي يجب على وزراة البيئة والمجلس الأعلى للبيئة تنفيذها ان تعرف فقط بالكلمة «تغير المناخ» في جميع ارجاء السودان قبل الحديث عن التكيف والانخفاض، وكم سيكون هذا الامر مفيداً لتقبل كل التغيرات والتعامل معها، إن على هذه الكلمة ان تخرج من الخرطوم لتجوب انحاء السودان وتصل الي اصقاعه. وقد نظم المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية في الاسبوع المنصرم بقاعة أكاديمية السودان للعلوم المصرفية ورشة «مشروع تحديد التقانات في التصدّي لظاهرة تغيّر المناخ»، وخاطب الورشة السيد حسن عبد القادر هلال وزير البيئة والغابات، حيث قامت الورشة بعرض نتائج دراسات خفض الانبعاثات وتحديد التقانات التي توّصل اليها الخبراء والباحثون الوطنيون في عدد من القطاعات المؤثرة والمتأثرة بالتغيرات المناخية، في مجالات الصناعة والطاقة والثروة الحيوانية والزراعة والغابات والنقل والمواصلات، وصولاً لاستخدامات أكثر كفاءة وأقل ضرراً بالمناخ، وأكدت الورشة اهمية تطبيق تلك التقانات وازالة كل المعيقات من معيقات مالية وتشريعية وقانونية وتوعوية ومشاركة جميع قطاعات المجتمع. ويتعين على الجميع المشاركة في هذه القضية، وإلا فإن ثمن السلبية سيكون باهظاً على المدى الطويل، وإن السعي لتطوير طاقة بديلة أمر مهم للبيئة والاقتصاد. ان العمل بالطاقة النظيفة المستقبلية التي تعمل على خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وفي ذات الوقت لا تدمر البيئة أمر ضروري ومهم، وتطوير التقانات المحلية الصديقة للبيئة او ادخال تقانات تعمل على خفض انبعاثات الكربون وهي تقانات موجودة بالفعل، وهناك حاجة للاستثمار فيها، وهذا يتطلب وجود إرادة سياسية لتقديم الدعم اللازم والاهتمام به، وأن هناك هوة كبيرة الآن بين السياسات وألولويات الواقع البيئي يجب أن يتم ردمها بالمعرفة والوعي البيئي المطلوب. وستبقى مشكلة التغيرات المناخية واحدة من أخطر القضايا والتحديات البيئية التي يواجهها العالم، لكن ما حدث ويحدث ليس بهول ما قد يأتي في المستقبل. فإذا تقاعسنا عن التحرك لكبح سرعة عواقب التغير المناخي سيتفاقم عدد البشر المهددين وستتسارع وتيرة الدمار الشامل، فعلينا إطلاق حملة قومية للتوعية بأخطار تغير المناخ وكيفية التعامل معه [email protected]