فجعت بلادنا يوم أمس برحيل قمة سامقة، حيث ودعت مدينة أم درمان أحد رجالات السودان الأوفياء، الدكتور كامل شوقي الخبير الزراعي الملقب ب ( ابو الغابات)، نظراً لجهده المضني علمياً ومهنياً في حماية وتطوير قطاع الغابات . كان الفقيد من الإداريين الأفذاذ والناشطين في مجالات العمل الطوعي من أزمان باكرة، كما كان له إسهام بارز في حركة التعليم من خلال مشروعات الأحفاد التعليمية، حتى ترأس مجلس أمناء جامعة الأحفاد. والفقيد من مؤسسي منتدى أبناء أم درمان، والرئيس الأسبق للمنتدى، وظل مرجعاً وواجهة مشرفة لمدينته أم درمان . من ملاحظاتي الشخصية أن المرحوم الدكتور/ كامل شوقي كان حريصاً، وبعد إحالته للتقاعد، على المشاركة في المنتديات وورش العمل الخاصة بالبيئة والتغير المناخي والغابات والتصحر، وكانت له آراء علمية قوية في كل ذلك، شأنه في هذا شأن شخصيات أخرى كانت تعجبني مشاركاتهم العامة، وطرحهم للعلم والمعلومات الرائعة لديهم بلا منٍ ولا أذى. أولهم المرحوم السفير بشير البكري سفير السودان لدى اليونسكو وفي عدة دول، الذي مات عن عمر يناهز التسعين عاما، وحتى آخر أيام حياته كان يشارك في المنتديات وورش العمل بلا كلل. وثانيهما المرحوم إبراهيم منعم منصور وزير المالية الأسبق، والذي ترك مذكرات رائعة تستحق أن تدرس في كليات الاقتصاد، وكليات إدارة الأعمال بالجامعات السودانية، وكان بدوره لا يتردد في المشاركة في المنتديات وورش العمل، مع العضوية في عدد من مراكز البحوث المحترمة. وثالثهما المرحوم الدكتور كامل شوقي (أبو الغابات.( والذي كما أسلفت كان نشطاً في المشاركات العلمية المختلفة. لم يوقفه المرض أو التقدم في السن. ورابع العلماء الذين وددت الإشارة اليهم والإشادة بهم البروفسيور علي شمو امد الله في أيامه، هذا العالم الجهبذ، موطأ الأكناف، واسع العلم والبصيرة. كنت أختلس دقائق بعد صلاة الجمعة في مسجد حاجة النية بالصافية، حيث نصلي سوياً، لأجلس إليه، أسأله في موضوع ما فينساب علماً ومعرفة، وذكريات منتجة ومفيدة. إحاطة شاملة بالإعلام قديمه والحديث، ومعرفة عميقة بقضايا الشباب والرياضة، وغير ذلك مما يحيط به علمه الواسع الغزير. وخامس العلماء المعاصرين البروفسيور مصطفى عمر نواري، أستاذ الهندسة بجامعة الخرطوم والجامعات البريطانية، أمد الله في أيامه. العالم المتواضع المبتسم دائماً، والذي يدهشك بإحاطته التامة بتقانة المعلومات والاتصالات، وما مرت به من تطورات منذ السبعينيات وحتى اليوم. هؤلاء العلماء وأمثالهم هم ذاكرة الأمة، وليت بعض الباحثين الشباب يسعون نحو تجميع وتوثيق تجربة هذه القامات السامقة في كتب وتسجيلات صوتية وبالفيديو. وليت المسئولين في مختلف المجالات يستعينون بتجربة هؤلاء القامات في معالجة ما يواجهون من مشكلات، لوجود التطابق الكبير في مشكلات السودان السابقة والحالية.