بعض الحكاوي والقصص فوق انها مسلية وممتعة وثرية بالمضامين الاجتماعية والانسانية وتمس مباشرة عناصر الاثارة والتشويق وتراود العاطفة وتخلق حالة وجدانية وانسانية بمقدار مساحة الفرح والحزن فيها ، فوق ذلك كله تعتبر مفتاحا لمعرفة اخلاق المجتمع وسيرته وقيمه وتاريخه والثقافة العامة السائدة فيه والرؤى التي يسّير بها المجتمع أحواله واموره ، ومن هنا فان العبرة التي تحتشد بها هذه القصص جديرة بالسرد لربط الحاضر بالماضي ، وفي هذا الإطار تأتي حكايتنا التي لا نبتغي منها الا نقل مشهد مشرف لاحد قادتنا في الإدارة الأهلية الا وهو العمدة (سعد ود الضو) عمدة المكنية وكلي الذي وجه حديثا في ذلك اليوم المشهود للسكرتير الاداري ماكمايل الذي زار مركز شندي للوقوف على مشكلة نشبت بين الجعليين وإحدى قبائل المنطقة حول ايلولة نصف وادي الهواد للقبيلة الاخرى حيث امر بذلك مفتش مركز شندي وهو غير معمول به اصلا حيث كان تقسيم الوادي ثلاثة ارباع الجعليين وربع للقبيلة الاخرى ، وصف سعد ود الضو في ذلك الاجتماع الذي ضم زعماء الادارة الاهلية بحضور ناظر الجعليين ، وصفه بانه صغير السن وليس له من الخبرة الكافية في أعراف القبائل وبالتالي هو من تسبب في المشكلة ، حديث العمدة سعد اغضب السكرتير الاداري الذي رأى في الحديث اهانة لمنظومة الحكم الانجليزي ووجه على الفور بفصل العمدة ود الضو ، تواترت اخبار فصل العمدة ووصلت الحاكم العام (مستر استيورت سايموز) الذي وجه انتقاداً قويا ولاذعاً للسكرتير الاداري وأهداه درساً في الفضاء المفتوح قائلا ان بريطانيا لم تحكم هذه المستعمرات بقوة شعبها ولا بمثل هذه الحماقة ، حكمتها فقط بتحقيق العدل والانصاف وبالتالي امره بالاعتذار للعمدة ود الضو وإعادته مرة اخرى عمدة كما كان ، لم يجد السكرتير الاداري بداً من العودة لشندي حيث طلب ان يحضر اليه سعد ود الضو إلا انه رفض وطلب ان يحضر اليه السكرتير الاداري ويعتذر له على رؤوس الاشهاد بين اهله في المكنية وكلي ، انصاع السكرتير الاداري ونفذ رغبة العمدة سعد ود الضو وكان الاعتذار وتطييب الخاطر ، فكان يوما مشهوداً من ايام الكرامة السودانية واحترام الارادة السودانية التي لا يمكن ان يهدرها مستهتر نذق لا يعرف تاريخ هذا البلد العريق مهما كان شأنه وموقعه من السلطة . الجدير بالذكر ان العمدة سعد ود الضو خريج كلية غردون ولم يكن عمدة تقليدياً بل كان واسع الأفق يعرف كيف يمارس دوره ويحافظ على كرامة البلد وإنسانه .