اتاح السيد قطبي المهدي القيادي بالحزب الحاكم المؤتمر الوطني فرصة لاهل الصحافة ومجالس المدينة فرصة حتى ما بعد عيد الفطر لإيقاف الحديث عن التعديل الوزاري ما بعد عطلة العيد الموعد المحدد حسب قطبي لاعلان التشكيل الوزراي الجديد، والذي كان الميسطر على تسريبات الصحف بشكل اساسي خلال الايام الماضية، من يذهب ومن سيبقى ومن ينتقل لموقع آخر ومن سيرفع ومن سيخفض، وتتصاعد الأسماء وتنخفض وفق مصادر كل صحيفة واخرى. ولكن يبقى التقدير النهائي الذي يحكم التشكيل الوزاري نفسه هو مصلحة الوطن التي تتداخل بين قضايا محلية ملحة وتشابكات إقليمية ودولية تتداخل مع الواقع المحلي، فالمطلوب من التشكيل الوزاري الجديد أن يضع الأطر والمعالجات بما يجعل أمر الحياة على المواطن ميسوراً، وأن يعمل هذا التشكيل بروح الفريق الواحد بغض النظر عن النسب والمحاصصة التي تحكم هذا التشكيل، ويجعل الناظر اليه على أنه جامع لاهل السودان، والتشكيل الوزاري يجب ان يكون بعيداً من تلك النظرة التي حكمت في التشكيلات السابقة، فحكومة ما قبل توقيع السلام كانت شكلاً ورغم ذلك لم تحقق اهداف المرحلة في تهيئة الناس للسلام والاستعداد له، واستعداد الحكومة لتقديم العديد من التنازلات من اجل اهمية السلام، وكما هو واضح كانت هناك مسافة بين الفريق المفاوض والذي يحمل تفويضاً كاملاً من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والذي كان غالباً ما يعتمد على بعض تنويرات، وهذا التشكيل الوزاري الذي كان قبل السلام لم يكن له دور كبير في تلك المرحلة، وكان مثله مثل بقية الشعب يعتمد على التصريحات الصادر من وفد التفاوض، وكان يتوقع ان يكون لمجلس الوزراء قبل مرحلة السلام دور اكبر في التقديم للمرحلة القادمة ولكنه لم يفعل المطلوب منه. اما مجلس الوزراء الذي تشكل ما بعد اتفاقية السلام والذي سميت حكومته حكومة الوحدة الوطنية، فيبدو من اسمها ان هدف هذا المجلس هو الوحدة الوطنية، ويبدو ان حالة التشاكس هي التي كانت السائدة في تلك المرحلة بحكم تكوين هذا المجلس من المؤتمر الوطني وحلفائه والحركة الشعبية، وكانت الاتفاقية قد حددت نسباً لتلك المشاركة هي «52%» للموتمر الوطني «28%» للحركة الشعبية «14%» للقوى الشمالية و«6%» للقوى الجنوبية الاخرى، وهذه الحكومة رغم انها استمرت طوال الفترة الانتقالية والتي استمرت حوالى ست سنوات كما هو معروف لم تكن في حالة تجانس بما يحقق اسمها، وهي «حكومة الوحدة الوطنية» وكانت حكومة مصارعة بين الطرفين الكبيرين فيها الى ان انتهت الفترة الانتقالية وانفصل الجنوب دون ان يتحقق هدفها هو الوحدة الوطنية. اما الحكومة التي تشكلت بعد الانفصال وهي الحكومة «العريضة» وهي من اسمها عريضة، اي انها حكومة واسعة تضم اطيافاً من القوى السياسية، وتهدف الى جمع الصف الوطني خاصة بعد انفصال الجنوب، ولكن هل نجحت هذا الحكومة في تحقيق هذا المفهوم، وهل التعديلات التي تمت لاحقاً في هذه الحكومة العريضة اوفت بجزء من الالتزام السياسي مثل اتفاقية الدوحة للسلام وغيرها. وها هو المؤتمر الوطني يقوم بحركة واسعة للتعديل الوزاري الجديد، وهذا التعديل الجديد قد يختلف عن سابقيه، إذ ليس هنالك اي استحقاق سياسي ناتج عن حوار مع اية قوة كانت تحمل السلاح او غيره، ولا يأتي هذا التعديل لمواجهة تحد تواجهه الحكومة، ولكن الواضح ان الحكومة القادمة ليس امامها سوى الانتخابات القادمة التي يخوضها المؤتمر دون الرئيس عمر البشير اذا عزم على عدم الترشح، ويبقى هذا التعديل معني باستقامة الحكومة على عهد جديد إن كان من الوجوه الجديدة التي رشحت في الصحف خلال الايام الماضية، وهي وجوه مكررة وعملت في مواقع ان كانت وزارية او غيرها، وبالتالي ان الهدف من التشكيل ان كانت من تلك الوجوه فإن الهدف المنشود لا يتحقق او كما قال غازي صلاح الدين في هذا الامر ان التعديل دون اصلاحات في المنهج لا يعني أمراً جديداً، وبالتالي يبقى الأمر الثاني ان التعديل الجديد كله اقل من خمسين عاماً. وهذا يعني ان الوجوه التي رشحت في الصحف هي خارج هذا التشكيل الوزاري الجديد، وهذا يعني ان الوزراء الذين راهن عليهم السيد رئيس الجمهورية في تغطية العجز الناتج من فقدان النفط الذي ذهب الى دولة الجنوب وهم وزير النفط عوض الجاز ووزير الزراعة د. عبد الحليم المتعافي ووزير الصناعة عبد الوهاب عثمان وكمال عبد اللطيف وزير المعادن، وسيكونون خارج التشكيل الوزاري بسسب عامل السن، ويمكن استثناء عبد اللطيف في المعادن، ولا ندري ان كسب السيد الرئيس الرهان ام لا؟ وهل غطى هؤلاء الوزراء العجز الناتج عن فقدان النفط؟ ويبقى السؤال هل ينجح التشكيل الوزاري الجديد إن كان من الشباب او التكنوقراط او المحاصصة في القفز الى مرحلة جديدة من تاريخ السودان، أم أن الجبل سيتمخض ويلد ما هو معروف.