الخرطوم / وفاء طه : شهدت قاعة الشارقة الأحد الماضي انطلاقة فعاليات الذكرى العاشرة لرحيل العلامة عبدالله الطيب .. والتي نظمتها الهيئة العليا للذكرى بالتعاون مع معهد عبدالله الطيب للغة العربية بجامعة الخرطوم .. وقد استهلت الجلسة الأولى بقراءة آيات من الذكر الحكيم بصوت المقرئي صديق أحمد حمدون .. وقدم مدير الجامعة ب. الصديق أحمد حياتي كلمة ضافية عدد فيها مآثر الفقيد وأشار الى أنه استطاع خلال فترة ادارته للجامعة أن يضم اليها مستشفى سوبا الجامعي وقد ظل مخلصاً وحريصاً على رفعتها ... أدار الجلسة الأولى بروفيسور عبدالملك محمد عبدالرحيم .. وقدم بروفسير عبدالقادر محمد اضاءات في سيرة عبدالله الطيب حصرها حول علاقته بالسيدة جريزيلدا منذ أن كانا طلبة بالجامعة حتى زواجهما .. كما قدم د. مصطفى الصاوي سيرة عبدالله الطيب من منظور أدبي ... أما الجلسة الثانية فقد أدارها بروفسير يوسف فضل وقد كانت عن الشعبيات والفلكلور .. بدءا تحدث البروف عن العلامة وعلاقته به التي امتدت منذ العام 1953 عندما كان طالبا بجامعة الخرطوم حيث كلفه العلامة مع بعض زملائه بوضع فهرس المرشد الي فهم أشعار العرب وصناعتها ثم أشار الى دوره في انشاء شعبة أبحاث السودان والتي تعد من أهم الأعمال التي قامت بها الجامعة ... خلال الجلسة الثانية قدم بروفسير محمد المهدي بشرى ورقة بعنوان حواشي على تجربة عبدالله الطيب في جمع ودراسة الفلكلور ...كما قدم بروفسير سيد حامد حريز ورقة بعنوان منهج الأحاجي السودانية عند عبدالله الطيب ... الجدير ذكره أن فعاليات الذكرى العاشرة لرحيل العلامة عبدالله الطيب ستمتد وتتواصل حتى يوم قدالأربعاء 19 يوليو . الصاوي ورقته سعت الى كشف مكونات الخطاب السيري وقدمت قراءة لمن نافذة القطار وحقيبة الذكريات لأن السيرة الذاتية لعبدالله الطيب لم تكتب ضمن مجلد واحد يلملم بين دفتيه تجربته الحياتية فهي مبثوثة ? حسب زعمه ? في تضاعيف العديد من كتبه منها هذين الكتابين . وذكرى صديقين وغيرهما ، من نافذة القطار العنوان لا يتضمن ميثاقاً سيرياً ، ولا يشير الى الجنس الأدبي ولكنه يفتقر للمعلومات البيرغرافية بل هي ماثلة بالمعنى الدقيق للكلمة ففي الكتاب اشارات لحياته العائلية وأسلافه ، وطفولته وكذلك انطباعاته وتأملاته الشخصية تجاه الأحداث « أذكر اذ أرسلت لأحضر لحماً ... وحملت ما أرسلت لأحضره من اللحم ، لا أرى فيم حملته ، واذا بحدأة « من نافذة القطار» ... وفي موضوع ثان يشير لوالده « وفي الكتاب كانت كلمة الزنا والتلامذة كلهم يعرفونها وهو لا يعرفها وهو لابد أن يعرفها ? فندى الزنا يعني شنو ؟ وضحك الأولاد . وكان المدرس أباه « الله يهديك يا ولدي ... إن نصية السيرة الذاتية تتبدى في من « نافذة القطار « وتؤسس لقصة حياة وبالطريقة التي يرغب فيها عبدالله الطيب ... من حقيبة الذكريات يؤكد عبدالله الطيب بهذا العنوان الموحي والدال على البعد المرآتي وبأنه يفي بما يراد قوله فالحقيبة حافلة بالذكريات وتشكل ثورة تتجمع وتتشابك فيها خيوط الحكي وصار العنوان عنصراً من عناصر العالم الحكائي حيث تعددت الأزمنة ، والأمكنة والأحداث واستحضر ذاكرته الشخصية ، وما اجتزت الذاكرة الجماعية ومن مواقف وذكريات بل يؤرخ للذات في سياق جيله والأجيال التي سبقته .» كان الاضراب الأول في أوائل فترة انشاء الكلية وتسبب في إثارته الذين جيئ بهم من رواق السنارية وذلك بعد أن احتجوا على تقديم الطعام بالشوكة والسكين والزبدة والمربة وطالبوا بالكسرة والملاح « صحيح أن هذا النص تضاءلت فيه صورة الذات أمام السرد التاريخي والأخبار الأدبية والتعليقات ، والاستطرادات النحوية والقاموسية لكن ما غابت قصة الحياة ولا البنية الأسرية مما يقربه كثيرا للسيرة الذاتية لارتكازها على خطاب الذكريات . بروفسير محمد المهدي بشرى أشار في ورقته الى أن عبدالله الطيب لم يترك سوى اشارات عابرة تضئ لنا منهجه في توثيق ودراسة الفلكلور منها كلمته القصبرة التي صدر بها كتابه الأحاجي السودانية وفيها يشيرالى أن الجدات هن راويات الأحاجي وإن واحدة من وظائف الأحاجي التسلية أو الترفيه .. وفي هذه الكلمة القصيرة نلاحظ وعي عبدالله الطيب بكنه أو قل هوية الجنس الفولكلوري الذي عالجه وهو الأحاجي الى جانب وعيه بعنصرين هامين من عناصر هذا الجنس الفلكلوري وهما الجدة ثم الجمهور وهم الأطفال .. وفيما بعد تلاحظ توسع عبدالله الطيب واشارته الى الكثر مما يتعلق بالفلكلور كعلم قائم بذاته ، على الرغم من أن عبدالله الطيب يبدو أقرب للانثربولوجي منه للفلكلوري في بعض دراساته خاصة دراسته التي عالج فيها العادات في السودان النيلي . .. وهي أربع مقالات نشرت في مجلة السودان في وقائع ومدونات بالانجليزية وعلى الرغم من صغر الدراسة الا أن الدراسة تعطي عرضاً طيباً لأغلب عادات الجماعة النيلية مع تركيز على طقوس دورة العبور وما يتبع هذه الطقوس من ثقافة مادية وأدب شعبي وفنون أداء . وفي جانب آخر نجد عبدالله الطيب يفرد حيزاً للتعليم يوثق فيه كدأبه بدقة للتعليم التقليدي وهو يعني تماماً ضخامة موضوع التعليم لكنه وبايجاز أشار الى أهم ملامح هذا التعليم الديني أو الخلوة وهو يقول : التعليم الرسمي في الماضي كان يتم عن طريق مؤسسة الخلوة .... البروفسير سيد حامد حريز تحدث عن منهج عبدالله الطيب في الأحاجي السودانية فقال يلجأ العديد من الباحثين في مجال الدراسات التراثية الى أخذ معلوماتهم ونصوص دراساتهم من الرواة والاخباريين المشهود لهم في المنطقة ، وكثيراً ما يوردون المعلومات الأساسية عن هؤلاء الرواة والاخباريين في شكل ملاحق يذيلون بها دراساتهم ، أو على أقل تقدير يشيرون الى أؤلئك الرواة والاخباريين في حواشي دراساتهم أو مصنفاتهم . ولقد أصبح هذا الأمر متعارفاً عليه في الدراسات الأكاديمية ، بالرجوع لمنهج عبدالله الطيب نجد أنه لم يلتزم بهذا المنهج ولا عجب في ذلك فهو الكاتب المبدع وبالتالي فهو لا يوثق بل يسعى الآخرون الى توثيق أعماله ، وما يحدث أنه يستدعي مخزونه التراثي الذي امتلأ وفاض من أحاجي العمات والخالات والجدات ومن مغامرات الصبا والطفولة ، والذي أصبح جزءاً من معارفه بل جزءاً من حياته وهو اذا لا يحتاج لسند يتكئ عليه أو مرجع يؤكد صدق قوله أو أصالة قصصه ، حيث أنه يجعل من نفسه باحثاً ومصدراً لمادة بحثه في ذات الوقت . وتظهر براعة عبدالله الطيب في انتقاء الأفضل وفي الحرص على تدوينه وتسجيله وعرضه بصورة فنية تجعل منه أدباً راقياً .. وقد حرص البروف على المحافظة على نصوص الأحاجي وتدوينها بصورة حرفية تعكس ما سمعه كما ورد بدقة تامة ، وكانت أغلب هذه النصوص قد وردت اليه بلغة موغلة في العامية ولكنها تعبر عن مضمونها بدقة متناهية وتوضح بلاغة العامية السودانية وقدرتها على التعبير الأدبي والفني ... وقد انتقى الراحل أفضل التشبيهات المتاحة في الموروث الثقافي لاسيما التشبيهات المستوحاة من البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية وقد حرص على الحفاظ على روحها وقاموسها ومدلولاتها . قدمت الورقة والأوراق السابقة لها العديد من النماذج لأعمال عبدالله الطيب المدللة على أمثلتهم التي وردت في أوراقهم .