باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    حمّور زيادة يكتب: ما يتبقّى للسودانيين بعد الحرب    أنشيلوتي: فينيسيوس قريب من الكرة الذهبية    هجوم مليشيا التمرد الجمعة علي مدينة الفاشر يحمل الرقم 50 .. نعم 50 هجوماً فاشلاً منذ بداية تمردهم في دارفور    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    «زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    مخرجو السينما المصرية    تدني مستوى الحوار العام    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    من سلة غذاء إلى أرض محروقة.. خطر المجاعة يهدد السودانيين    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تفشي حمى الضنك بالخرطوم بحري    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدارة الجامعة ومؤسساتها
جامعة الخرطوم.. الحاضر والمستقبل: الحلقة الأخيرة «18/18»
نشر في الصحافة يوم 23 - 06 - 2010

لا يختلف اثنان حول أثر البيئة الجامعية- سلبا أو ايجابا- على العملية التعليمية. إن ما يحمد لإدارة الجامعة الحالية شروعها في صيانة طرق الجامعة الداخلية والقاعات الدراسية ومباني عدد من وحدات الجامعة الأكاديمية. والمؤمل أن تحرص الجامعة مستقبلا على الصيانة الشاملة الدورية. لقد دأبت الجامعة في الماضي على إجراء هذه الصيانة في كافة منشآتها مع بداية العطلة الصيفية الجامعية «التي نرجو أن تعود مرة أخرى ثلاثة شهور كاملة غير منقوصة، وفي وقت معلوم ثابت لكل الجامعة، ومتساوق مع عطلات التعليم العام والجامعات العالمية، مع الاستفادة من ميراث الجامعة في تثبيت تواريخ الامتحانات وملاحقها قبل وبعد العطلة الصيفية». وفي الواقع أن الصيانة بمفهومها الأوسع تعني الحرص على نظافة كافة مرافق الجامعة يوميا، ومن الواضح، دون الخوض في تفاصيل معلومة للجميع، أن هذه قضية تحتاج لمعالجة جذرية، ربما باسناد مهام نظافة كافة أماكن الجامعة- مكاتبها ومعاملها وقاعاتها وشوارعها وميادينها ومداخلها، لشركات في القطاع الخاص. وفي الحديث عن البيئة الجامعية سيكون حديثي ناقصا جدا إن لم أذكر باعتزاز إنجاز الأستاذ عبد الوهاب سراج، الأمين العام لمركز الخدمات الطبية والصحية- وفريقه من أولي العزم، في إصحاح بيئة الجامعة ومرافقها الصحية. ولقد وجدت الجامعة دعما لإصحاح البيئة من الدكتور عبد الحليم المتعافي- والي الخرطوم السابق، الذي تبرع لها بعربة نظافة حديثة كلما رأيناها تجوب أرجاء الجامعة نتذكر فضل الأستاذ سراج الذي جد في طلبها والدكتور المتعافي الذي استجاب لطلبه. ونحن ننتظر من والي الخرطوم الجديد، الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر، أن يترك أيضا بصماته على جامعة الخرطوم، ربما بتعبيد ورصف الطريق الرئيس داخل كلية التربية والطريق الرئيس الذي يصل بين مباني كلية الطب البيطري القديمة ومبانيها الجديدة في مجمع شمبات، وهما مشروعان لم يسعف الزمن الدكتور المتعافي لإنفاذ عزمه بتنفيذهما.
وستحسن الجامعة صنعا أيضا إن هى نشطت لجنة المباني والميادين لضبط اختيار مواقع تشييد المباني ورصد العناية بالميادين ورعايتها. وسيكون في رأيي مناسبا إطلاق أسماء ذات مغزى علمي على طرق الجامعة الداخلية كأن يسمى مثلا الطريق الذي يخترق كلية الآداب شارع المتنبئ وآخر فيها شارع وليم شكسبير وثالث يمر بكلية العلوم شارع ابن الهيثم ورابع فيها شارع ألبرت آينشتاين أو نيوتن، وهكذا، وعلى أن تعكس الأسماء، كما ينبغي في أية جامعة، عالمية المعرفة الانسانية، بعيدا عن النظرات القومية والوطنية الضيقة. ويمكن أن تبدل أيضا أسماء الميادين، كالميدان الشرقي والآخر الغربي، بأسماء ذات دلالات علمية لا مجرد إشارات جغرافية. ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن إطلاق الأسماء على القاعات الدراسية والمرافق الأكاديمية كان في النهاية، وينبغي في رأيي أن يظل دائما، من اختصاصات مجلس الجامعة ومرهونا بموافقته.
ويلعب الحرس الجامعي في الجامعات دورا مهماً في الإرشاد وحفظ النظام وتحقيق الانضباط. ومن تفاصيل واجباته ضبطه لسير ووقوف المركبات داخل الجامعة. وتعاني الجامعة حاليا من فوضى إيقاف السيارات حيثما اتفق دون مراعاة لما يمكن أن يحدث ذلك من ضيق وضرر للآخرين. ولا بد من منح الحرس صلاحيات مرورية تعتمدها الجامعة للحد من هذه الظواهر السالبة التي تعوق الحركة داخل الحرم الجامعي. ولن تغالي الجامعة إن هى سمحت للحرس باتباع إجراء ناجع يبدو أن شرطة مرور ولاية الخرطوم بدأت تتبعه وهو استخدام قفل يعطل حركة عجلة السيارة Car wheel immobilizer التي تقف في أماكن تحظر قوانين المرور الوقوف فيها. وفي هذا الشأن أتمنى أن يكون ممكنا تفويض بعض صلاحيات شرطة المرور للحرس الجامعي في ما يخص نهي أصحاب حافلات نقل الركاب عن الوقوف أمام مداخل الجامعة ومخارجها، خاصة أمام بوابة الجامعة الغربية المطلة على شارع الجامعة، حيث يهدد وقوفها المتكرر هناك حياة سائقي السيارات الداخلة إلى الجامعة والخارجة منها.
وانعقدت في 23 فبراير 2010م حلقة دراسية عن آفاق الاستثمار في جامعة الخرطوم نظمتها إدارة الاستثمار والأراضي بالجامعة. وأهمية الحلقة تكمن في أمرين: أولاً، أن مسألة الاستثمار أصبحت قضية أساسية في كافة الجامعات، حيث بات واضحا أن الدولة - أية دولة- لا تستطيع الآن ان تتولى التمويل الكامل لمؤسسات التعليم العالي فيها. ثانيا أن لجامعة الخرطوم من إمكانات الاستثمار ما لا تملكه جامعات كثيرة، فلماذا هي إذن ترزح تحت وطأة فقر مدقع تنتظر دعما حكوميا لا يأتي؟
وما زالت جامعة الخرطوم تملك أراضي شاسعة في مزرعتها بشمبات بمدينة الخرطوم بحري وفي منطقة سوبا بالخرطوم، وعقارات كثيرة- في ما يسمى بوقف البغدادي، في قلب مدينة الخرطوم ووسط أم درمان. وهنا نذكر بالخير العلامة البروفيسور عبد الله الطيب، طيب الله ثراه- الذي جد في تسجيل أراضي الجامعة بسوبا إبان فترته الوجيزة مديرا لها. بالإضافة لذلك هناك منازل سكن الأساتذة بمنطقتي برى وشرق الخرطوم وعقارات أخرى بأماكن متفرقة في السودان. لماذا إذن الجامعة فقيرة؟ الإجابة لأنها عاجزة عن استغلال هذه الثروة الكامنة.
لقد وجدت الجامعة نفسها، ممثلة في مجلسها ولجنته التنفيذية والمالية، مكرهة على بيع بعض أراضيها في شمبات لاحتياجها للمال، وفي سوبا من أجل إيجاد مناطق عازلة Buffer zones تضع حدا لاعتداءات زحفت على أراضيها هناك- وعجزت عن إيقافها بالطرق القانونية بالرغم من جهود ومساندة وزارة تخطيط ولاية الخرطوم- ممثلة في وزيرها الهمام وعضو مجلس الجامعة السابق المهندس عبد الوهاب عثمان ومساعديه الأكارم. لقد ظلت هذه الأراضي خالية لزمن طويل لافتقار الجامعة للمال اللازم لاستمثارها وعدم تجاوب الدولة مع نداءاتها المتكررة للتعاون معها في استثمارها. وأرى أن تستمر الجامعة في محاولة إقناع الدولة بمساعدتها في الاستفادة من بعض هذه الأراضي في تنفيذ مشروعات مثل بناء مركز علمي أو حتى مدينة علمية تعليمية ترفيهية ملحقة بها قبة سماوية، ومن الممكن أن تساعد منظمة اليونسكو في تشييد هذه المدينة، مثل ما فعلت في تونس، وهذه فكرة اقترحها الدكتور الطيب مصطفى- مدير دائرة العلوم باليونسكو، وهو سوداني الجنسية تخرج في جامعة الخرطوم. وربما تفكر الجامعة أيضا في بناء منازل للأساتذة في سوبا بالقرب من الكليات المخطط بناؤها هناك للحد من هجرتهم وإغراء المهاجرين للعودة لها، وكذلك يمكن تحويل منازل الجامعة في بري وحى المطار إلى مجامع شقق سكنية للأساتذة لإسكان أضعاف أعداد الأساتذة الذين يسكنونها حاليا. أما في ما يتعلق باستثمار مزرعة الجامعة في شمبات، فقد برز تفكير في إنشاء حديقة حيوانات في جزء منها، وهذا ممكن لأن مساحتها شاسعة. وفي رأيي أن هذا المشروع، والذي يبدو أن فكرته تروق لبعض مسؤولي الدولة، سيكون مشروعا استثماريا ناجحا للجامعة وأيضا مفيدا أكاديميا لكليات مجمع شمبات، خاصة كلية الطب البيطري، إذ سيوفر ميدانا لتدريب ودراسات الطلاب، وقد يهيئ نقل مستشفى شمبات البيطري برمته إلى جوار الحديقة فيساعد في تطويره. وقد تتيح الحديقة أيضا لطلاب قسم علم الحيوان بكلية العلوم دراسات ميدانية عن سلوك الحيوان في الأسر مقارنة بسلوكه في الحظائر المفتوحة، مثل حظيرة الدندر حيث يتم تدريب طلاب كلية العلوم.
أما في ما يخص وقف البغدادي فهناك رأي بأن الجامعة مقيدة بما نص عليه الوقف بحصر صرف عائد إيراداته المتواضعة حاليا على طلاب كلية الطب، والتي كانت الكلية الطبية الوحيدة بالسودان عندما سن الوقف. لعل المطلوب الآن توخي قدر من المرونة والبحث عن فتوى لتفسير الوقف تسمح للجامعة باستثماره، منفردة أو في إطار شراكة متناقصة مع جهات مقتدرة وطنية أو أجنبية، بدلا من وضعه الحالي الذي يدفع فيه مستأجروه مبالغ زهيدة إيجارات للجامعة لا تفيد كلية الطب أو غيرها. إن من غير المرجح أن تترك الدولة مباني وقف البغدادي المتهالكة في وسط مدينتي الخرطوم وأم درمان على حالها هذا، وربما تفقد الجامعة أراضي هذه العقارات «كما فقدت أراضي أخرى في أماكن أخرى !» إن لم تسارع بتطويرها على نحو يليق بمواقعها في قلب الخرطوم ووسط أم درمان. ولقد اقترح متحدثون في حلقة آفاق الاستثمار بناء فندق استثماري على أرض الجامعة في وسط الخرطوم، ولكني أرى أن من الأنسب تنفيذ هذا المشروع على أرض الجامعة في البجراوية تطويرا لاستراحتها هناك، وذلك لاستقبال زائري آثار المنطقة.
مما تقدم ذكره نخلص إلى أن جامعة الخرطوم غنية جدا بعقاراتها والمطلوب استثمار هذه الثروة بشراكة مع جهات ممولة وطنية أو أجنبية.
وهناك أيضاًً وسائل استثمار أخرى في الجامعة ستدر عليها في رأيي مالا وفيرا مثل مطبعة الجامعة الحديثة وهى من أفضل المطابع في البلاد. إن المطلوب أن تقوم إدارة الاستثمار بجهد إعلامي تسويقي كبير لإمكانات المطبعة، خاصة قدرتها على طباعة الكتب المدرسية العربية والإنجليزية لمراحل التعليم قبل الجامعي مع إمكانية أن تتولى فرق أكاديمية من الجامعة مراجعة تجارب الطباعة، وهذه خدمة نوعية لن تتوافر لدى مطابع منافسة. وهناك كذلك خدمات الجامعة الاستشارية التي يمكن أن تقدمها عبر هيئتها الاستشارية ووحداتها الفنية، إذ أن بالجامعة من الكفاءات الأكاديمية والمهنية ما يجعلها بيت الخبرة الأول في البلاد. وفي ذات السياق أذكر معمل الأحياء البحرية في سواكن التابع لكلية العلوم. لقد تم تشييد مباني جديدة لهذا المعمل بدعم كبير من المهندس حمزة الفاضلابي، مدير هيئة الموانئ البحرية السابق، ويمكن الآن أن يكون مركزا بحثيا جاذبا لطلاب الدراسات العليا والباحثين في المنطقة وجهة استشارية للمستثمرين في المنتوجات البحرية- ومن ثم يصبح استثمارا أكاديميا ناجحا.
لقد تطلب توسع وتطور جامعة الخرطوم تطورا موازيا لإداراتها من حيث عدد العاملين بها ومؤهلاتهم. إن من الضروري أن تهتم الجامعة بشروط خدمة إدارييها، وأن تعد وصفا وظيفيا دقيقا لمهامهم، وفي رأيي أن هذا كله يمكن أن يتم بوضع شروط وظيفية مجزية وتنافسية لهم دون الحاجة لمعادلتهم بأعضاء هيئة التدريس، ولن يمثل ذلك تقليلا لدورهم المحوري في إدارة الجامعة. ويتعين أيضا وضع لوائح لترقياتهم، لا تطابق لوائح الترقيات في الخدمة العامة، بل تراعى التميز في الأداء، وحيث ما كان واردا، إسهامهم البحثي في ترقية نظم وأساليب الإدارة الجامعية، وهناك دوريات عالمية مرموقة لنشر هذا النوع من البحوث. ومن المهم أيضاً الاهتمام بالتدريب المستمر للإداريين في داخل البلاد وخارجها، خاصة بالنسبة للعناصر الشابة منهم، وأن يكونوا دائما ملمين بطرق استخدام تقنيات الاتصال الحديثة في الإدارة. إن الجامعات الكبرى تهتم جداً بالتدريب المستمر لجميع العاملين فيها، ودليل على أهميته وجود برامج تدريب حتى لمديري الجامعات ينظمها من وقت لآخر المجلس البريطاني The British Council
لقد بدأت الحلقات الأخيرة عن إدارة الجامعة ومؤسساتها بالكلمات التالية لوليام إدواردز ديمنغ «1900- 1993م» الذي أصبح اسمه مرادفا لدراسة الجودة ونال احتراما كبيرا على عمله وكتاباته في تطبيق علم الإحصاء في إدارة الأعمال والاقتصاد:
«إن ثروة الأمة الحقيقية تعتمد على مواطنيها، وعلى الإدارة، ونظام الحكم الراشد، أكثر من اعتمادها على مواردها الطبيعية.. المشكلة هى أين تجد الإدارة الجيدة».
إن أسلوب اختيار مدير الجامعة ونائبه كان دائما مثار جدل وخلاف بين أعضاء هيئة التدريس، وهناك من يرى ضرورة اختيارهما بواسطة أعضاء هيئة التدريس في انتخابات مباشرة، بل يرى البعض اختيار وكيل الجامعة وعمدائها بذات الطريقة، وأن يشارك في انتخابهم المعيدون ومساعدو التدريس. وما أعرفه أن ليست هناك طريقة واحدة لاختيار إدارات الجامعات العليا عالميا، حتى في القطر الواحد. ففي أغلب الجامعات البريطانية مثلا تقوم مجالس الجامعات بدعوة أشخاص متميزين، قد لا يكونون حتى أكاديميين أو من داخل الجامعة، لتولي منصب مدير الجامعة. وفي بعض الجامعات الإيطالية العريقة، كجامعة بادوفا مثلا، كان الطلاب يشاركون في انتخاب مديري الجامعات. وفي رأيي أن ما هو مهم أن تتوافر في اختيار شاغلي مناصب الإدارة العليا في الجامعة أهليتهم للمنصب من حيث التميز العلمي وقدرة إدارية مثبتة وحيادية لا تلونها الانتماءات الفكرية والسياسية والحزبية، وحرص على إدارة كافة شؤون الجامعة من داخلها فحسب، دون التقيد بقبول أي إيعاز أو توجيهات من خارجها. فإن توافر كل ذلك فلن يكون مهماً أي أسلوب يتبع في اختيار المدير ونائبه، وإن كنت أرى أن يكون للمدير دائما الحق في اختيار نائبه وفريق العمداء الذي يعمل معه، حتى تكون المجموعة الإدارية بأكملها منسجمة.
إن أكبر تحدٍ يواجه أية إدارة لجامعة الخرطوم هو إدارة المال، لأن الإدارة الناجحة هي التي تحسن إدارة المال المتاح على شحه. ومن المناسب أن أذكر باعتزاز في نهاية هذه الحلقات نموذجا ناصعا لذلك عندما كان الأستاذ محمد صالح حمزة مراقبا ماليا للجامعة. لقد اتسم عهده بشفافية واضحة في إدارة المال العام. وفي ما يلي أعدد قافلة من إنجازات إدارة الجامعة المالية تمت في عهده وتحت إشرافه، وبعضها بمبادرات منه:
1/ بدأت الإدارة المالية آنذاك حوسبة النظام المالي بالجامعة، واستطاعت بالتعاون مع إدارة المعلومات في إدارة الجامعة، أن تطور برنامج محاسبة الكتروني تم تطبيقه بمستوى معقول في الجامعة كما استفادت منه جامعات أخرى.
2/ وسعت الإدارة المالية مواعين اللا مركزية المالية بتفويض صلاحيات صرف رواتب واستحقاقات كثير من منسوبي الجامعة في كلياتها ومجامعها.
3/ أصبحت الإدارة المالية تقوم أسبوعياً بإعداد استحقاقات كليات ووحدات الجامعة من الرسوم الدراسية في القبول العام والقبول على النفقة الخاصة وفق موجهات أعدها نائب مدير الجامعة، ثم يقوم المراقب المالي بإفادة الكليات والوحدات المستفيدة باستحقاقاتها وتنوير مجالس الجامعة المختلفة شفوياً وكتابةً بهذه الاستحقاقات، وبعد ذلك تتم مناقشة خطط الكليات والوحدات لاستغلال المال المخصص لها في اجتماع اسبوعي تحضره إدارة الجامعة العليا ومدير الإدارة الفنية للمعامل وبحضور المراقب المالي ومساعديه وممثلي الكليات والوحدات المستفيدة، ومن ثم يتم صرف المال المستحق وتتابع الإدارة المالية إجراءات التصرف فيه. وفي رأيي أن هذا الترتيب الشفاف قد أفاد مؤسسات الجامعة كثيرا، مع أن المبالغ المخصصة أسبوعياً لم تكن كبيرة جدا، لكن المثل الإنجليزي يقول Little by little a bird builds its nest قشة بقشة يبني الطائر عشه.
4/ أنشأت الجامعة مكتباً منفصلاً لمراجع داخلي لحساباتها، يتبع مباشرة لمدير الجامعة وليس للإدارة المالية، وساد تعاون وثيق بينه والإدارة المالية.
5/ استطاعت الإدارة المالية في عام 2003م أن تكمل قفل جميع حسابات الجامعة لأول مرة منذ عام 1986م، ثم تلا ذلك مراجعة هذه الحسابات بواسطة فريق المراجع العام لحكومة السودان الذي حرر فيما بعد شهادة «رأي المراجع» بسلامة إجراءات قفل الحسابات ومراجعتها.
نشرتها الجامعة- ولأول مرة، في الصحافة السودانية.
6/ نشطت الجامعة ذراعا مهما من أذرع الإدارة المالية هى لجنة العطاءات، التي مقررها المراقب المالي، فعينت رئيسا لها أكاديميا متميزا وإداريا نزيها متجردا مخلصا للجامعة هو الدكتور عثمان إبراهيم عثمان- العميد الأسبق لكلية العلوم- فأرسى فيها أساليب إدارية رفيعة حمايةً للمال العام وضبطا للتصرف فيه، وساعدته في كل ذلك إدارة الجامعة القانونية المقتدرة بقيادة الأستاذة صديقة محمد أحمد المادح.
وأخيرا:
لقد انتهت هذه الحلقات عن جامعة الخرطوم، وأرجو أن يكون بعض من قرأها قد وجد بعض الفائدة في بعض ما قرأه. وإن سألتني ما هو الأثر الذي تتمنى أن تكون قد تركته هذه المقالات في أذهان قارئيها فسأقول أمرين كلاهما محوره «التغيير Change»: أولهما أن تقتنع الدولة السودانية بضرورة تغيير حال الأساتذة الحالي البائس إلى حال أفضل بكثير هم اهل له على كافة الأصعدة. والأمر الثاني أن تقتنع الأسرة الجامعية بضرورة التغيير الذي يطور الجامعة وأن تسعى لإنفاذه. لقد قرأت في عدد فصل ربيع 2010م من مجلة خريجي جامعة ليفربول «أسست عام 1882م»، وهى مجلة ربع سنوية ترسلها هذه الجامعة البريطانية العريقة للذين تخرجوا فيها- عن تطورات وشيكة في هيكلة الجامعة أعجبتني. لقد قررت جامعة ليفربول دمج جميع أقسام الجامعة الأكاديمية في ثلاث كليات جديدة فقط: كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية- كلية العلوم والهندسة، وكلية العلوم الصحية وعلوم الحياة، وأن يكون في المستوى الأكاديمي الإداري الثاني في هذه الكليات مدارس ثم الأقسام في المستوى الثالث الأخير. لقد قال مدير جامعة ليفربول السير هوارد نيوبي في تبريره هذا الترتيب: «الغرض من إعادة التنظيم على هذا النحو إيجاد تفويض أكبر لاتخاذ القرار والتحكم في الميزانية- وقدرة أكبر للتجاوب مع تحديات الدراسات المتداخلة في التدريس والبحث، وتأمين دعم متوازن من خارج الجامعة للبرامج الأكاديمية- وتحرير زمن الأساتذة من إلهاءات العمل الإداري، واستغلال أفضل لإمكانات محدودة في التدريس والبحث». أليست هذه أيضا أهدافنا في جامعة الخرطوم؟ ألا يتطلب تحقيقها التغيير؟ علينا ألا نخشى التغيير المفيد مهما بدا لأول وهلة جذرياً بعيد الأثر.
شكرا لصحيفة «الصحافة» ورئيس تحريرها الفاضل الأستاذ النور أحمد النور، لاستضافتي على صفحاتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.