: ما أكثر المنتديات والمعارض حين نغشاها، لكن ما يمكث منها في الذاكرة شحيح. أما التأثير المتوقع لما نحن بصدده من معرض فقد جاء حصادا أخضر لثمرة تعاون علمي بين جامعتي المستقبل وأمدرمان الأهلية، يستهدف تبادل الخبرات والتجارب في طرق التدريس المتطورة وتنظيم سنمارات ومؤتمرات علمية مشتركة بين الجامعتين. وحين دلفنا إلى حفل تدشين معرض الفنانين التشكيليين المعروفين البروفسير حسين جمعان عميد كلية الفنون والتصميم بجامعة المستقبل والبروفسير عبد الباسط الخاتم رئيس قسم الجرافيك بجامعة المستقبل، في ملتقى جامعة أمدرمان الأهلية، وهو مبنى عريق يحتل موقعا متميزا في شارع الأربعين، كانت بانتظارنا مجموعة من المشاعر الطيبة، فالمعرض يكاد ينقسم إلى لوحتين، على الرغم من أنه يحتوي على أكثر من 40 لوحة وتلك حكاية لها أصل سنعود إليه لاحقا. في حفل الافتتاح المبسط كانت المشاعر الطيبة تعبق في المكان، زادها ألقا الدكتور الطيب مصطفى فضل السيد رئيس جامعة المستقبل حين أبدى سعادة مزدوجة بتدشين التعاون بين جامعته وجامعة أمدرمان الأهلية، بحسبانها أم الجامعات الخاصة في البلاد من جهة، وباعتبارها جامعة ذات نسيج لوحدها من جهة أخرى. واستفاض في توضيح أهمية مثل هذه اللقاءات، معددا الفوائد التي يجنيها طلاب الجامعتين من مثل هذه الأنشطة بصفة خاصة والمنافع التي تعود إلى المجتمع بصفة عامة. وازدهى حفل التدشين أيضا بكلمات طيبات من البروفسير كرار عبادي رئيس جامعة أمدرمان الأهلية، عكس فيها احتفاءه بهذا اللقاء الحاشد الذي يعبر عن تواصل الأجيال عبر المشاركة في معرض يحتوي على أعمال فنانين يعدان من الوجه النيرة في سماء الفن التشكيلي في البلاد. وخلص البروفسير عبادي في مفردات أمدرمانية ممعنة في التفاصيل، إلى أن أهمية الفن التشكيلي تكمن في احتياجنا له لتعلم رهافة الحس من جهة، وإثارة العلم والمعرفة لكي نختط طريقنا في الحياة من جهة أخرى. العودة إلى أصل الحكاية، تقتضي مقدمة فحواها أن معارض الفنانين الفردية والجماعية، قدمت تجارب الفن التشكيلي في البلاد. وعلى الرغم من محدودية انتشار هذه المعارض، إلا أنها أبرزت أعمالا تتميز بخطاب فني جديد يتأسس على لغة بصرية لا تقف عند إثارة انتباه المواطنين فقط، بل لقيت هذه المعارض ترحيبا كبيرا من المواطنين، كما هو الحال في أعمال البروفسير جمعان، حيث الرسم الوحشي يجعله يكمل اللوحة في أقل من عشر دقائق، أو في لوحة أعواد الخشب للبروفسيور عبد الباسط الخاتم، حيث تكمل قوة الخشب ومرونته رؤية الفن للوحة. يتحدد العقل الفني عند البروفسير جمعان بجملة الإشراقات والإلهامات التي تقدمها مدينة كسلا للمنتمين إليها والقاطنين فيها، ولا غرو في ذلك فهي (ابنة القاش إذ سرى الطيف وهنا واعتلى هائما فكيف لحاقي). لذا ترى جمعان في كل أعماله شغوفا بأشياء تعود به إلى طفولته المترعة بأنين وحنين السواقي في كسلا، حيث طمرت ذاكرته بالخضرة من زهور وأشجار وفراشات وطيور حمرة وصفرة وزحمة نضرة وسط غيوم تعانق بعضها وترتاح على هدب الجبل يلحقها وينجدها سيدي الحسن (رضى الله عنه ونفعنا به)، وهذا الدعاء أوصى به العلامة عبد الله وله فيه خبر وقصة تجدونها في (نافذة القطار). حين سألت البروفسير جمعان، ماذا بقي في ذهنه من أيام الطفولة في كسلا؟ أجاب مبتسما هذا سؤال ماكر وموقظ لأصداء الطفولة التي تأتيه أحيانا كطيف خيال، لكنه يدرك جيدا أنه بعد عودته من البعثة الدراسية في لندن، لاحظ أن معظم تداعيات العمل الخيالي في لوحاته لها صلة بكسلا الوريفة (الشاربة من الطيبة ديمة)، خاصة الأشكال المتعلقة بالحدائق والفراشات والزهور والطيور وخلافه. ينتهي البروفسير جمعان إلى أن العلاقة بين زمن الطفولة ومكانها وما يقدمه الفرد من إبداع علاقة لا شعورية، لأن العقل كجهاز معرفي يتشكل وينتج بكيفية لا شعورية. وربما لا يسع المجال للاستفاضة في مصطلح (اللاشعور المعرفي) لعالم النفس السويسري جان بياجيه. ويكمن سر استخدام البروفسير عبد الباسط الخاتم، للخشب في اللوحات التي يرسمها، في أن الخشب مادة ثلاثية الأبعاد وتتصف بالمرونة والقوة ويمكن الرسم فيها بشكل غائر أو بارز، وتقبل اللون مع أن لها لون طبيعي. لهذه الأسباب مجتمعة يفضل البروفسير الخاتم إنتاج لوحاته على الخشب. وحسب تجربته الشخصية يقوم بتقطيع الخشب إلى قطع صغيرة يحملها دائما في حقيبته الشخصية لكي يرسم عليها بين حين وآخر، ثم يقوم بتجميع هذه القطع الصغيرة عندما تكتمل في لوحة. وهناك فائدة للوحة الخشبية تتمثل في سهولة تدريب طلاب الفنون على تفكيك اللوحة وتجميعها. [email protected]