: لي جار في صف صلاة الفجر بمسجد الشيخ حمد ود أم مريوم بحلة حمد حيث أسكن في الخرطوم بحري يدعى حسن علي من أهالي كردفان تحديداً من قرية أم عدارة خور ابوحبل في منتصف العمر بسيط في مظهره يرتدي لصلاته أحياناً الجلابية، وفي أحيان أخرى يلبس "العل الله" اللبسة الأنصارية التي صارت قومية اليوم ويغطي رأسه دائماً بطاقية بيضاء، وقد قيل ان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلون ورؤوسهم كاشفة وكذلك يفعل الأنصار عندنا وكثير غيرهم اليوم تأسياً بالصحابة رضوان الله عليهم. أخي حسن هذا يتكسب بتجارة بسيطة يعرض بضاعته من ملبوسات قليلة وجوارب وما إلى ذلك يحملها في (بقجة) عندما يتجول من مكان لآخر أو عندما تداهم شرطة النظام العام الباعة المتجولين في أرصفة مواصلات الخرطوم بحري. حسن يفترش الأرض ويجلس تحت وهج الشمس إلى ظلام الليل لتصريف ما يمكن تصريفه من معروضاته البسيطة لا يبارح مكانه إلا لأداء الصلاة المفروضة في المصلى المجاور لمكان عمله غير المستقر، ثم يعود بخشوع وطمأنينة لمزاولة عمله بقناعة تامة لأن الأرزاق بيد الله والعمل من أجلها يندرج في ذاته عبادة، وهو الحامل لكتاب الله في صدره يرتله بروايتي الدوري وحفص. وهو أول من يصلح الإمام ان ارتج عليه. وحسن لا يذهب لأسرته حتى في الأعياد وعندما سألته عن سبب ذلك - وبيننا ود - قال لي: يا أخي الأعياد هي مواسم بيع وشراء يتحرك فيها السوق، وما أتحصل عليه قبلها من ربح لا يكفي نفقة سفري ولإزالة الضرر عن عيالي عندما أصل إليهم. فهو إذن مضطر أن يذهب لأهله في فترات متباعدة ويتحرى لذلك زمن كساد السوق، كان الله في عونه..! قلت لأخي حسن، قد من الله علينا أنا وزوجتي وأرسل لنا ابننا وائل المحاضر في جامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية دعوة لأداء العمرة وزيارته في مقر عمله. فهل لك يا حسن من حاجة لأدعو لك بها من داخل الحرم عندما أرفع كفي والفظ بالدعاء وأنا أطوف البيت العتيق أو عندما أكون داخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أزوره قريباً من قبره الشريف؟ فأطرق أخي الحبيب حسن هنيهة واضعاً كلتا كفيه على صدره وقال لي: «سَلِّم على المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولم يزد..!» فانظروا معي - اخوتي - إلى إيمان هذا الرجل، وإلى قناعته وتوكله الكامل على الله وتبينوا معي حبه لرسول الله «صلى الله عليه وسلم». رسول الرحمة فقدم سلامه عليه على طلب زخرف الدنيا الفانية؛ لأن حسن يحب المصطفى «صلى الله عليه وسلم» ومن يحب محمداً «صلى الله عليه وسلم» يحببه الله. ومع هذا التدين من حسن هو لم يتقاعس عن طلب رزقه أبداً بالحلال، لكنه لم يجعل الدنيا في قلبه، كل ذلك يظهر لنا في تلاوته وفي صلاته بخشوع وفي تعامله بتواضع مع اخوته المصلين معه، ومن حظي أن كنت منهم. أما وقد بلغت يا أخي حسن سلامك للمصطفى «صلى الله عليه وسلم» مصطفى رب العالمين وأنا أقف قريباً من روضته الشريفة، ويقيني أن نبينا المصطفى «صلى الله عليه وسلم» قد تلقى سلامك تلقياً حسناً، وقد ورد في الأثر إن صلاتكم تصل إليّ فهنيئاً لك يا أخي حسن وكنت بعد ذلك وأنا داخل المسجد النبوي قد هاتفت الأخ والابن العزيز أمين رستم الذي هو ممن تطول أعناقهم يوم الحشر إن شاء الله لأنه هو أول من يفتح لنا المسجد في الحي ويرفع النداء لصلاة الفجر جزاه الله خيراً. قلت له أخبر أخانا حسن على أنني قد بلغت سلامه للمصطفى «صلى الله عليه وسلم» وأنا أرتوي بفيوضات أنواره وأدعو لجميع اخوتي الأحبة كما أدعو لنفسي ولأفراد أسرتي ولكل من أوصاني بالدعاء له في هذا المقام السامي. ولكم عليّ قرائي الأعزاء بعد أن حدثتكم عما بيني وبين أخي حسن أن أذكر لكم عن ابني الدكتور وائل الذي أتاح لوالديه هذه الزيارة لأداء العمرة نسأل الله قبولها عبادة لوجهه الكريم وجزاه الله وائلاً ابننا الحبيب خيراً. كما يجدر بي أن أسرد لكم باختصار انطباعاتي عن المملكة الآن إذ كنت عملت بها في مجال التعليم قبل أكثر من أربعين عاماً. فيا له من تغيير كبير ومذهل في التقدم والرقي في كل شيء أحدثته قيادتها الرشيدة.. ابني دكتور علوم النبات في جامعة القصيم - كلية العلوم والآداب بالرس كان لم يتجاوز الستة أشهر من عمره عندما اصطحبت أسرتي إلى هذه الديار الطيبة منتدباً للعمل في مجال التعليم في جيزان، جيزان تلك التي خلفت فيها اخوة كراماً أعتز بصداقتهم ولا يجود الزمان بمثلهم على رأسهم الأخوان العزيزان عبد الله زعلة ومحمد سالم العطاس، أرجو أن أبثهما من على البعد مع تحياتي أشواقي وأمنياتي الطيبة تشمل الرهط الكريم من أسرهما ومن زملائهما في ادارة تعليم جيزان وفي مدارس منطقتها التي جبتها مع أخي وزميلي الكريم عبد الله زعلة جنوباً وشمالاً، ومن أسفل تهامة إلى قمم جبال فيقا وبني مالك وخاشر من ديار شملنا أهلوها بكرمهم الفياض..! المملكة العربية السعودية الفتية وجدتها قد تقدمت تقدماً مذهلاً وهي منذ ذلك الحين آخذة بأسباب الحضارة والترقي المادي مع الالتزام الصارم بمرتكزات الاسلام وتعالميه الدالة لخيري الدنيا والآخرة. وكما كان أيضاً طفلي الأثير وائل معي في الدمام عندما نقلت لادارة تعليمها في المنطقة الشرقية، وكان مع وائل اخوته الأكبر سناً، وليد في الروضة وصديق ولينا في مرحلة التعليم الابتدائي. ثم أكملوا تعليمهم في السودان بعد انتهاء انتدابي في سبعينيات القرن الماضي ورزقني الله بأخوين لهم هما عبد الله والهادي. ابني الدكتور وائل الذي برني وأمه وأتاح لنا أداء شعيرة العمرة وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة مراراً فيه، فقد جاب بنا بسيارته ومعنا ابناه الحبيبان عبد الرحمن وجمال - جاب بنا مدناً وبلدات وصحارى وخلوات بعيدة من العاصمة الرياض شرقاً إلى مدينة الرس في القصيم. والرس بها كلية من كليات جامعة القصيم التي يعمل بها وفيها مقر اقامته، ومنها أخذنا إلى المدينةالمنورة حيث صلينا في مسجده صلى الله عليه وسلم وتنورت قلوبنا بأنواره البهية، ثم سار بنا سيراً حثيثاً لأداء العمرة في مكةالمكرمة لنعود منها ثانية إلى طيبة مدينة الرسول الأعظم قبل أن نقفل عائدين إلى الرس. ولكم عليّ قرائي الأكرمين بعضاً من مشاهداتي وانطباعاتي وما لقيت في البلد الكريم الذي حللت به من جديد بعد غيبة عنه امتدت لعقود مضت. كانت طبيعة عملي موجهاً تربوياً في المدارس الابتدائية يمنطقتي التعليم في جيزان أو في الدمام، وبالاضافة لأداء مهمتي التربوية كنت وبقدر طاقتي قد تعرفت على انسان هذه المناطق بوجه عام ومصادر معيشته وعلى تضاريس بلاده وطقسها عندما كنت أتنقل بينها بالسيارات وأحياناً سيراً على الأقدام خاصة عندما كنت أتسلق جبال الحدود الجنوبية للملكة في جيزان لنصل إلى المدارس أنا وزميلي عبد الله زعلة. والآن وبفضل الله أخذنا ابني الدكتور وائل يجوب بنا أنحاء الأراضي المقدسة هذه بين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة في الحجاز وفيما بينهما وفي نجد أيضاً بدءاً بالرياض العاصمة وفي مدينة عمله ومقر سكنه «الرس» من أعمال القصيم وما جاورها من مدن وبلدات وصحاري وغفار وجبال شامخات شقت لتخترقها الطرق السريعة علواً وهبوطاً وبجنباتها كاميرات ترصد العربات التي تتجاوز السرعة وهذه الطرق السريعة المضاءة على امتدادها محجوزة الجانبين بالسلك الشائك، إلا عند المعابر السفلى والعليا المشار إليها. وحتى الجمال في الخلوات البعيدة لها معابر آمنة تعبر بها الطرق حفاظاً على ثروتهم الحيوانية لكي لا تنفق «سمبلة» كالحال عندنا وجمالهم كنا نراها هنا وهناك قطعاناً صغيرة من الابل البيض أو السود الوارد في القرآن تسميها سفراً بلسان ملاكها لكثرة تتابعها غير ان لم تر عيني لهم قطعاناً كبيرة من الابل كما هو عندنا في السودان. فهل يا ترى أسلافنا من الرجال الذين هاجروا إلى السودان جاءوا بجل ثروتهم من الابل؟! وهل يا ترى انتقلت معهم مهاراتهم في ترويض الابل إلى السودان لنجد أطفال السودان هم (جوكي) سباق الهجن في السعودية وفي دول الخليج؟! دعوني أتوقف معكم قليلاً في عاصمة المملكة الرياض التي دخلتها مرتين وخرجت منها مرتين عبر مطارها الدولي ورأيت العجب في فخامة العمارة، ودقة التنظيم، وضبط المواعيد، ورقي الخدمات، وسلاسة انسياب الحركة ...الخ. ومدينة الرياض في مساحة مبانيها وحدها تساوي مساحة دولة الكويت كلها، أو مساحة مملكة البحرين برمتها..!! فهذه إذن هي المملكة العربية السعودية التي تتفوق على جاراتها الشقيقات في الخليج العربي مساحة وثراءاً ومنعة واصلاحاً واستصلاحاً للأرض مزارع مثمرة ومصانع كثيرة وتجارات رائجة يديرها القطاع الخاص الفاعل، وطرقاً معبدة للنقل، واستثمارات كبيرة في البناء والتشييد تحدث عنها هذه المباني الكبيرة وغناء والأبراج الشاهقة خاصة في مدينة الرياض التي هي أيضاً روضة غناء بأشجارها الوارفة الظلال وبميادينها الخضراء، وبمباهج الحياة فيها، وبمنشآتها الصحية، والتعليمية وآمنة بمساجدها الجميلة الرحبة ذات المآذن العالية تشق عنان السماء. عند قدومنا وفي مطار الرياض استقبلنا مع ابني وائل أصدقاؤه الأعزاء الذين يعملون في الرياض يتقدمهم الابن الشهم أسامة محمد الحسن وصلاح الجلى حامد وغيرهم واستضافونا وحتى عقيلاتهم في بيوتهم استضفننا بكرم وبود وكنا قد جئنا لوائل بابنيه ليؤنسا وحدته وليبقيا معه ريثما تلحق به زوجته وطفلتها، زوجته تخلفت لتنجز رسالتها للدكتوراة في علوم النبات أسوة بزوجها يوفقها الله. من الرياض أخذنا ابني وائل بسيارته السريعة عندما يطلق لها العنان فنقول لها كما قال الشاعر العربي لسيارته: سيارة ذاك الزمان: «يا ناق سيري عنقا فسيحا إلى سليمان فتستريحا - وإن كان سليمان دا معنا! ودعوني أرجئ الحديث عن المحطات في الطرق التي عبرنا بها بين الرياضوالرس، والرسوالمدينةالمنورةومكةالمكرمة، ثم من المدينة إلى الرس. أرجئ ذلك إلى بعد اخباركم بما لقينا وبما شاهدنا في مدينة الرس الجميلة النظيفة الوادعة، لكنني أبادر وأقول للشاعرة السودانية المبدعة روضة الحاج إن الفنادق في الطريق على امتدادها في قلب الصحراء لم تعد مجدبة وأن سرقة حليك لن تسجل أبداً على مجهول بعد أن أخذ العرب قرارهم ومصيرهم في أيديهم. وأخذ يخطب ودهم! فاطمئني يا روضة السودان العربي الافريقي وسوف لن تغل يدك ولن يسقط منك ثوب..! وفي الرس النظيفة بأحيائها الجميلة وشوارعها المعبدة وفي حي المطار يقع منزل ابني وائل يطل على حديقة عامة بها ملاعب للأطفال. وفي كل حي من أحياء الرس أكثر من مسجد حديث العمارة جميل الفرش ومزود بالمصاحف ومكرفونات الصوت بالاضافة لدورات المياه ومجالس الوضوء النظيفة وهناك غير مساجد الأحياء مساجد كبيرة لصلاة الجمعة، لأن العناية بدور العبادة في جميع أنحاء المملكة تجد الاهتمام الأكبر دعك منها في القصيم وعاصمتها بريدة بلد الامام محمد بن عبد الوهاب السند الديني للملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية. في الرس زملاء لابني وائل سودانيون كرام طوقوا أعناقنا بجميل صنعهم أذكر لكم منهم الدكاترة جمال غزالي، ويوسف وعبد الحفيظ وحمد وغيرهم من وسط السودان ومن غربه وشرقه لهم مني التحية والجيران السعوديون أيضاً إمام المسجد القريب والشيخ الكريم «أبو محمد». ومن الملفت للنظر في الرس أن أشجار المسكيت التي نحاربها في مشروع القاش وفي طوكر وأروما لانتشارها وتغطيتها الأراضي الزراعية هنا هم يعتنون بها يشجبونها لتصير أشجاراً عالية على جانبي الطرق فلنرجع ونقول: «إن مصائب قوم عند قوم فوائد»، كما يقول المثل! ذهب بي ابني أكثر من مرة لاختصاصي عيون في مدينة عنيزة لمستشفى الوفاء، وعنيزة هي الأخرى عاصمة لمحافظة من محافظات القصيم مثل الرس، والطريق المار إليها يمر بمدينة البدائع ولفت نظري تفرع شارع يقود إلى مدينة (الهلالية) أي والله الهلالية! فتذكرت أخي وأستاذ حسن أحمد يوسف وزميلي الزاكي عبد المحمود من هلالية السودان. هل يا ترى لهما أهل وأصول في هذه الديار الطيبة؟! فإن كان ذلك كذلك فلماذا لا يلتحقون بهم لينعموا بالعيش الرغد بدلاً من البقاء في بلد «الكتاحة»!! لكنني أرجع وأقول: بلادي وان جارت عليّ عزيزة وأهلي وان ضنوا عليّ كرام وفي الرس كان يزورنا الحفيد وائل أحمد البدوي البطحاني يقوم من مقر عمله في بريدة عاصمة القصيم. ووائل هو حفيد لي ولزوجتي في آن واحد مع اختلاف قبيلتينا فجده لأبيه ابن خال لي، وجده لأمه شقيق لزوجتي. فهذا هو الشعب السوداني المتعدد الأعراق تتشابك فيه القرابات الأسرية. وفي عنيزة في مستشفى الوفاء الكبير الفخم العمارة بأقسامه المتعددة وعند الاستقبال بعد معاينتهم بطاقة عمل ابني وائل ما قاله له المسؤول قبل أن يوجهه لقسم العيون وكم سرني ما قال: يا مرحباً والدك والوفاء، فيا لها من دماثة خلق وترحيب كريم. ولم يقف الطبيب المختص من الترحيب وحسن العناية والفحص بأحدث الأجهزة ووصف الدواء ولم نشاهد مرضى بالعيون كثرا، لأن مرضها ليس مرضاً مستوطناً في هذه المنطقة المعافاة وعيونهم سليمة غالباً أعم.. كنت ذكرت لكم أنني سأرجئ الحديث عن الطرق ومحطات الراحة فيها لكن فما تسرب به من وصف أراه يكفي. والمحطات التي تقف عندها سيارات المرتحلين للتزود بالوقود هي في الحقيقة فنادق صغيرة مزودة بجميع أسباب الراحة لمن يرغب أن يرتاح ساعة ويتناول وجبة طعام دسمة، أو لمن يريد المبيت بها في غرفة وثيرة الفرش نظيفة بتلفازها وبحمامها ذي الماء الساخن والبارد. أما إذا أدركه الوقت وهو عابر ففي هذه المحطات المساجد المكتملة العمارة بمآذنها. هذا في قلب الصحراء، فكيف إذن تكون الحال في المدن الكبيرة وفي مواقيت الاحرام المكانية بالحج أو بالعمرة؟ فهذا ما يعجز القلم عن وصفه من سبل تيسير لأداء المناسك ومتعة الروح والجسد يتمنى الواحد منا أن تتكرر كل عام تقرباً لمولاه رب العالمين وحمداً على نعمائه على عباده المؤمنين. أنا لم أحدثكم بعد تفصيلاً عن مناسك العمرة في مكةالمكرمة طوافاً وسعياً ولا عن الاحرام من ميقات أهل المدينة الذي أحرمنا منه «ذي الحليفة» ما كان يسمى بآبار علي. وعلي هذا هو السلطان علي دينار السوداني الذي حفر الآبار ووهبها للحجيج. وصدقة الماء من أنفع الصدقات تقرباً إلى الله. وكلكم تعلمون ثناء رسول الله على سيدنا عثمان عندما اشترى بئراً في المدينة ووهبها للمسلمين وفي الطريق من مكة إلى المدينة التي زرناها مرتين وفي غيرها من الطرق البعيدة التي قطعناها سواءاً في نجد أو الحجاز وفي غيرهما جيئة وذهاباً كان راديو عربة وائل يزودنا بالأخبار ومسجلها يثري وجداننا بتلاوة القرآن وبالأناشيد الدينية والمدائح النبوية. وكان أكثرها انشاد المادحة السودانية «حنان النيل» تشدو بصوتها الندي: يا راحلين إلى منى بقيادي.. هيجتموا يوم الرحيل فؤادي، وأطلب من ابني اعادتها فيستجيب.. فما أروعها من أيام مرت زاداً لبقية العمر! أما ما استحدث من توسعة واضافات في الحرمين المكي والمدني فهو كبير ومذهل لأبعد الحدود مقارنة لمن شاهدهما مثلي قديماً وحديثاً الآن لا تفي الكلمات المكتوبة بحصرها وإبانة الاعجاب بها روعة في البناء وجمال في التصميم وزيادة في المرافق بأحدث المعينات مصاعد كهربائية وسلالم متحركة ومهابط ومواقف للعربات تحت المباني سفلى وعليا يستخدمها في يسر كثير الخلق الذين وجدناهم معتمرين مثلنا قادمين من مختلف أقطار العالم ومن العالم الإسلامي خاصة. خاصة من أقصى الدول الآسيوية فهم الأكثر تلبية لأذان ابراهيم يأتون من كل فج عميق يمتلئ بهم الحرم الشريف بشيوخهم وشبابهم رجالاً ونساءً وحتى الأطفال يذكرون الله بكل لسان. تقبل الله منا ومنهم عمرة تعمر القلوب بالايمان. وعند المغادرة من الرياض للسودان التي وصلناها من الرس ليلاً أنزلني ابني وائل مع الابن مكي أحمد وزوجته حفيدة شقيقي المرحوم مهدي وذهب بأمه وبطفليه لمنزل الابن أيمن فهو وزوجته حفيدان لها كذلك. والابن مكي رغم هجعة الليل ولوشيك سفري في الصباح الباكر اتصل بالابن عبد المولى وأنا عمه وبالمهندس شرفي وهو عمي وزوجته الفضلى بنت أخي بشرى السيد حامد فهرعوا للقائي ومع شرفي عقيلته وسمروا معنا وطوقوا أعناقنا بكرمهم كما فعل ودائماً يفعل صديقا وائل أسامة محمد الحسن وصلاح الجلى حامد وعقيلتاهما وكما أكرمنا أقرباء الحاجة زوجتي. وقبل أن ندخل مطار الرياض العالمي الفخم بكل المقاييس للمغادرة الذي دخله معنا الابن الشهم أسامة ليسهل تحركنا - شأننا شأن كبار السن - حتى عتبة المغادرة مع صديقه وائل. وكنا في الطريق إلى المطار نشاهد مبانيَ فخمة لجامعة البنات تحمل اسم الأميرة نورة أخت الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة وإن جاز لي أن أقترح على جامعة الأحفاد للبنات في بلادي - وأنا حفيد - أن تؤسس لها علاقة صداقة وعمل مع جامعة الأميرة نورة للبنات في السعودية، فالجامعتان في البلدين الشقيقين بحوزتهما ما تتبادلانه من منافع علمية وتنظيمية تطويراً للمرأة في البلدين الشقيقين واثراءاً للمعرفة بصفة عامة وان «المعارف في أهل النهى ذمم».. وبالله التوفيق معلم سابق - الخرطوم بحري