قبل نحو عام من الآن وتحديداً عقب إنجلاء معركة هجليج، كانت الغراء صحيفة «الانتباهة» فيما أذكر قد نشرت تقريراً كشفت فيه على لسان اللواء الركن كمال عبد المعروف قائد متحرك تحرير هجليج، استخدام الجيش السوداني لأسطول من الدراجات النارية المعروفة شعبياً باسم «المواتر» كتكتيك وأسلوب جديد يباغتون به قوات الجيش الشعبي من جهة، ولتفادي خيار القصف الجوي الذي سيؤدي حال اللجوء إليه إلى دمار كبير ليس مرغوباً في حقول البترول والبنيات التحتية الأخرى من جهة أخرى، ولهذا كان خيارهم الأمثل والأفضل والذي يحقق إلى جانب ما ذكره ميزة الخروج بأقل الخسائر الممكنة من المعركة، أن يتم الاقتحام السريع والمباغت عبر المواتر بواسطة فرسان قبيلة المسيرية والدفاع الشعبي، وهذا ما حدث وكان للجيش ما أراد، وأدت المواتر دورها كما خُطط لها، ويُشار هنا إلى أن استخدام المواتر في الحرب يعتبر الأول من نوعه للجيش السوداني رغم أنه ظل وعلى مدى طويل يستخدم المواتر فقط في عمليات جلب المعلومات والاتصالات ويطلق على الجنود الموكولة إليهم هذه المهام «الموترجية» ومفردها «موترجي» ولكن باستخدام التكتيك الأخير في حرب هجليج أضحى هناك نوعين من «الموترجية»، موترجية إتصال وموترجية قتال... وعلى ذكر أهلنا المسيرية وأهل غرب البلاد عموماً الذين شاعت بينهم ثقافة إمتطاء الموتر مؤخراً، أذكر أنه ولعهد قريب لم يكن لهذه الوسيلة وجود يذكر في غرب البلاد، وربما لو أحصينا عدد المواتر الموجودة في كل الغرب فلن يتعدى مجموعها أصابع اليدين وفي المدن الكبيرة فقط، ولا وجود لها البتة في أشباه المدن والأرياف قاطبة، ولكن مع الافرازات السالبة التي شهدها الاقليم الكبير جراء الحروب المتعددة والمتنوعة من إقتتال قبلي وهجمات الحركات والهجوم المضاد والنهب المسلح ونشوء وإنشاء المليشيات، ظهرت فيما ظهرت نتيجة لهذا الواقع المأساوي من ممارسات وثقافات سالبة على هذا الاقليم، ثقافة إقتناء الموتر فانتشر بشكل لافت وجود هذه الوسيلة حتى على مستوى الفرقان والقرى الصغيرة، ولكن للأسف لم يكن هذا الانتشار وليد الحاجة لوسيلة إتصال وتواصل ومواصلات التي من أجلها جاء إختراع الموتر، ولكن لمآرب أخرى بالدرجة الأساس، إذ وُظّفت هذه الوسيلة لغير غرضها المعروف فأصبحت أداة للجريمة والإغارة هنا والنهب والسلب والقتل هناك وباتت وسيلة ليست للتواصل والتوادد والتزاور وإنما للكسب والثراء السريع حتى أن بعضهم جعل شعاره «موتر وكلاش مال وعيشة ببلاش»، وغني عن القول هنا أن السلاح بلغ درجة من الانتشار لم يعد معها مدهشاً أن ترى يافعاً لم يبلغ الحلم وهو يمتشق سلاحاً أكبر من حجمه وأطول من قامته... حسناً والسلطات تنتبه أخيراً لسوء استخدام هذه الوسيلة وتعمل على تقنين إمتلاكها واتخاذ الاجراءات الكفيلة بضمان عدم استخدامها على أي نحو غير كونها وسيلة مواصلات وتواصل، ولكن لكي تؤتي هذه القرارات أكلها في محاصرة ولجم كل الممارسات السالبة التي ارتبطت بهذه الوسيلة، لا يكفي أن تسري هذه القرارات فقط على عامة المواطنين، وإنما يجب تعميمها لتشمل كل المؤسسات العامة وشبه العامة والرسمية وشبه الرسمية التي تم تمليكها لسبب أو آخر أساطيل من هذه الدراجات، وأنا ما بفسر وأرجو منهم أن لا يقصروا، واللبيب بالاشارة يفهم...