: تحدثنا كثيراً عن قضايا المغتربين، وتوقفنا طويلاً أمام «الدروب» الوعرة التي تجابه معشر المغتربين نتيجة السياسات الجديدة التي أعلنتها المملكة العربية السعودية بحتمية توفيق الاوضاع، وشهدنا ازدحاماً غير مسبوق أمام سفارة السودان بالرياض في رحلة بحث مضنٍ لتوفيق الاوضاع.. لذلك أثرنا الخروج من هذه المشاهد «قليلاً»، لنتأمل بعض أوجه «الورع» لعلها تكون ترياقاً يجنبنا «الإصرار» على البقاء في غربة تضيق بنا.. ويبعدنا عن مزالق «الكذب» وينتشلنا من دائرة «الرشوة»، وممارسة خطيئة «عدم اتقان العمل».. ولنتأمل بداية هذا المشهد. وتأتي أخت بشر الحافي إلى الامام أحمد، وتسأله في وجل: إنا قوم نغزل بالليل، ومعاشنا منه، فتمر بنا مشاعل بني طاهر «ولاة بغداد» ونحن على سطح البيت فنغزل في ضوئها الحزمة أو الحزمتين من الصوف.. «أحلال هذا أم حرام»؟! فقال الإمام أحمد متأثراً بهذا الورع: من أنت يا أمة الله؟! قالت: أخت بشر الحافي. فقال الإمام أحمد باكياً: أذهبي فمن بيتك يخرج الورع. نعم الإمام أحمد ينهي جدلية السؤال، بإقراره أن «الورع» نفسه يخرج من هذا البيت.. يا له من ورع ينبغي أن يدرس للتلاميذ حتى يتشبعوا بهذه المعاني السامية.. وفي ذات الوقت نتساءل بألم.. ترى أين نحن من هذا الورع؟.. لا شك أننا نسير في دروب بعيدة عن هذه المعاني في «غفلة عجيبة»، حتى أضحى «الكذب» مسألة «عادية» نتعاطى معها دون أن يرمش لنا جفن.. فيما «هربت» معاني «الورع والزهد» من النفوس، ولم يعد يتمثل بها إلا من رحم ربي، وهم «قلة قليلة».. يخرج الفرد منا صباحاً إلى عمله إن كان موظفاً أو عاملاً وهو يمارس «الكذب» بشكل «روتيني» فإذا سأله مديره.. لماذا تأخرت عن العمل؟، لن يتردد كثيراً بل يجيب بكل ثقة «جارتنا ماتت»!!، نعم يقتل جارته ليتجنب سخط المدير، وهو يتناسى سخط الله تعالى.. تقول لأحدهم تسلم نيابة عني «أمانة»، حتى التقيك وهي قدر من المال، وقبل أن تلتقي «صاحبك» تصبح هذه الأمانة في عداد «الدين الهالك»!!.. نائب الدائرة الانتخابية يحدث الناس بأنه سيعمل على «تصحيح البيئة وتنقية مياه الشرب» الى آخر منظومة خدماتنا الاجتماعية «المضطربة» وحينما يبتعد عنهم ينسى أو يتناسى كل الوعود، ويصبح يمارس صفة الكذب بلا حياء. يرتشي الموظف، وبكل «سماجة» يبرر أن الراتب لا يكفي، وهو يتناسى أن الخالق الكريم كفيل بعباده الصابرين.. ومهما بلغت شدة معاناة الفرد لا يمكن بأي حال تبرير الكذب او «الرشوة» او النفاق. فكم فقير شهد له الناس بالتقوى والصلاح، وكم من بيت معدم قدم للمجتمع أناساً تركوا آثاراً حميدة في النفوس، ولعل كل هؤلاء ضمن «القلة القليلة» والله المستعان.