كثيرة هي الشوارع والطرق المسماة ب(الحرية) في كل دول المعمورة.. وأشهر شارعي حرية بالسودان، يوجدان بالخرطوم وبود مدني.. بالعاصمة يتعامد شارع الحرية مع شارع الجمهورية.. وبمدني يتوازى شارع الحرية مع شارع الجمهورية ويقع إلى الغرب منه مباشرة.. شارع (حريتنا) بودمدني، يبدو وكأنه منتدىً عاماً؛ حيث تكثر به الأنشطة التجارية وتتنوع، كما تركزت به ورش صيانة السيارات (الطياري) وما يتبعها من أنشطة مرافقة وستات شاي، تساعد عليه كثافة الأشجار الظليلة وطيبة ناس مدني وتوادهم وتراحمهم.. في زماننا الصعب هذا، يجد (ناس شارع الحرية) الوقت الكثير، للتفاكر في الأوضاع السياسية، وللتناقر في الأوضاع الرياضية.. وكلاهما يتشابهان.. مما جميعه. أخونا يعقوب، صاحب الكير واللحام، إصطادني بالخميس الفائت ليسألني عن حلم أو كابوس أو حقيقة مرت به مساء وليل الأربعاء، فلقد تعود على ترك التلفزيون على إحدى الفضائيات الإخبارية، يشاهد قليلاً ويسمع كثيراً وينام، ما بين المشاهدة والسماع، حسب تعب النهار.. قال يعقوب إنه زي سمع ولا حلم أن الأستاذ/ علي عثمان قد ترك الحكومة، وطلب مني أن (أفك ليهو حيرته هذه)، والرجوع للصحف للتأكيد أو النفي.. فناولته على الفور صحيفة "السوداني" وبصفحتها الأولى وبعرض (مانشيتاتها الثلاثة الرئيسة) صورة للبساط الأحمر على سلم ينزل (أو يترجل) منه الأستاذ/ علي عثمان محمد طه.. صورة تشبه ما رآه "يعقوب" من حلم أو رؤية أو تهيؤات أو هضربة أو ما سمعه من الفضائية وهي تذكر بحصاد الأخبار لليلة الأمس.. قرأ يعقوب أخبار الأمس.. وبها ما بها من أخبار الإصلاح والتغيير (والتباديل والتوافيق) السياسية.. وهاله كم الحراك السياسي الضخم، وكذا المتوقع من تداعيات جديدة محتملة.. بعفوية شديدة، صاح يعقوب: ده كله بسبب انتفاضة مدني!!!.. فاجأني هذا العامل البسيط، بتفكيره المركب والعميق، وكذلك بسرعة بديهيته وإستدعائه للأحداث الأخيرة وربطها بما يجري الآن من أحداث متواترة ومتسارعة.. ثم الجُملة المُحكَمَة: ده كله بسبب انتفاضة مدني!!.. لو سألنا كل المشتغلين بالتحليل السياسي بوطني الحبيب، إلى أي سبب ترجع الأحداث الآنية؟ لما حصلنا على ذات الإجابة (أو التساؤل) الذي صاح به يعقوب.. صحيح أن ودمدني بادرت، كعادتها في شتى المجالات وفي كل العصور، ليخرج أبناؤها لتصحيح المسار.. ولا لشيء آخر كما توهم البعض.. وليعلنوا أنهم الأكثر تضرراً من القرارات الاقتصادية، قاصمة الظهر، الأخيرة.. اللهم حقق لنا التغيير والإصلاح المنشود بأقل الخسارات، ويسر نزع السلطة من المتشبثين، وهيئ للأكفاء القادرين فرص العطاء، وادعمنا بما يساعد على نهضتنا وقيام دولتنا من كبوتها.. واحفظ بلادنا من كل سوء.. آمين