لواء ركن (م) بابكر إبراهيم نصار* جاء في الأخبار أن وفداً من حركة العدل والمساواة اجتمع في القاهرة خلال شهر فبراير الماضي مع وفد من حزب الحرية والعدالة. وقال وليد حَدَّاد، الناطق الرسمي باسم الحرية والعدالة (أن مصر تقف مع خيار الشعب السوداني. وتدعم الحرية وتحرير الشعوب من الظلم، وأن مصر الثورة تقف دائماً مع تطلعات الشعوب من أجل الحرية والديمقراطية). وقال (يجب أن تستمر العلاقات إلى أن تتضح الصورة ويتم التواصل مع كافة القوى السياسية على الساحة السودانية، حتى تتحقق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية والكرامة الإنسانية). كاد التصريح أن يكون معقولاً إذا صَدَرَ من الخارجية المصرية أو جهاز المخابرات المصري. وكنا نعتبره موقفاً رسميَّاًَ لدولة مصر. وكنا نقول أن ساسية مصر لم تتغير تجاه السودان، وأن مصر لا زال يحكمها الرئيس حسني مبارك، وكنا نقول أن مصر تريد تحويل ملف قضية دارفور من الدوحة إلى القاهرة. ولكن أن يصدر هذا التصريح من الناطق الرسمي لحزب الحرية والعدالة الحاكم حالياً في مصر فهذا مستغرب. ونعتقد أن الناطق باسم الحرية والعدالة (وليد حداد) لم يرجع إلى قيادة حزبه قبل الإدلاء بهذا التصريح، وربما لا يعرف طبيعة الخلاف والصراع الدائر في إقليم دارفور بين حكومة المركز في الخرطوم وبين حركة العدل والمساواة. وربما لا يعرف أن حركة العدل والمساواة هي الجناح المسلح الذي يخوض الحرب ضد الحكومة في إقليم دارفور، كما أنه ربما لا يعرف الروابط القوية بين حزبه، الحرية والعدالة، وبين حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان. وربما رَبَطَ بين اسم الحرية والعدالة واسم العدل والمساواة، ووجدهما متشابهان فاختلط عليه الأمر وتشابه عليه البقر. وكادت تصريحات السيد وليد السالبة أن تَمرّ كأنها أمراً طبيعياً، عندما قَلَّل وزير الإعلام السوداني الناطق الرسمي للدولة الدكتور أحمد بلال من هذا الأمر، ولم يبدِ أي احتجاجٍ، وقال، فيما معناه، أن هذا الأمر لا يزعج السودان وأن وجود المعارضة في مصر خيرٌ للسودان من وجودها خارج مصر. ونعتقد أن الدكتور بلال لم يرجع إلى وزارة الخارجية لاستطلاع الأمر، والتنسيق معها قبل الإدلاء بهذا التصريح. بعد ذلك تَدَخَّلت الخارجية السودانية ووضعت الأمور في نصابها الصحيح؛ البداية كانت من السفير عوض عطا، مدير إدارة مصر في الخارجية السودانية، الذي أشار إلى جملة من الخلافات بين السودان ومصر. واتهم مصر بالتلكؤ في توقيع اتفاقيات الحريات الأربع، ومماطلة مصر في إعادة ما لا يقل عن مائة سيارة وأجهزة تنقيب عن الذهب صادرها الأمن المصري من سودانيين تم اعتقالهم العام الماضي لدخولهم الأراضي المصرية عن طريق الخطأ. وقال أن مصر رَفَضَت توقيع اتفاقية لتبادل المجرمين مع السودان. وبخصوص قضية (حلايب) قال السفير أن الحكومة السودانية جَددت، مطلع العام الحالي، اعتراضها لدى مجلس الأمن ما يخصها في ملف حلايب. أما موضوع وجود عناصر العدل والمساواة في مصر تناوَلَه سفير السودان في مصر كمال حسن علي بعنف، ونقل احتجاج حكومة السودان الرسمي للسلطات المصرية، كما احتج السيد السفير على مواضيع أخرى؛ مثل المجموعات السودانية في مصر التي طالبت بحق اللجوء السياسي ولها ملفات في مكاتب الأممالمتحدة، ولكنها انخرطت في عمل سياسي مضاد للسودان، وقال أيضاً أن السفارة السودانية في القاهرة تَعَرَّضت لوقفات احتجاجية من بعض المعارضين، وحاول بعضهم اقتحام السفارة. وقال السيد السفير أن بعض المُوَقِّعين على وثيقة (الفجر الجديد) في كمبالا دَشَّنوا نشاطهم السياسي وأقاموا الندوات في القاهرة. ويبدوا أن ردة فعل وزارة الخارجية السودانية وسفير السودان في القاهرة، ونشر احتجاج السيد السفير في الصحافة المصرية، حَرَّك حزب الحرية والعدالة الحاكم في مصر إذ قال الدكتور عصام العريان، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، أن العداء أصبح على السودان كبير من يوغندا. وأن السودان لديه مشاكل كثيرة، وطالب الدول العربية بإيجاد موطئ قدم فيه. وقال جمال حشمت نائب رئيس حزب الحرية والعدالة أن جنوب السودان انفصل عندما غابت مصر. بعد ذلك جاءت زيارة رئيس حزب الحرية والعدالة (الدكتور محمد سعد الكتاتني) للسودان في منتصف هذا الشهر لإزالة ما عَلِقَ بالنفوس، وتوضيح الموقف المصري في مختلف القضايا الثنائية. وأعلن عن زيارة مرتقبة للرئيس المصري الدكتور محمد مرسي للسودان في بداية إبريل القادم. ونتوقع أن تقوم السلطات المصرية بإبعاد عناصر العدل والمساواة خارج مصر، أو منعهم من أي نشاطٍ سياسي ضد الحكومة قبل الزيارة المرتقبة للرئيس مرسي للسودان. ولاحظنا أن السيد وليد حداد الناطق باسم حزب الحرية والعدالة، الذي أطلق التصريحات في القاهرة بعد اجتماعه مع وفد حركة العدل والمساواة، كان ضمن الوفد الذي رافق الدكتور الكتاتني في زيارته للسودان، وتم تعريفه بنائب أمين العلاقات الخارجية في حزب الحرية والعدالة. ونعتقد أن السيد وليد حداد أدرك أَبعَاد تصريحاته التي أدلى بها في القاهرة، وأدرك خطئه لأنه أعرب عن تفاؤله في أن تثمر هذه الزيارة خيراً لمصلحة الحزبين. وقال جئنا بغرض نقل الخبرات، لأن للمؤتمر الوطنى باع طويل ونحتاج إلى نقل تجربته لنا عبر هذه الزيارات. وإذا تناولنا تعامل بعض المسؤولين في مصر والسودان مع قضايا الخلاف بين البلدين نجد فيها الكثير من التناقضات، وعدم وجود أي تنسيق بين الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة. وإذا أخذنا جانب مصر نلاحظ أن ما صَدَر من تصريحات في هذه الأزمة الطارئة، صَدَر عن أعضاءٍ نافذين في حزب الحرية والعدالة ولم يصدر أي شيء من وزارة الخارجية المصرية. وامتد هذا الصمت إلى سفارة مصر بالسودان عندما رفض السيد السفير المصري بالخرطوم وطاقمه المعاون الإدلاء بأية تصريحات في هذا الشأن، عندما طلب منهم الصحفي السوداني الأستاذ شبارقة توضيح موقف مصر من زيارة وفد العدل والمساواة لمصر. أما الجانب السوداني نجد أنه أحسن حالاً؛ إذ تصدت الخارجية السودانية، ممثلةً في مدير إدارة مصر في الخارجية السودانية، وممثله سفير السودان في القاهرة لهذا الموضوع، وتم احتواء التصريحات التي أدلى بها الدكتور أحمد بلال وزير الإعلام الناطق باسم الحكومة. ونتساءل هنا: لماذا لا يكون منصب وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الدولة من نصيب الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) لتحاشي التضارب في التصريحات؟. وبمناسبة وزارة الإعلام في السودان، نشير إلى أنها دائماً تذهب إلى أحزاب أخرى متعاونة مع المؤتمر الوطني، وتَقَلَّدَها من قبل ثلاثة وزراء من حزب الأمة بمختلف مسمياته (عبد الله أحمد عبد الله، ثم الزهاوي إبراهيم مالك، ثم الشهيد دكتور غازي) كما تولاها ثلاثة آخرين، آخرهم الدكتور أحمد بلال من الاتحادى الديمقراطي المسجل. ويُلاحظ بعد هذا السرد أن هناك الكثير من المشاكل والاختلافات المسكوت عليها بين السودان ومصر، بالرغم من تشكيل اللجان الوزارية على أعلى المستويات. ونأمل أن تكون زيارة الرئيس المصري الدكتور مرسي المرتقبة للسودان ذات حلول نهائية لمعظم هذه المشاكل حتى تكون العلاقات الثنائية تحررت تماماً منذ 25/1/2011م، كما كان يأمل الدكتور نبيل العربي أول وزير خارجية لمصر بعد زوال نظام حسني مبارك. وأخيراً نعتقد أن مشكلة حلايب سوف تكون هي أم المشاكل بين الدولتين؛ فخلال الأسبوع الماضي أشار السيد محمد طاهر إيلا، والي البحر الأحمر، إلى صعوبة اكتمال الطريق البرّي بين مصر والسودان الذي يمر عبر ولايته ما لم يتم حل مشكلة حلايب لعدم معرفة الحدود، وأن يتم ختم الجواز السوداني. ونرى أن الحل المقترح أن تكون منطقة حلايب منطقة حرة ومنطقة تكامل هو الحل المتاح حالياً، ويجب اتخاذ القرارات من الدولتين وسن القوانين واللوائح المصاحبة لتنفيذها فوراً. وإذا تَعَثَّر ذلك لأي سبب، فلا مناص من الذهاب إلى محكمة العدل الدولية وعلى الجانبين قبول قرار المحكمة وطي هذا الملف نهائياً. الملحق العسكري الأسبق في إثيوبيا