قال أحد الفلاسفة عندما سُئل عن مدى شجاعته، أنه (ليس جباناً ولكنه حذر)!. وكذلك أنا، لستُ جباناً ولكني حذر جداً في التسفار بالطائرات مابين ولايات السودان المختلفة، ولا أظن أن أحدكم سيلومني على ذلك، في ظل مابتنا نشاهده مؤخراً من سقوط (تيلماتشي) للطائرات، ومشاكل عديدة يواجهها ذلك القطاع الحيوي الذي حيَّر (العدو والصديق). وسر الرمية أعلاه كما يقول أستاذنا البوني هي الأحاديث التي ظلَّ يرددها الصديقان العزيزان والأستاذان الكبيران محمد عبد القادر (أبو حباب) نائب رئيس تحرير الرأي العام الغراء، ووجدي الكردي، رئيس تحرير صحيفة حكايات الحبيبة؛ تلك الأحاديث التي كانا يرتكزان فيها على عبارة واحدة: (دندش بخاف من الطيارة)، ولكنهما لم يدققا أكثر ويبحثان عن السبب الذي يجعل (عزابي) مثلي يخاف من ركوب الطائرات، (يعني ياوجدي لاعندي عيل ولا تيل.. طيب البخوفني شنو)؟. نعود لبداية القصة عندما وصلتني دعوة من الأخ الجميل حسب الله صالح، من الصندوق القومي لمساعدة الشباب على الزواج، لمرافقتهم لمدينة بورتسودان للاحتفال بإطلاق (500) زيجة هناك؛ تلك الدعوة الأنيقة التى لم يفسدها إلا إخطاره لي في نهاية المحادثة الهاتفية التي جمعتني به بأننا سنسافر بالطائرة، وأصدقكم القول أنني بذلت مجهوداً جباراً للسيطرة على أعصابي قبل أن أسأله عن أسماء الصحافيين المرافقين، وأُصِبتُ بالارتياح بكل أمانة عندما علمت أن (ابو حباب وأبو كريم) ضمن الوفد؛ لذلك لم أتردد وقبلت الدعوة برغم تلك الصورة التي كانت تراودني عن إمكانية ما يمكن حدوثه.! وصلنا للمطار وصعدنا للطائرة، وما إن بدأت في التحرك حتى بدأ (أبو حباب) يروي عن ذكرياته (غير المحببة) مع الطائرات، بينما أمسك الكردي بصحيفة ظلَّ يطالعها بهدوء حتى إقلاع الطائرة، والتي مرت من هذا الامتحان بسلام، وكذلك أنا، انتابني بعض الهدوء حتى وصلنا لمشارف مدينة بورتسودان، حيث عاودني الرعب مرة أخرى والطائرة تتأرجح بصورة عنيفة بفعل بعض مطبات الهواء والجبال المحيطة بالمدينة، لأقوم بسؤال أبو حباب عما يحدث ليقول لي وببساطة: (احتمال دايرة تقع)، التفتُّ للكردي فوجدته غارقاً في النوم أيقظته وقلت له: (إنت يازول نائم وماجايب خبر؟)، فرد عليَّ ببساطة وبلهجته النوبية المميزة: (عادي ياخي..ماتَشَغّلا لينا). صمتُّ تماماً وأيقنت أنني برفقة إثنين لابد أن المنية وافتهما في وقت سابق، بحيث صار لايهمها سقوط طائرة أو ديالو. جدعة: أجمل لقب يمكن أن أطلقه على أبو حباب والكردي هو لقب (حُجاج موت)، وذلك ليقيني التام أنهما (ماتا قبل هذه الرحلة أكثر من مرة).!!! شربكة أخيرة: بالتأكيد لم نعد للخرطوم بالطائرة وإنما بالبر، وذلك ارتكازاً على مقولة قديمة تقول: (الفي البَر عوام)!.