الخرطوم: هويدا المكي : مضى النصف الأول من عام 2013م والوضع الصحي في السودان تتجاذبه الكثير من الهموم بعد أن ظلت امراض تتغلغل في مختلف البقاع وكأنها وجدت ملاذات آمنة بعيداً عن وزارات الصحة والمنظمات المختصة فى هذا المجال، فالملاريا عادت تطل برأسها من جديد، اما البلهارسيا فقد تربعت كأنها سيدة الموقف، واضيفت اليها امراض اخرى كالفشل الكلوي والسرطان والانيميا توأم الفقر ومتلازمة الدرن. فكيف كان جرد الحساب في نصف عام من الزمان. «الصحافة» تفتح ملف امراض اندثرت ثم عادت تطفو على السطح، محاولين ان نسلط الضوء على هذه الامراض وموقفها من الصحة العامة تراجعاً وانتشاراً. بعد مرور تسعة أعوام من الجهود المتواصلة لمكافحة الملاريا انخفضت معدلاتها إلى «1.2» مليون إصابة سنوية مقارنة ب «7» ملايين إصابة في عام 2004م بنسبة انخفاض بلغت «60%»، وتوقع خبراء في مجال مكافحة الملاريا أن تصل نسبة الانخفاض إلى «75%» في عام 2015م، ليعلن السودان استعداده لمرحلة ما قبل الاستئصال، إلا أن الخبراء حذروا من تداعيات هيكلة البرنامج وتجزئته، خاصة أن برامج مكافحة الملاريا بالولايات مازالت تحتاج إلى الدعم الاتحادي والجهود المتواصلة حتى لا تعود الملاريا إلى المربع الأول في حالة أي خلل في برامج المكافحة. وتقول دراسة حديثة إن أعداد الوفيات بسبب الإصابة بمرض الملاريا حول العالم قد تكون ضعف آخر التقديرات السابقة، وتفيد الدراسة التي نشرت في المجلة الطبية البريطانية «لانسيت» بأن نحو «1.24» مليون شخص توفوا بسبب المرض عام 2010م، ويمثل هذا الرقم تقريباً ضعف العدد الذي نشرته منظمة الصحة العالمية في نفس العام، والذي قدر أعداد الوفيات ب «655.000» شخص، وعلى الرغم من هذا فإن الأرقام الواردة في الدراسة وتلك الواردة من منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن معدلات الوفاة عالمياً بسبب هذا المرض في انخفاض مستمر. ولاحظ الباحثون أنه في الوقت الذي كان فيه معظم الوفيات بين الأطفال الأصغر سناً في إفريقيا، فإن هناك نسبة أعلى من الوفيات بين الأطفال الأكبر سناً والبالغين، أكثر مما كانت عليه التقديرات السابقة، وقد زاد عدد الوفيات إلى «433.000» شخص بين الأطفال فوق سن الخامسة، والبالغين في عام 2010م، عن العدد الذي ذكرته منظمة الصحة العالمية، واختتم الباحثون دراستهم بأنه ليس من الممكن على المدى القصير استئصال مرض الملاريا. أما في السودان فإن جهود مكافحة المرض مازالت مستمرة، وفي حديث سابق في شهر ابريل من هذا العام لمدير برنامج مكافحة الملاريا بولاية جنوب دارفور جعفر عبد الله قال: إن الملاريا مازالت تمثل هاجساً في الولايات بالرغم من الجهود التي بذلت وأسهمت في انخفاض نسبة الاصابة بالمرض الى «2.7%» مقارنة ب «45%» في عام 2004م، وكشف جعفر عن تحديات تواجه البرنامج، خاصة المحافظة على الإصابة المنخفضة للاستعداد لمرحلة ما قبل الاستئصال والمشاركة الفاعلة للمجتمع. ومن جانبه قال ممثل منظمة الصحة العالمية سليم محمد خان إنه وحسب التقارير الرسمية حدث تقدم كبير بالسودان في مكافحة الملاريا من حيث نسب الإصابة والوفيات، بالرغم من وجود العديد من الدول التي تحيط بالسودان مثل إثيوبيا والكنغو، ووصف الوضع فيها بالخطير، قال إن الملاريا لا يوجد لها عقار تطعيم، ولذلك لا بد من مكافحتها بالجانب الوقائي، خاصة توزيع الناموسيات المشبعة. في مارس الماضي من عام 2013م شهد المرض وضعاً حرجا فى المستشفيات ومراكز العلاج، حيث انقطعت أدوية العلاج المجاني للملاريا بالولايات، خاصة القضارف والنيل الأزرق والجزيرة وجنوب دارفور وشرق دارفور، فيما أكدت الإمدادات الطبية توفر الأدوية بالمخازن، وأكدت المصادر أن بعض المحليات وصل الانقطاع لأدوية الملاريا في المؤسسات الصحية فيها إلى نسبة أكثر من «50%»، وظهور مشكلات في أشرطة الفحص، ووجود نقص كبير في بعض القرى التي يتم فيها تطبيق برنامج المعالجة المنزلية، ولكن مازالت الارقام والتقارير الحكومية بوزارة الصحة تؤكد انخفاض الاصابات والوفيات بسبب الملاريا بنسب فاقت المستهدفات العالمية بنهاية النصف الاول من عام 2013م. وقال البرنامج القومي لمكافحة الملاريا إن سياسات المكافحة التي انتهجها البرنامج خلال الفترة الماضية أسهمت في مكافحة الملاريا. وفي الوقت ذاته فإن انتشار البعوض ظل مستمراً في كثير من مناطق وولايات السودان، حيث تصاعدت شكاوى المواطنون بعدة محليات بولاية الخرطوم ضد تزايد توالد البعوض، منوهين بأن حكومة الولاية سبق أن وعدت بتنفيذ حملة للرش قبل اكثر من شهر، واقرت مصادر بارتفاع البلاغات كاشفة ان جملة الاصابات بالملاريا بلغت «1000» حالة خلال الربع الاول من العام الجاري، وتخوفت مصادر صحية فضلت حجب اسمها ل «الصحافة» من النقص في العمالة الذي وصفه بالكبير في مكافحة الاطوار المائية بحلول فصل الخريف في ظل الارتفاع الحادث الآن في كثافة البعوض، منوهة بأن المكافحة ستعمل بكفاءة 40% فقط. وبحسب إفادات مواطنين خضعوا لعلاج الملاريا، فإن الفحوصات المعملية لم تثبت اصابتهم بالملاريا، وذكروا أنهم تعالجوا منها بأخذ جرعات الدواء مما يشكك في دقة الاحصاءات المختبرية عن حجم الاصابات التي يتم احصاؤها في معامل المستشفيات والمعامل الطبية. ويؤكد الدكتور نجم الدين المجذوب مدير ادارة الصيدلة بوزارة الصحة ولاية الخرطوم ل «الصحافة» أن هنالك حالات ملاريا لا تظهر في الفحص المختبري الاولي، لذلك يتم إرجاعها الى المعامل المرجعية للتأكد من حالات الاصابة، وذلك لأن الفحص أحياناً يكون في اطوار لا تظهر في المختبرات، اضافة الي كفاءة الفحص المعملي قد لا تكون بدرجة عالية من الدقة، وكذلك الاختلاف في نوع اصابات الملاريا، فمثلاً هنالك ملاريا خبيثة ومناطق معروفة بوجود المرض فيها، ويضيف المجذوب ان الاطباء يلجأون الى الفحص المعملي والاعراض لاثبات الاصابة بالملاريا، ولا تمثل حالات الملاريا المتخفية نسبة مزعجة فى رصد الوزارة للاصابات في الولاية. إلا أن فصل الخريف سيجعل برنامج مكافحة الملاريا في محك، خصوصاً أنه لا توجد مؤشرات تفيد بأن هنالك استعدادات ستغطي العجز الذي حدث في مكافحة البعوض في اطواره المختلفة، حيث يصبح الخريف بيئة خصبة لتوالده.