يؤدى عمر البشير اليوم اليمين الدستورية رئيسا للسودان لخمس سنوات قادمة بعد إعادة انتخابه في 26 إبريل الماضي في حفل ينتظم باحات المجلس الوطني الداخلية وساحاته الخارجية بمشاركة تراوح تقييمها لدى المراقبين بين المعقولة والمحدودة. وحتى الآن تأكدت مشاركة الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي ممثلين برؤساء بعثاتهم لدى السودان والجامعة العربية ممثلة في نائب الأمين العام ومنظمة المؤتمر الإسلامي بإحسان أوغلو الأمين العام للمنظمة، ورؤساء دول ارتريا اسياسي افورقي وتشاد ادريس دبي واثيوبيا ميلس زناوي والموريتاني محمد بن عبد العزيز، والجيبوتي اسماعيل قيلي، بجانب وزيري الدفاع الليبي والمصري محمد طنطاوي ووزير الدولة بالأسرة الحاكمة بقطر الشيخ عبد الناصر آل ثاني ومجموعة من المسئولين، ووزير الصحة الصيني، بينما لم تتأكد مشاركة مشاركة الدكتور بينغووا موتاريكا رئيس جمهورية ملاوي ورئيس الإتحاد الأفريقي والرئيس السنغالي عبد الله واد وينتظر مشاركة الرئيس النيجيري السابق اوبسانجو، ونائب الرئيس الكيني، والرئيس الكيني السابق دانيال اروب موي على راس وفد منفصل، وممثلون لحكومات دول عربية وإسلامية وأفريقية. وتقول اللجنة المنظمة للاحتفالية انها قدمت الدعوات عبر وفود رسمية لزعماء الدول العربية وبعض الدول الإفريقية والهيئات والمنظمات الدولية لحضور المناسبة، ويؤكد علي كرتي رئيس اللجنة المنظمة وزير الدولة بالخارجية في تصريحات سابقة ان اللجنة التنفيذية لمراسم أداء رئيس الجمهورية القسم، وضعت اللمسات الأخيرة للبرنامج النهائي لتنفيذ مراسم أداء القسم. ولكن شاب المشاركة الخارجية في حفل تنصيب البشير بعض اللغط حول المشاركة من عدمها حيث أكدت مصادر في المجلس الوزاري الأوروبي أن التمثيل الأوروبي في حفل تنصيب الرئيس السوداني عمر حسن البشير اليوم في الخرطوم، سيكون في «أدنى مستوياته»، على حد وصفها، ومن جهتها دعت منظمة العفو الدولية الدول الأعضاء في محكمة الجزاء الدولية إلى مقاطعة حفل تنصيب الرئيس عمر البشير لأنه يخضع لمذكرة توقيف من قبل المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، وقالت إليز كيبلر المسؤولة عن برنامج القضاء الدولي في المنظمة في بيان «يجب توقيف البشير الملاحق من قبل القضاء، وليس تنصيبه»، وأشارت كيبلر في بيانها إلى أن «الدبلوماسيين الذين يشاركون في حفل تنصيب البشير يتنكرون لدعم حكوماتهم للقضاء الدولي»، وأوضحت أنها توجه هذا النداء أيضا إلى الدول غير الموقعة على بروتوكول روما مثل الولاياتالمتحدة، ولكن على العكس من ذلك تشارك الأممالمتحدة في حفل التنصيب ووصف بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة الاحتفال بتنصيب عمر البشير بأنه (جزء من حدث سياسي مهم للغاية للشعب السوداني). ودافع مون في تصريحات صحفية بنيويورك عن خطوته بإرسال ممثلين عن المنظمة الدولية للمشاركة في الحفل، مؤكداً ان الشعب السوداني انتخب البشير لذلك سيشارك هايلي منكريوس الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في السودان وابراهيم قمباري المبعوث المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي في حفل التنصيب. وبنظر مراقبين فان هذا الأخذ والرد حول المشاركة قد يعطي مؤشرا لما قد تكون عليه حال العلاقات في المستقبل بين السودان وهذه الجهات وانها نذير بما سيأتي من تضييق، الا ان البعض الآخر يقلل من تأثيرها ويقول انها من حال حكومات البشير منذ ميلادها في 89 اذ ظلت تتعامل بمرونة وشدة في نفس الوقت مع هذه الأجواء مشيرين الى رد الحكومة بعنف على الدعوات بالمقاطعة الصادرة من الاتحاد الاوربي ومنظمة العفو الدولية حيث قلل القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور مصطفى عثمان من دعوة منظمة هيومان رايت ووتش بعدم المشاركة في حفل تنصيب البشير وتساءل (ماذا تعني هذه المنظمة، وهل هي أمم متحدة) مشيرا إلى أنها مثلها مثل منظمة إنقاذ دار فور (منظمة مشبوهة ولها جماعات لا تحترم إرادة الشعوب) وقال (فى تقديرنا انها مسيسة وتخدم جماعات ضغط معينة وقادت المجتمع الدولي للخراب والدمار بدليل صمتها تجاه غزو العراق وأفغانستان وغوانتانامو). ولكن في المقابل ابدت بعض الدول حماسها للمشاركة وتوافد ممثلين للجامعة العربية والإيقاد والاتحاد الأفريقي وتجاوز عدد بعض الوفود 31 شخصا حسب ما تم رصده أمس بمطار الخرطوم وقال السفير أحمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة العربية أنه بتكليف من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى انه جاء إلى السودان على رأس وفد من الجامعة العربية لتمثيل الأمين العام في مراسم التنصيب وتقديم التهنئة للرئاسة السودانية. ومن جانبها رحبت الحكومة بكافة الضيوف المشاركين من رؤساء ووزراء وكبار الشخصيات من الدول الصديقة والشقيقة في حفل تنصيب الرئيس البشير، وقال المتحدث باسم الخارجية معاوية عثمان خالد للصحفيين امس ان حرص مشاركة هذه الشخصيات بالرغم من أن المناسبة سودانية قومية يعد دلالة كبيرة على اهتمام هذه الدول بالشان السوداني وعلى عمق الروابط ومتين الصلات التي تربطهم مع السودان. وعادة تعقد الدول مهرجانات ضخمة في للاحتفال بتنصيب رؤسائها ومن نماذج الاحتفالات الكبيرة والنادرة ان أكثر من مليار شخص عبر العالم تابعوا مراسيم حفل تنصيب أوباما كرئيس جديد للولايات المتحدة، و شارك مليونا أمريكي في حفل أداء القسم الذي استضافته منطقة »ناشيونال مول« بالعاصمة واشنطن، والذي اعتبره مراقبون مناسبة ضخمة استعرضت فيها أمريكا عضلاتها الديمقراطية أمام العالم. ويلاحظ مراقبون ان المشاركات العربية والافريقية في حفلات التنصيب الرئاسي دائما ما تكون قليلة ويرجعها البعض الى طبيعة الانظمة الحاكمة التي تكون اما جمهورية متوارثة أو ملكية اقطاعية ومن الشواهد على ذلك قلة المشاركة بمناسبة تنصيب الرئيس الموريتاني في العشرين من ابريل 2007 حيث لم يشارك الا عدد محدود من الرؤساء والملوك، وكانت قناة الجزيرة سألت، السيد محمد فال ولد عمير، رئيس تحرير صحيفة »لاتريبين« الموريتانية، عن تفسيره، وتفسير أبناء بلاده، اختفاء الرؤساء العرب تماماً، من الاحتفال بتجربة ديمقراطية شبيهة بانتقال السلطة من العساكر الى حكم مدني مثلما حدث في السودان عام 86 حينما سلم المشير سوار الدهب الحكم الى المنتخبين ديمقراطيا، فقال إنهم لا يجدون أي تفسير معقول أو منطقي، لما حدث، ولكن يبدو أن الرؤساء العرب قد خافوا من عدوي الديمقراطية في موريتانيا. ويشير مراقبون الى ان السودان يختلف الى حد ما في مرور حفلات تنصيب لرؤساء مختلفين عليه منذ فجر استقلاله خلافا لدول كثيرة في المحيط الاقليمي مثل مصر التي يحكمها الرؤساء الدائمون الذين يغيبهم الموت فقط منذ 1952م (ثلاثة رؤساء) والسعودية التي يحكمها الملوك الدائمون منذ 1932م (خمسة ملوك)، فقد شهد السودان تنصيب الرؤساء الأزهري وعبد الله خليل وعبود والمحجوب ونميري وسوار الدهب والميرغني والمهدي والبشير. ولكن اهمية تنصيب البشير لا تأتي من مشاركة الآخرين أو عدم مشاركتهم في حفل تدشين حقبة جديدة من مراحل حكمه وانما في التحديات التي تواجهها وعلى رأسها الاستفتاء على تقرير مصير جزء من الوطن والاقتصاد السوداني المهدد من أكثر من ناحية، ومن المقرر أن يتناول البشير في خطابه أمام الهيئة التشريعية اليوم ملامح المرحلة المقبلة وسياسات الحكومة الجديدة والتطورات التي حدثت بالبلاد في كافة المجالات وكيفية الاستجابة والتعامل مع اكبر تحديين. ويعتبر حزب المؤتمر الوطني صاحب الاغلبية في الحكومة القادمة ان تنصيب البشير اليوم بداية لمرحلة جديدة تستجيب للتحديات بانسجامها المتوقع وقال القيادي بالحزب علي كرتي امس للاذاعة السودانية أن الحدث يعكس التفويض الشعبي الكامل للحكومة القادمة لتحقيق تطلعات الأمة وبناء الوطن، ويقول عضو المجلس الوطني والقيادي بالمؤتمر الوطني محمد الحسن الأمين أن أداء الرئيس البشير اليمين الدستوري يمثل بداية التكليف بالمسئوليات والواجبات و إعلان بداية اجل الفترة الرئاسية وأضاف في تصريحات امس أن الرئيس البشير ملتزم بالدستور والاتفاقات والعمل على رفاهية المواطن وتحقيق نجاحات الأمة السودانية، ومن جهته اعتبر الخبيرالقانونى مولانا محمد أحمد سالم أن أداء اليمين الدستورية من قبل المشير البشير خطوةٌ تستند على المادة (56 ) من الدستور الانتقالي وقال أن ذات المادة أشارت إلى صيغة القسم والذي بأدائه تبدأ المرحلة الجديدة للحكومة بتكاليف بناء الوطن ونهضته ووحدته، من ناحيته قال القيادي بالوطني ووكيل وزارة الخارجية الأسبق دكتور حسن عابدين أن الخطوة هذه تعد إشهارا بعد انتخابات متفق عليها من المجتمع الدولي وقال إن علاقات السودان الخارجية ستشهد تحولا ايجابيا تتعزز من خلاله علاقات السودان مع بلدان العالم خدمة للمصالح المشتركة، وأوضحت الخبيرة القانونية والبرلمانية بدرية سليمان أن الرئيس البشير عقب أداء القسم منوط به الالتزام والوفاء بالدستور و الاتفاقيات وان يعمل على تقدم الأمة السودانية ونهضتها، وأشارت بدرية فى تصريحات للإذاعة إلى أن الرئيس البشير يؤدى القسم على الحفاظ على وحدة البلاد الأمر الذي يحفزه وحكومته الجديدة على العمل على خيار الوحدة والحفاظ على صون تراب الوطن. والمؤكد ان الرئيس البشير في خطبة تنصيبه اليوم يدرك مثله مثل الحادبين على سلامة البلاد ووحدة ترابها وانسانها يدرك حجم التحديات التي تواجه السودان وانها أكثر حدة من أي وقت مضى ولذا يتوقع مراقبون ان يقدم على خطوة مفتاحية بان يقدم دعوة مفتوحة لأبناء الوطن جميعا بالتواثق على العمل معا لانقاذ البلاد والسير بها قدما نحو الخلاص، مشيرين الى انه ربما كان عليه ان يستعين في هذا الصدد بعبارة وردت في خطاب الرئيس الامريكي المنتخب ابراهام لنكولن في حفل تنصيبه عام 1865 حين قال (دعونا نضمد جراح الأمة ونعمل على سلام دائم بيننا).