المعتقلون السياسيون... عربون المصالحة! تقرير: خالد أحمد - لينا يعقوب بالأمس، اتصلت أسرة أحد المعتقلين تستفسر إن كان عفو الرئيس بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين يشمل "ابنها"، فالآمال اتسعت لدى الأسر والمتهمين في آن واحد، ذلك لأن مصطلح "معتقل سياسي" كلمة فضفاضة يمكن أن تضم تحتها عدداً من أولئك الذين يقبعون داخل السجون أو الصالات الفخيمة المغلقة. ويبدو أن حديثاً تناقلته المجالس منذ نهار أمس، منسوباً إلى السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية عماد سيد أحمد أن العفو الرئاسي يشمل متهمي "الانقلابية" و"الفجر الجديد"، وعدداً من معتقلي الحركات المسلحة الدارفورية وقطاع الشمال، ساهم بشكل مباشر في اتساع دائرة التوقعات حول "المفرج والمعفي عنهم". فالرئيس لم يحدد في خطابه بالبرلمان فئة دون الأخرى... (السوداني) رابطت حتى الساعات الأولى من صباح اليوم أما سجن كوبر، لترصد عملية إطلاق سراح معتقلي "الفجر الجديد".. في البدء أكد من تحدث للصحيفة أنهم لم يخطروا رسمياً بالعفو وإن أبدوا ترحيبهم به، سعاد عبدالعاطي زوجة العميد (م) عبدالعزيز خالد، رحبت بخطوة إطلاق سراح المعتقلين، بالرغم من ظروف اعتقالهم السيئة في الحبس الانفرادي... بوابة السجن العتيق ازدحمت بأبناء وأسر وأصدقاء المعتقلين، على أمل أن يتم الإفراج عنهم. مصادر مؤكدة من داخل القصر أشارت إلى أن المقصودين بالمفرج عنهم هم متهمو "الفجر الجديد"، وقدامى معتقلي المؤتمر الشعبي، وأوضحت أن المتهمين بالمحاولة الانقلابية ليسوا من ضمن المعفي عنهم، خاصة أن محاكماتهم تجري الآن واعتبرت مصادر أخرى في حديثها مع (السوداني) أن الخطوة جاءت نتيجة انفتاح البلاد للحوار مع كافة الأطياف، من قوى سياسية أو حركات مسلحة، حيث جاءت بعد اتفاق تم بين الحكومة وحركة العدل والمساواة في الدوحة، وقبل مفاوضات من المتوقع أن تجرى بين الحكومة وقطاع الشمال في أديس أبابا وبين أخرى داخلية قد تحدث بين الإسلاميين أنفسهم. معتقلو الفجر الجديد.. عربون التصالح وسط أجواء التفاؤل التي بدأت منذ فتح الحوار بين النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ومساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي د. علي الحاج بألمانيا، أطلق الرئيس البشير الدعوة للحوار والتي انتهت بالأمس باطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، حيث قال خلال خطابه أمام الهيئة التشريعية القومية "نؤكد أننا سنمضي في الاتصالات مع القوى السياسية والاجتماعية كافة، دون عزلٍ أو استثناءٍ لأحد، بما في ذلك المجموعات التي تحمل السلاح" وزاد "وقد كفلنا مناخ الحريات وتأمين حرية التعبير للأفراد والجماعات، وتأكيداً لذلك فإننا نعلن قرارنا بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ونجدد التزامنا بتهيئة المناخ لكافة القوى السياسية التي أدعوها إلى إعلان استعدادها للحوار الجاد والتفاهم حول الآليات التي تنظم ذلك الحوار"، ووجه شكره للقوى التي سارعت نحو الحوار الذي قال فيه "نريده حواراً للجميع، فالسودان وطن يسع الجميع، بثقافته وتنوعه وتاريخه ومستقبله". وبهذه الكلمات فتح البشير الطريق واسعاً لعملية المصالحة والوفاق مع قوى المعارضة التي تلقت الخبر بابتسامة حذره حيث قال رئيس قوى الإجماع الوطني فاروق أبوعيسى إن إطلاق سراح المعتقلين يعتبر خطوة جيدة ونحييها ومنتظرين بقية "الوجبة" في تهيئة المناخ السياسي وإيقاف الحرب. وطالب بأن يتم إطلاق جميع المعتقلين بمن فيهم المعتقلون في جنوب كردفان والنيل الازرق، مشيراً إلى أنه خلال لقائه مساعد رئيس الجمهورية العقيد/ عبدالرحمن الصادق نقل له رؤية المعارضة حول الحوار وأنهم لديهم خياران إما إحداث التغيير عبر الثورة أم يقوم النظام بإصلاحات جذرية تضمن التحول الديمقراطي الكامل الذي يقوم على تفكيك نظام الحزب الواحد والاتفاق على فترة انتقالية وحكومة انتقالية يشارك فيها حتى المؤتمر الوطني، تعد لمؤتمر دستوري شامل وإعادة هيكلة الدولة. فيما رحب المتحدث الرسمي باسم الحزب الشيوعي يوسف حسين في تصريح ل(السوداني) بقرار إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، مبدياً تحفظاً على دعوة الحكومة للحوار الوطني، وقال إن هناك عدداً من السيناريوهات الجارية محلياً ودولياً على طريق الهبوط الناعم للنظام، وفي السياق وصف حزب الأمة القومي إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح تحتاج لإجراءات إضافية، وقال رئيس دائرة الاتصال السياسي بالحزب عبدالجليل الباشا إن الحوار من حيث المبدأ وكوسيلة حضارية لحل الخلافات والنزاعات لا خلاف عليه، لكنه أوضح أن فجوة الثقة بين الحكومة والمعارضة تتطلب إجراءات عملية لتأكيد مصداقية الحكومة في الحوار، مبيناً أن الإجراءات المطلوبة لهذه الثقة تتمثل في تهيئة الحوار وإتاحة الحريات والدعوة بصورة واضحة لمؤتمر قومي دستوري يشارك فيه الجميع من أجل حوار حقيقي في القضايا الوطنية للوصول إلى حلول لقضايا البلاد، فيما اعتبر الأمين السياسي كمال عمر إطلاق سراح المعتقلين ليس بهبة من (الوطني) وإنما حق دستوري، ووصف القرار بالإيجابي لكنه أعاب عليه عدم اشتماله على الحريات وتعديل ما اسماها بالقوانين القمعية. رفاق كمبالا.. صورة مكبرة إذا حاولنا الاقتراب بصورة مكبرة من المعتقلين على ذمة توقيع ميثاق الفجر الجديد سنجد في مقدمتهم رئيس المجلس المركزي للتحالف الوطني السوداني العميد (م) عبدالعزيز خالد الذي كان يعلم أنه سيعتقل، إلا أنه سافر إلى كمبالا، وفور عودته تم اعتقاله من منزله، ويبدو أن الخلفية العسكرية للرجل جعلته يبتعد من مراوغة السياسيين ويذهب إلى تحدي العسكرية، وهو الذي خرج في بواكير نظام الإنقاذ وأسس مع عدد من ضباط القوات المسلحة مايعرف القيادة الشرعية وبعدها انشق عنهم ليذهب إلى أسمرا ويؤسس قوات التحالف التي فتحت جبهة عسكرية في الشرق والنيل الأزرق. أما القيادي بالحركة الاتحادية بروفيسور محمد زين العابدين الذي اعتقل في فترات سابقة يعد من أقوى الشخصيات الاتحادية التي تتبنى مواقف قوية تجاه التعامل مع النظام واعتقل في فترة سابقة بعد سلسلة مقالات انتقد فيها النظام. القيادية بالحزب الناصري انتصار العقلي، أيضاً تم اعتقالها في أجواء اعتقالات موقعي ميثاق كمبالا، وهي المرأة الوحيدة المعتقلة، حيث قال القيادي بحزبها المحامي ساطع الحاج إنه تلقى اتصالاً من مكتب مساعد الرئيس عبدالرحمن الصادق يؤكد خبر إطلاق سراح المعتقلين بمن فيهم انتصار. أما عضو هيئة قيادة الحزب الاتحادي هشام المفتي فقد تم اعتقاله منذ يناير الماضي وهو دكتور صيدلي وقيادي أيضاً في الحركة الاتحادية. رئيس حزب الوسط د. يوسف الكودة اعتقل أيضاً عقب زيارته العاصمة اليوغندية كمبالا وتوقيعه على اتفاق مع الجبهة الثورية واعتقل فور وصوله المطار. الكودة تقلب كثيراً في العمل السياسي فبعد أن كان يصالح نظام الإنقاذ عاد وبدأ الانقلاب عليه بشكل تدريجي إلى أن أعلن انضامه لقوى الإجماع الوطني، وهو شخصية تسبب ازعاجاً شديداً للنظام باعتباره يتحدث بالخطاب الإسلامي داخل قوى المعارضة، ويعتبر اعتقاله بعد التوقيع على الاتفاق بمثابة انعطاف مهم في تاريخه السياسي. متهمو التخريبية... في انتظار الإفراج في الأونة الأخيرة كانت الصحف تتسابق فيما بينها من حين لآخر بنشر أخبار محاكمات متهمي المحاولة الانقلابية الذين قسموا إلى فئتين، مدنية وعسكرية.. وربما لأن الأنباء التي كانت تتسرب أشارت إلى أن أولئك المتهمين سيفرج عنهم، فقد توقع البعض أن يكون مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق الفريق أول/ صلاح قوش، وود إبراهيم ضمن المفرج عنهم، إلا أن وزير الإعلام أحمد بلال نفى ل(السوداني) صحة الأمر، فأصبح أمرهم معلقاً، فبعد أن تسرب خبر بدء المحاكمات العسكرية للشق العسكري من المتهمين، جلستان فقط تسربتا إلى وسائل الإعلام حول محاكمة 12 عسكرياً من متهمي تقويض النظام في الخرطوم، وقد أشار البعض إلى أن الجلسة المقرر عقدها خلال الأسبوع من المقرر أن تصدر حكماً حول هذه القضية... وقد حاول عدد من الشخصيات البارز قيادة مبادرة لإطلاق سراحهم غير أنها باءت بالفشل بعد تمسك قيادات بارزة في المؤتمر الوطني كمندور المهدي الذي أعلن أكثر من مرة أن المتهمين في المحاولة الانقلابية أدلوا خلال التحقيق معهم باعترافات موثقة تؤكد تخطيطهم للإطاحة نظام الحكم، وأن محاولتهم كانت على وشك التنفيذ، بل أعرب عن أسفه بسبب أن المتهمين من الضباط الإسلاميين الذين ينتمون إلى الحركة الإسلامية وكان لهم دور كبير في الحفاظ على النظام الحاكم. أيضا من المعتقلين في محاولات تخريبية سابقة خمسة من منسوبي المؤتمر الشعبي بقيادة يوسف لبس الذي يعد من أخطر السياسيين الإسلاميين حيث تتهمة السلطات بوجود علاقة بينه وحركة العدل والمساواة وتتخوف في حال إطلاق سراحه أن يقود حركة العدل والمساواة بنفسه لذلك حتى في العفو الرئاسي الذي كان قبل فترة لم يشملهم اطلاق السراح وهم مضوا في السجن مايقارب العقد من الزمان. ومع ذلك، تبقى المفاجآت قائمة والأبواب مشرعة لأي احتمالات خلال الفترة القليلة المقبلة والتي بدأت الساحة السياسية تشهد فيها حراكاً واسعاً، أهمها حوار المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي المرتقب ومفاوضات الحكومة وقطاع الشمال.