لعل الجميع تابع الأحداث التي وقعت بسبب هجوم القيادات العسكرية للجبهة الثورية على مناطق أبو كرشولا بجنوب كردفان والله كريم ومدينة أم روابة في شمال كردفان في نهاية شهر ابريل 2013م، والأحداث مؤسفة ومحزنة بكل تأكيد، إذ حدث فيها قتل وسحل وتشريد للمدنيين وتدمير للبنيات التحتية والخدمية المتعلقة بالمواطنين، قطعاً هذه الفظائع ليست الأولى من نوعها فقد سبقتها أحداث قرى ومدن في دارفور، كرنوي، أم برو، الطينة في شمال دارفور، ولم تسلم من ذلك قرى ومدن في غرب دارفور، وأيضاً في جنوب دارفور، قريضة، مهاجرية، حسكنيتة، شعيرية، فهذه القرى أحرقت ثم استعادت عافيتها ثم دمرت مثنى وثلاث، وللأسف اتسعت دائرة العنف والحروب حتى قطعت الطريق الذي يربط الأبيض بكوستي، ولن تكون الأخيرة، مادام معالجتنا للقضية لم تبرح مكانها منذ أن جاءت الانقاذ، فالانقاذ اختطت لنفسها خطاً لمعالجة القضايا الوطنية، ورغم أن الأيام أثبتت خطل وخطأ هذه المعالجة، إلا أن الحكومة سدرت في غيها لا تلوى على شيء رغم أنف العواصف التي أدلهمت خطوبها والدماء التي سالت والجثث التي أزكمت الأنوف، الحكومة تعالج المشكلات «بالقطاعي»، فقد بدأت باتفاقية السلام من الداخل التي جاءت برياك مشار فدخل القصر الجمهوري حتى عرف كيف يفكر القصر، ثم ما لبث أن خرج والتحق برفيق دربه د. جون قرنق، ثم جاءت بمنى أركو مناوي فدخل القصر وما أن عرف كيف يفكر القصر حتى خرج والتحق برفيق دربه الذي تركه في أبوجا عبد الواحد محمد نور، وكونا معاً الجبهة الثورية وهي التي قضت على الأخضر واليابس في أبو كرشولا وأم روابة. والمعالجة العسكرية الأخرى التي اختطتها الانقاذ لنفسها وهي متابعة الخصم منذ أن تسربل لامته العسكرية فهي تتابعه حتى يدخل العدو هدفه، ثم يقضي تفثه ويشفي غليله، ويقتل قتلاه ويأخذ غلاله ويدمر ممتلكاته ثم لا تبرح الحكومة أن تطارد، في أعقاب موت جون قرنق الذي مات يوم السبت، وحتى يوم الإثنين، وبعد أن ذهب الجميع إلى العمل لاسيما تلاميذ وتلميذات المدارس ثم أعلنت موته، وهي تعلم أن لقرنق جماهير جمة شاهدتهم في الساحة الخضراء، وهي تعلم أن بعضهم يحمل غبناً على الحكومة ومواطنيها. ويعلم الجميع الأرواح التي فقدناها، والخسائر التي خسرناها، ثم تأتي غزوة العدل والمساواة التي انطلقت من أطراف دولة تشاد الشرقية، وما لبثت أن تحركت حتى دخلت أم درمان، والجهات المسؤولة في الحكومة تقول إنها تعلم بالتحرك حتى اختلط الحابل بالنابل في أم درمان، والأسبوع الماضي كررت الحكومة نفس المنوال وقالت إنها تعلم بالتحرك والنتيجة أن المتمردين دخلوا أبو كرشولا أولاً ثم الله كريم ثانياً وأخيراً المدينة الاستراتيجية أم روابة، وفعلوا ما فعلوا والحكومة قالت انها تعلم! وأيضاً هذه السياسة أثبتت خطلها وعجزها وفشلها. وإلى متى تستمر هذه الحكومة في هذه السياسة، للمعالجة السياسية بالقطاعي، ومتابعة العدو حتى يقضي على الأخضر واليابس دون ترياق مضاد البتة بغية عدم تكرار مثل هذه الحوادث. هذا من جانب الحكومة، أما من جانب الحركات المسلحة المحاربة للحكومة أو ما سمت نفسها الجبهة الثورية أو ما سمتها به الحكومة وهو لفظ المتمردين هذا أو ذاك أو تلك، نقول إن الإسلام لا يجيز قتل المواطنين الأبرياء قال تعالى: (إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم) نفترض ان قادة الجبهة الثورية مظلومون فهل ظلمهم هؤلاء المساكين في ابوكرشولا؟!. إن أهالي ابو كرشولا المستهدفين هم اكثر الناس جهلاً وفقراً وظلماً، وبالتالي هم المهمشون الذين تعنيهم الجبهة الثورية إن كانوا صادقين في طرحهم، وإلا فليراجعوا اطروحاتهم وأدبياتهم وباستهداف المدنيين وضرب بنياتهم التحتية يؤكدون حقيقة انهم لا يهتمون بالتحول الديمقراطي الذي أسه هذا المواطن المغبون، وهو الذي يعطيهم صوته. بهذا السلوك وبالمقابل فإنهم يؤكدون حرصهم على استمرار الشمولية والمعادلة هي حرصهم علي بقاء هذا النظام ليتقاسموا معه الديكتاتورية علي حساب هذا الشعب كما فعلت الحركة الشعبية الام. وهو النهج المرفوض من كافة القوى الحية الاقليمية والوطنية والدولية. وأن قوانين الأممالمتحدة لا تمنع محاربة الحكومات من قبل رافضين لسياساتها إذا كانت هذه السياسات الحكومة اقصائية أو ظالمة أو لا تراعي العدل، ولذلك لها مفاهيم في مثل هذه الحروب، كمحاولة اطفائها بصنع السلام أو بنائه ثم حفظه وهكذا، ولكن قطعاً الأممالمتحدة التي تحت لوائها الحكومات المحاربة والجهات المحاربة، لها قوانين تحفظ التوازن وتحفظ حقوق المواطن والتي حرمت الاعتداء عليها، ولا أدري ماذا تفعل هذه الجهات الدولية حيال الذي حدث في أبو كرشولا وهو في حيثياته التاريخية لا يبتعد كثيراً عما حدث في عنبر جودة في كوستي في زمن حكومة الأزهري الأول 54 1955م وهي الأقرب الآن لأبو كرشولا من أية مدينة أخرى ما عدا الرهدوأم روابة مهما تباعدت الأطر الجغرافية، وكل المعلومات التي توفرت لدينا أن مذبحة قد حدثت وأن نسلاً قد انقطع وأن أرزاقاً قد نهبت، أضف إلى ذلك التمثيل بالجثث وسلب ممتلكاتهم وهم موتى، نهاية بتشريد آلاف الأسر والموت بالعشرات للأطفال والنساء. أكرر ماذا تفعل الأممالمتحدة ومنظماتها حيال هذا الأمر حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث؟!. وفي أبو كرشولا الأمر مختلف عما حدث في أم روابة لأسباب لا نعلمها، ذبح الناس بالسكين وجمعت النساء والأطفال في عنبر كبير ومن هناك حصلت الممايزة والمفاضلة في الأُسر، وتمت الاعتداءات الممنهجة، المعلومات تشير أن الاستهداف كان لقيادات المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية والمجندين الشعبيين، ولكن الدلائل تشير إلى أن معظم المستهدفين ينتمون إلى عرقية محددة!! هل مصادفة أن تكون قيادات المنطقة للمؤتمر الوطني من هذه العرقية؟ والمعلومات تشير إلى أن الجبهة الثورية بما في ذلك الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور هي التي نفذت الهجوم بوصفه قراراً تكتيكياً أو استراتيجياً بالنسبة لهم، أما الذين نفذوا الذبح فهم من قيادات هؤلاء المجموعات الموجودين في داخل أبو كرشولا، وهذه المعلومات إن صدقت فستجعل أبو كرشولا هذه المدينة الهادئة المتسامحة المتصاهرة منطقة ثأر وثأر مضاد عرقياً إذا ما أصبحت في لحظة ما في قبضة الحكومة والجهات المنتمية للحكومة، ولهذا نناشد ونطالب ألا تكون هذه هي المحصلة، فإن الدم لا يغسل بالدم، لقد رُمى بالرصاص عمدة أبو كرشولا محمد تاور. ومن قبل ذبح إمام مسجد الدندور،وذُبح الجزار في منطقة ابو كرشولا، فهذه القيادات الأهلية والدينية والرأسمالية يجب ألا تكون محل استهداف، هؤلاء مع أي نظام يحكم مهما كان شكل ذلك النظام لحماية بيضة قبائلهم وشعائرهم الدينية وأموالهم حسب تقديراتهم، فمهما حدث منهم من تصرف فيجب أن يفهم في هذا الاطار، ولا يجب أن يكون عقابه كالذي حدث للعمدة محمد تاور، عندما احتل د. جون قرنق احدى المدن، فأُوغر صدره بأن الزعيم الفلاني ذبح ثوراً لناس الحكومة عندما حضروا هنا، فسأله جون قرنق لماذا فعلت ذلك، فرد ذلك التاجر أو الزعيم بأن الحكومة حضرت لي وأكرمتها وأنت الآن حكومة فرغبتي أن أذبح لك ثوراً إذا ما عندك مانع. فتبسم قرنق من رده وقال له تور بتاعك دا جيبوا وانتهى الأمر. ان الذي حدث في أبو كرشولا كارثة بكل المقاييس الدولية والقوانين الراعية لحقوق الانسان، والمطلوب من الجبهة الثورية إصدار بيان يكشف الحقائق، وإلا فإن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد فقط. وأما الحكومة فأقول لها يكفي من الأموات من مات، ويكفي من الدمار ما دمر، وعليها أن تكف من تلكما السياستين الفاشلتين، متابعة العدو دون طائل والحل السياسي بالقطاعي الفاشل. ولعلي ذهبت في مقالي الأخير الذي كُتب ولم ينشر لظروف خارجة عن ارادتي، ورغم ذلك أعتذر لقرائي، لقد ذهبت إلى ذات المنحى الذي تصرفت به الجبهة الثورية في دخولها أبو كرشولا وأم روابة، فقلت إن قطاع الشمال يفاوض وذراعه العسكري ضاغط، وهذا ما فعله عرمان بالحبشة، وكنت لا أدري أنه سيدخل أم روابة وقبلها أبو كرشولا. ولكن أعلم أن هذا مبدأهم، والحكومة تفاوض ولا تستطيع أن تضغط، وقلت قطاع الشمال ليس في فكاك من حكومة جنوب السودان، وكل الذي حدث عبارة عن هدنة فقط. وحتى لا يضيع ما تبقى ما في إيدينا يجب أن ننتبه للحل القومي الشامل، فلجبال النوبة قضية والنيل والأزرق كذلك، ولدارفور أيضاً قضية، والمطلوب الجلوس للحوار مع الجميع ومن أجل الجميع، وإلا سيضيع الجميع.