دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متفرقات من السكة حديد
نشر في الصحافة يوم 20 - 05 - 2013


عديلة.. عديلة.. تعويذة قطار العودة
«عديلة» كلمة تتردد مفعمة بالحب والشجن.. يرسلها اليك الصغار والكبار قبيل لحظات من دوران عجلات القطار في رحلة المغادرة الى الخرطوم.. حيث ارتال من السيارات والركشات والدراجات البخارية وزغاريد النساء تتبع حركة القطار منذ لحظة مغادرته محطة السكة الحديد وحتى محطة السندة خر حدود حلفا جنوبا.. واستقبال القطار ووداعه من الطقوس التى يحرص عليها اهالي حلفا، وساعة مغادرة القطار تغلق ابواب المتاجر بالسوق وتتوقف حركة المواصلات لمرابطة المركبات في محطة السكة الحديد.. حتى النساء والاطفال في المنازل يخرجون لوداع القطار ويسيرون معه مرددين كلمة «عديلة» حتى يصل القطار الى محطة السندة.. وفى يوم الرحيل يبدأ توافد الركاب منذ منتصف النهار وهم يحملون أغراضهم، وعند الخامسة يأتى المواطنون لوداع القطار، ومع الصافرة الأولى تبدأ زفة المودعين فى موكب منتظم من السيارات والركشات والدراجات البخارية، والكل يضغط على آلة التنبيه فى عربته، بينما يلوح المسافرون، ولا يوجد مكان خالٍ على الارض، والمواطنون يرفعون ايديهم للتحية، وعندما تنظر من نافذة القطار لموكب المودعين يتبادر اليك انهم فى زفة وداع زائر كبير، فالقطار عند اهالى حلفا له مكانة خاصة.. وعديلة عديلة كلمة ذات سحر خاص تعنى يحفظك الله وألا يصيبك مكروه.. ويقول عمر دقش «فنى ميكانيكا بقطار حلفا» ان وداع اهالى حلفا للقطار بات مشهداً معتاداً، وإن يومى الوصول والعودة يغيران مجرى الحياة بالمدينة، فالكل فى حالة استعداد للاستقبال والوداع.
وعند وصول اول رحلة للقطار احتفل كل فرد بطريقته الخاصة من ذبائح وحلويات وعصائر وزغاريد، وهم من اكثر الذين عبروا عن فرحتهم بعودة القطار على امتداد الخط، وابرز ما يلفت نظرك عند رؤية المودعين للقطار النساء كبار السن اللائى يتقدمن الصفوف، والاطفال الصغار، والجميع يوقف اعماله ولا ينشغل الا بموضوع واحد هو القطار، كأنها لحظات مقدسة او شىء من الاعراف والتقاليد لا يمكن تجاوزها. وتبدو ملامحهم وهم على الارض ويلوحون بايديهم كأنهم يبثون أشواقاً لأعزاء لهم رحلوا بالقطار قبل عقود طويلة فى رحلة التهجير، فارتباط اهالى المنطقة بالقطار يحمل الكثير من ذكرياتهم وحزنهم على ما فقدوه، أو ما أعاده القطار إليهم.
فى السكة حديد.. الآباء يورثون الأبناء
لم يكن من بين قواعد المواريث واستحققاتها ان يرث الابناء وظائف آبائهم، ولكن ظروف الحياة وضيق فرص العمل جعل الكثير من ابناء منسبوبي السكة الحديد يفضلون العمل فى مساقات آبائهم، ويمشون فى أثرهم حافراً فوق حافر، ولم تكن الشهادات الجامعية حاجزاً أمام كثير من الشباب الذين انتسبوا أخيراً للسكة حديد، فما بين الوظائف العمالية ووظائف الدرجات الجامعية وفوق الجامعية، التحق ابناء منسوبى السكة حديد للعمل فى المؤسسة ذاتها التى قضوا فيها سنوات الطفولة وريعان الشباب فى جنبات مجمعاتها السكنية ومحطاتها المنتشرة على اطراف السودان، فهل ورث الآباء أبناءهم الوظائف أم وجد الابناء ملاذاً آمناً فى السكة حديد.
والتقينا باحد ابناء العاملين بالسكة حديد «فنى الكهرباء» اسامة جعفر احمد الذى كان والده يعمل بقسم التلغراف، والتحق بمهنة فنى كهربائى بعد وفاة والده، وقال: كان لا بد ان نقوم باخلاء المنزل او ان يعمل احد الابناء فى وظيفة بالسكة حديد، وحينها كان الابن الاكبر الذى يعمل خلفا لوالده، وتم تعيينه بقسم الكهرباء منذ عام 2002م. وابدى اسامة سعادته بالعمل فى مجال الكهرباء بالسكة حديد وخبرته استمرت حوالى «6» أعوام على الرغم من انه لم يتوقع ان يكون عاملاً بالسكة حديد، حيث كانت طموحاته تسير فى اتجاهات بعيدة عن هذا المسار، ولكن للظروف والاقدار خيارات اخرى، وقال اسامة إن الامل قد عاد اليهم بعودة القطار، وأن تنتعش السكة حديد وترجع لعهدها الزاهر.
ويذهب فى ذات السياق عمر محمد احمد الذى كان يعمل والده بقسم الهندسة «الدريسة سابقاً» والذي كانت مهمته صيانة الخطوط، ودرس عمر بمدرسة جبيت الصناعية التى كانت بمثابة جامعة لموظفى السكة الحديد، وقال إنه كان يحب العمل بالسكة حديد وذلك ليس نتاجاً عن عمل والده بها. واذا لم يكن والده يعمل بها فإنه كان سيلتحق بالسكة حديد، حيث التحق بها فى عام 1988م بوظيفة فنى مكانيكا، وقال: اننى شعرت بالاحباط عندما تدهورت البنية التحتية للسكة الحديد وما تبعها من تذبذب فى المرتبات، لدرجة اننى قررت ان اترك العمل بها، لكن بعد مجىء المهندس مكاوى بدأت تلوح لنا اشارت تحمل امنيات بعودة السكة حديد لماضيها التليد، مشيراً الى ان السكة حديد سيحدث فيها الكثير من التطورات الحديثة. وناشد عمر اداريي السكة حديد أن يعتبروها خدمة للمواطن قبل النظرة المادية.
فيما قال جعفر حسن الذى كان والده يعمل مشرف ديزل بورشة السكة حديد حينها: امتحنت الشهادة السودانية، وتم قبولى بجامعة السودان كلية العلاقات العامة، وكان هنالك تقديم للوظائف بالسكة حديد عبر لجنة الاختيار بالشهادة السودانية، وقدمت وتم قبولى موظفاً بالسكة حديد، موضحاً ان العادة جرت بأن يوظف أبناء العاملين بالسكة حديد، بجانب دراستهم الجامعية لتسديد نفقات الدراسة، وقال: بحكم عمل آبائنا بالهيئة نجد العون والتشجيع والمساعدة من قبل الموظفين للتوفيق بين العمل والدراسة، مبيناً ان اغلب الطلاب الذين درسوا معه عملوا بالسكة حديد نسبة لارتباط آبائهم بها، وان دل ذلك على شيء إنما يدل على ولائهم الخاص لعملهم بالهيئة باعتبار انها ساهمت فى مواصلة مشوارهم التعليمى وتوفير الكثير من احتياجاتهم. وقال: إن السكة حديد شكلت وجداننا لذلك نكن لها حباً كثيراً.
اما السائق ابشر عبد الرحيم فقد كان والده يعمل بورشة العربات، حيث التحق أبشر بالعمل بالسكة حديد فى عام 1984م بوظيفة تلميذ سائق، وتدرج حتى وصل الى سائق، وقال انه خريج جامعة النيلين كلية القانون، ولارتباطه بمدينة عطبرة فى ذلك الوقت فقد التحق بهذا العمل، وعندما سألناه هل ستسمح لأحد ابنائك بالعمل فى السكة الحديد اجاب بسرعة: لا لن أسمح لاحد ابنائى بالعمل فى السكة حديد.
شخصية من العمق النوبي.. العم كامل الرشيد
لم يكن في بيته سور، وهو مبني على الطريقة النوبية.. وتقف برندته العالية على اعمدة دائرية وامامها حديقة تغلب عليها ثمارالكركدي بلونه الاحمر الجميل.. كان يرقد على سريره الطبي وحوله مجموعة من الكراسي الحديدية لاستقبال ضيوفه الذين لا ينقطعون أبداً صغاراً وكباراً.. ويقول احد المسؤولين بالحكومة انهم يقدمون اوراق اعتمادهم فى مدينة حلفا اليه قبل ان يباشروا اعمالهم بالمدينة، وتبدو برندته الواسعة منتدى لكل اهالي حلفا ومثقفيها ومسؤوليها.. رجل لم يثنه المرض عن ان يبسط ابتسامته لزائريه، ويتحدث بطلاقة العربية دون لكنة اهل حلفا، وان كان اكثرهم معرفة باسفارها النوبية، ونبرات صوته القوي تهزم المرض الذي حاصره، ويبدو كشاب فتي حاضر البديهة رغم تجاوزه خمسة وثمانين عاماً.. وما ان تجلس اليه حتى يغمرك بعطف ابوي ووطنية تتمسك بكل حدودالسودان دون تفريط او تنازل.. هكذا كان لقائنا بالعم كامل الرشيدي احد الذين اسسوا مدينة حلفا الحالية بعد ان رفض التهجير وعارضه بشدة، وتحدث العم كامل وهو يعتصر ألماً من جلطة الدم التي الزمته الفراش، وقال انه اول من اسس المقاومة الشعبية ضد التهجير، مبيناً أن اهالي مدينة حلفا تعرضوا للظلم مرتين، الاولى كانت بسبب التهجير، حيث أن الحكومات فرطت في اعظم مدينة تاريخية فى افريقيا بثمن بخس، ولم يحاولوا أن يستفيدوا حتى الآن مما فقدوا، وان القوى السياسية في ذلك الوقت لم تقف مع المهجرين واهالي وادي حلفا الا الحزب الشيوعي، وقال إن المدينة الحالية قامت على خمسمائة اسرة من أصل «60» الف اسرة. وقال ان حدود السودان الشمالية هي حدود (فرس ) وليس (اشكيت )، وان السودان فقد اكثر من مليونين وستمائة فدان كانت يمكن ان توفر ثلاثة من اهم المحصولات النقدية هي الكركدي وعباد الشمس والقمح، وان الطريق مازال مفتوحاً للمطالبة بالكثير من الاراضي السودانية التي خارج ادارة الدولة السودانية الحالية، والمطالبة بالتعويض عن الكثير مما فقد ومازال ولم تشمله اتفاقية التهجير، مشيراً إلى أن هنالك حقوقاً للسودان داخل وخارج مياه البحيرة لا بد من استردادها ودفع تعويض لاستغلالها في السنوات الماضية.
ويقول العم كامل إن مدينة حلفا تعاني من تردي الخدمات، وان الاهمال غير مبرر تجاه مدينة حلفا، وفي السابق كان المقصود من الاهمال ان يجبروا الذين رفضوا التهجير على الخروج عن هذه الارض التى وصفوها بانها وادٍ غير ذي زرع، وان وجودهم يخالف الاتفاقية بين مصر والسودان. ورغم تعاقب الحكومات واقتناعها بقضية حلفا الا ان المدينة مازالت تعاني التردي فى جميع الخدمات الاساسية، وكان الحديث مع العم كامل ذا شجون ويمضي فى اعماق التاريخ، وهو سليل عمد قرى حلفا القديمة، ورغم معاناته مع المرض الا انه لم يضع عن كاهله هموم الذين جاء بهم الى هذا المكان من بعد التهجير، وهو آخر المؤسسين الاوائل بوادي حلفا الحديثة.
إمبرطوريات الذهب.. أولاد خضر وأولاد عمر
مملكة الذهب ما بين محطة أبو ديس ودقش، وعلى مسافة «30» كيلومتراً تمتد على مدى الابصار مساحات شاسعة من النخيل والخضرة واراضٍ خضراء تتخللها مشروعات الحرجل والبرسيم والمحريب ومزارع الالبان التى قال محدثى عنها وهو يصفها لى بأنها مزراع ابقار مستوردة وهجين.. تلك هى اراضى اولاد خضر التى شغلت المناطق ما بين محطتى القطار وامتدت على جنبات شريط السكة حديد، ويقول عنهم ابناء تلك المنطقة انهم يمتلكون بنطوناً خاصاً لعرباتهم وجراراتهم الثقيلة «بمنطقة أمن»، وإن للمواطنين بنطوناً آخر، ولكن نشاط اولاد خضر لم يقف عند استصلاح الاراضى الزراعية فحسب، فعلى الجانب الشرقى لشريط السكة الحديد وعلى مقربة من جبل الهاسرى الاخضر، كانت تقف أعداد كبيرة من الجرارات والناقلات وآليات الحفر العميق فتحسب للوهلة الاولى أن هنلك مشروعاً ضخماً للبنايات ستشيد فى هذا المكان، ولكن الحقيقة ان هذه الآليات هى ملك لأولاد خضر وتستخدم فى عمليات التنقيب عن الذهب. ويقول عنها بعض العارفين بالمنطقة إنها لا تمثل إلا 1% من الذى يمتلكه اولاد خضر للتنقيب فى الصحراء، وعلى مسافة ليست بالبعيدة من جبل الهاسري ولكنها اقرب لشريط السكة حديد تتناثر منازل بعض ابناء خضر واحفاده ومنازل العاملين معه، فمعظم السكان بهذه المنطقة اما من ابناء هذه الاسرة او العاملين فى كنف هذه الامبراطورية التى برعت فى استطلاح الاراضى وتشغيل الرحل وايوائهم، اما فى الاراضى الزراعية او في مزارع المواشى او في التنقيب عن الذهب، فكل شىء فى هذه المنطقة يحمل دمغة اولاد خضر، الاراضى الزراعية والنخيل والحليب والمنازل المتناثرة هنا وهناك والبريق اللامع للذهب.. فهي إمبرطورية شيدت على ارض كانت تتناثر فيها رمال الصحراء، واصبحت حرزا لاولاد خضر الا من بعض أصحاب الجروف المتوارثة على ضفاف النيل للآخرين.
ويقول المعتادون على ركوب القطار فى هذه المنطقة إن الاقدار لو شاءت وتوقف القطار على هذه المساحة من الارض فى موسم حصاد التمور، فإن اولاد خضر يقومون باكرام القطار كاملاً من تمور الارض التى حوله، وانهم لا يترددون فى تقديم الخدمات العامة على امتداد المنطقة، ويدفعون أحياناً أكثر مما تدفع الحكومة او مثلها فى انشاء المرافق العامة، وامراطورية النخيل والارض والذهب لا تقف عند اولاد خضر وحدهم، فهنالك ايضا اولاد عمر الذين يصفهم ابناء المنطقة شمال ابو حمد بأنهم الولاية السابعة والعشرون قبل انفصال عشر ولايات جنوب السودان، وهم يملكون الارض والنخيل والمواشى بجميع انواعها والذهب واستثمارات اخرى، فما بين الذهب والارض والماء والنخيل نشأت استثمارات قوية لم تقف عند حدود هاتين الامبراطوريتين التابعتين لأولاد خضر واولاد عمر، فبريق الذهب اصبح عنصراً مهماً فى اخضرار هذه الأراضي واتساع مساحاتها والخروج من الجروف الضيقة، فقد بدأ بعض ابناء المنطقة من الذين عرفوا قيمة التنقيب عن الذهب فى تطوير قدراتهم التنفيذية، وانعكس ذلك فى مساحات خضراء زراعية جديدة، فهكذا قال لنا حسين الذي صعد لعربة القطار التى تقلنا عن طريق الخطأ اثناء بداية حركة القطار، ويضع طاقية على رأسه ويرتدى صديرياً وجلباباً أبيض نظيفاً ويحمل اكثر من اربعة جوالات كبيرة قذفها بسرعة داخل عربة القطار، ثم صعد وقال فى ابتسامة وبساطة إنه ذاهب الى نمرة «4» حيث تنتظره العربة التي تقله الى مناطق التنقيب، وقال إن هذه الجولات يحمل فيها زاده وجهاز البحث عن الذهب، وسألناه كم تمكثون هناك؟ فقال فى بعض الاحيان نقضي حوالى عشرة ايام او اكثر، ومرات لا نجد فيها شيئاً، والحمد الله لقد وجدنا الكثير، فمرات لا نجد شيئاً. وفي أحدى المرات وجدنا كيلوجراماً واثنين وثلاثاً، وكنا نستأجر آليات البوكلند للحفر الثقيل، وكان يكلفنا ذلك حوالى «60» مليوناً فى الشهر، والحمد لله امتلكنا واحدة من هذه الآليات، ولن نستأجر بعد اليوم. وقال لنا بعض العارفين بأمر الذهب إن المسافة ما بين نمرة عشرة ونمرة واحد عندما نقطع الفيافى الصحراوية هناك يمكننا مشاهدة المنقبين وهم يتجولون بسياراتهم، واغلب ما بدا واضح فى هذه المنطقة ان التنقيب اصبح بآليات ثقيلة والكل يبحث عن إمبرطورية الذهب على غرار امبراطوريتي اولاد خضر واولاد عمر التى فيها أغلى ما يطمح اليها ابناء هذه المناطق: الارض والنخيل والذهب .
كمبو فاطمة ام دقاقات ذكريات علي ضفاف النيل
كنا قد تجاوزنا ابو حمد وبعض نمرها الشهيرة التي عادت اليها الحياة، وعندما سألنا عن حدود مدينة وادي حلفا الحاليه أجابنا احد الاصدقاء من المرافقين بأن حدود المدينة تمتد من السندة جنوبا حتى كمبو فاطمة ام دقاقات شمالا.. وكاد الفضول يقتلنا ونحن ننتظر الصبح لمعرفة ماهية فاطمة ام دقاقات.. وفي الصباح الباكر ليوم الإثنين الثالث عشر من مايو الجاري وصل القطار الى محطة وادي حلفا.
وأشار صديقنا المرافق الى نقطة بعيدة على ضفة النيل لا يفصلها سوى ارض فضاء يشقها طريق الاسفلت الرابط بين الميناء والمدينة، وقال محدثنا إن تلك النقطة هي آخر حدود احياء حلفا شمالاً، حيث كانت تعرف بكمبو فاطمة ام دقاقات، اذ كان منزلها مشيداً على تلة عالية بالقرب من الميناء القديم الذي صار بعد التهجير مرسى للصيادين.. اما المساحة الخالية فقد كانت سوق المدينة قبل أن يجتاحه الفيضان، ويحكي عنها الناس أنها تنحدرمن اصول جبال النوبة، وهي امرأة شجاعة لا تخشى شيئاً، وذاع صيتها بالمنطقة، وقد كانت تحل المشكلات وتفك الخصومات، ولها كلمة مسموعة لمن يقصدونها، وباتت من أثرياء المنطقة في ذلك الوقت، وتمتلك عربة لوري تجلب بها المواد الاستهلاكية من الاطراف البعيدة من الكمبو، حتي اصبحت ذات مال وصيت، وفي ذلك الوقت لم يكن هنالك كثيرون يسكنون بالحي، ومع مرور الوقت وشهرة الكمبو تجمع حولها الكثيرون حتى بات حياً كبيراً يشاهده القادمون من الميناء أولاً قبل الوصول الى السوق، ويعرفه ركاب القطار عند وصولهم الى محطة حلفا. ويقول أحد سكان المدينة إن كمبو فاطمة ام دقاقات لا يعرفه إلا سكان المدينة الذين عاصروها، واندثر الكمبو وقام في محله حي كبير سمي بحي بالموردة لأنه من اقرب الاحياء للميناء، ورغم ابتعاده عن المدينة الا انه يبدو جزءا منها. ويقول عمر قبل اعوام اجتاحت الفيضانات هذا الحي، وعلى الرغم من ذلك ظل سكانه متمسكين بالبقاء فيه، ويطالب سكان الحي الذي تغير اسمه الى حي الموردة ان يمنحوا الارض الفضاء التي تفصلهم عن محطة السكة الحديد، واكد لنا الكثيرون من سكان الحي انهم لا يرغبون في تغيير موقعهم الحالي رغم خطورته، وهو يحمل لديهم ذكريات جميلة، وهو بمثابة الذكرى الوفية للذين عاصروا تلك المرأة التي توفاها الله قبل سنوات طوال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.