الخرطوم: هويدا المكي : يرجع تاريخ البلهارسيا في السودان الى عام1909م، حيث اكتشف الانجليز الاصابات في المواطنين بدنقلا وجنوب شرق السودان، لكن انتشرت فى قرى الجزيرة بعد انشاء خزان سنار عام 1925م. وظل السودان متميزاً في كفاح البلهارسيا عندما انشئ مشروع النيل 1979 1989م الذي قضى على البلهارسيا وخفض نسبتها من 50% في مواطني الجزيرة الى 6.1% بعد عشر سنوات من عمر المشروع وقد انتهى العمل به، وفشلت الحكومة في دعمه لتعود البلهارسيا هاجساً صحيا مرة اخرى، حيث اشارت التقارير للاعوام السابقة التى تحصلت عليها «الصحافة» إلى أن البلهارسيا من الامراض الخطيرة التى تهدد المواطن، واعترفت وزارة الصحة خلال هذا العام بانتشار المرض في جميع انحاء السودان دون استثناء. وفي نهاية عام 2012م كشفت وزارة الصحة السودانية عن اصابة خمسة ملايين شخص بمرض «البلهارسيا» في ولايات السودان المختلفة. وأبانت الوزارة في تقرير لها حول الرعاية الصحية أن 80 بالمائة من سكان السودان معرضون لخطر الإصابة بهذا المرض في حال عدم تنفيذ خطة وقائية عاجلة لمكافحته، وأشار التقرير إلى أن تكلفة علاج الفرد الواحد المصاب بمضاعفات المرض تبلغ «1700» جنيه سوداني «ما يعادل 340 دولاراً أمريكياً» وهو رقم كبير مقارنة بالتكلفة التقديرية الوقائية، وحذر من عواقب وخيمة في المستقبل القريب من انتشار المرض نتيجة ضعف التوعية الصحية في ولايات البلاد المختلفة. ويذهب التقرير إلى أن البلهارسيا مرض ناتج عن نوع من الطفيليات التي تدخل جسم الانسان، وهذا المرض منتشر بشكل خاص في إفريقيا، وتشير التقديرات إلى أن هناك نحو «200» مليون إصابة به على مستوى العالم. واعترفت الوزارة بانتشار المرض في كل الولايات دون استثناء بنسبة تفاوتت بين 70% بشمال كردفان و90% في شمال دارفور، واستلزم الأمر تضافر الجهود للقضاء عليه. وقال وكيل الوزارة د. عصام محمد عبد الله في مؤتمر صحفي عقب تدشين الشراكة لمكافحة المرض بحضور السفير الالماني والمستشار الطبي لسفارة مصر بالخرطوم، إن المسوحات إشارت إلى انتشار المرض على أن تتواصل المسوحات لباقي الولايات للوقوف على الحجم الحقيقي للمرض، منوها بتوفير وزارة المالية الاتحادية دعماً للمكافحة بلغ نصف المبلغ، وذلك لأول مرة في تاريخ المكافحة، ليضاف إلى الدعم المقدم من الدول الخارجية الذي يغطي نسبة 50% من الحاجة الفعلية، لتسهم في قطع سلسلة انتقال المرض، مع العمل على إيجاد مصادر تمويل أخرى، حيث أعلنت وزارة الصحة السودانية عن إصابة مليوني مواطن بمرض البلهارسيا، وأكدت أن 80% من السكان معرضون للإصابة بالمرض حال عدم تنفيذ خطة وقائية عاجلة لمجابهة المرض. في نهاية عام 2012م أوضحت إحصائيات أجرتها منظمات طوعية ومجلس تنمية وتطوير الرحل بعدد من ولايات دارفور غربي البلاد، أن أعلى معدلات الانتشار موجودة في المشروعات الزراعية خاصة في مناطق السكر، وقال وزير الصحة بحر إدريس أبو قردة خلال مخاطبته ورشة «البلهارسيا الصامت القاتل» التي نظمها مجلس تنمية وتطوير الرحل بالخرطوم، إن أعلى نسبة إصابة سجلت بولاية شمال كردفان إذ بلغت نسبتها أكثر من 70%، وأشار إلى أن هناك بؤراً تصل إلى أكثر من 90% بالولاية، وأوضح أن وزارته وضعت خطة للحد من انتشار المرض ليصل إلى أقل من 5% بحلول عام 2016م، وأضاف أن المكافحة ستقوم عبر إجراء المسوحات الأساسية والعلاج الجماعي ومكافحة العائل الوسيط «القواقع»، وشكا الوزير من عدم وجود دعم دولي لبرنامج مكافحة البلهارسيا، وقال إن وزارته وضعت استراتيجية مشتركة للتوفيق بين أولويات الوزارة والداعمين للمرض. وفي حديث سابق في مارس من هذا العام لوزير الصحة بولاية الخرطوم الدكتور مأمون حميدة، أكد ضرورة وضع استراتيجية مستدامة لاستئصال المرض باعتباره مهدداً صحياً يؤدي إلى العديد من الأمراض، منها سرطان المثانة وتليف الكبد وتقيؤ الدم، ويستقبل مستشفى ابن سينا العديد من هذه الحالات المرضية وغيرها من الامراض الخطيرة، وشدد على ضرورة التوعية بمخاطر المرض وحماية مصادر المياه العذبة من التلوث، وبذل مزيد من الجهود للقضاء على المرض الذي يوجد بنسب متفاوتة في الولايات تصل الى «50%» في بعض الولايات، وتوجد في شكل بؤر في ولايات دارفور، وتبلغ نسبة الإصابة في ولاية الخرطوم «3.5%». وقال إن السودان من الدول التي ساهمت في القضاء على المرض، وأكد اهتمام وزارة الصحة الاتحادية بالقضاء على المرض نهائيا وتوفير كل الامكانات التي تمكن من استئصاله، منوهاً بالجهود التي بذلها السودان خلال خمسينيات القرن الماضي للقضاء على المرض نهائياً بولاية الجزيرة، حيث انخفضت نسبة الإصابة بالمرض من «50%» عام «1960» الى «7.5%» خلال عام «1990م» وارتفعت مرة اخرى الى «11%»، مشيراً الى الدور الذي لعبته وزارة الصحة الاتحادية بالتعاون مع حكومة ولاية الجزيرة في توزيع أكثر من مليون حبة خلال العام الماضي، معلناً عن تكوين لجنة فنية بولاية الخرطوم لاستئصال المرض، مضيفاً أنه تم توزيع نصف مليون حبة لطلاب المدارس بولاية الخرطوم، كاشفاً عن موافقة منظمة الصحة العالمية على اعتماد السودان مركزاً إقليمياً لتوزيع العلاج المجاني، مضيفاً أنه تم دعم السودان بستة ملايين حبة علاج مجاني، والعمل على زيادة الدعم مستقبلاً. ومع استمرار جهود السلطات الصحية في مكافحة البلهارسيا، إلا أن الإصابات مازالت تمثل نسبة عالية في مختلف بقاع السودان، والخطر يهدد الكثير من المواطنين، وما تفعله السلطات الصحية الآن هو نقطة في بحر لا تكاد تبين.