البشير وسلفاكير ..لقاء فوق العادة تقرير: سوسن محجوب- محمد حمدان تصوير: سعيد عباس شخصية" جنوبية" كانت ترسل تطمينات بالزيارة ومطرف صديق اعطى الضوء الأخضر لهذا السبب لم يستقبل سلفاكير الوفد في المطار تعمدت مراسم دولة الجنوب أن يصطحب أي وزير جنوبي في عربته نظيره في الشمال جدل حول الاتفاق على قوات مشتركة لحماية البترول تناول البشير وجبة الغداء بدعوة من رجل الأعمال أمين عكاشة كانت تضج بالأكلات (البلدية) السودانية والمفاجأة أن المائدة حوت على "حلاوة مولد" الهواتف الآمنة بين الخرطوموجوبا كانت تضج حول إمكانية زيارة الرئيس المشير عمر البشير إلى جوبا خاصة من الناحية الأمنية إلا أن أهمية الزيارة كانت تطغى على كل الهواجس وأن الوسيط الجنوبي الذي نقل الدعوة يرسل رسائل مطمئنة الا ان وفد المقدمة الذي ذهب الى جوبا رفع حالة التوتر الى أشدها الا ان السفير مطرف صديق اعطى الضوء النهائي بان الزيارة أمنية ويمكن ان تجرى في اقرب وقت ممكن والذي كان صباح امس . الوفد الحكومي كان بسيطاً وهذا مايتناسب مع الزيارة حيث شمل الرئيس البشير ووزير الدفاع بجانب وزير الخارجية ووزير رئاسة الجمهورية لتحلق الطائرة في الذهاب إلى جوبا التي تصنف الآن أنها من أخطر عواصم العالم . فور وصول الطائرة لمطار جوبا الدولي كان نائب الرئيس الجنوبي جيمس واني في استقبال البشير حيث لوحظ عدم وجود طابور شرف وفسر حضور ايقا للمطار بان الرجل أصبح نفوذه يتمدد كثيرا خاصة وان سلفاكير قربه لانه من الاستوائيين وهم أهل جوبا ويريد ان يحتفظ بمناصرتهم له. تعمدت مراسم دولة الجنوب أن يصطحب أي وزير جنوبي في عربته نظيره في الشمال، أي لم تخصص عربات منفصلة للوزراء المرافقين للرئيس البشير. المطار كانت حركة الطيران فيه عادية الا ان منظر الدبابتين المرابطتين في نهايته كانت تثير القلق وبان الاوضاع كانت على هامش الحذر. جوبا الحذرة بدت مدينة جوبا حذرة وهي تستقبل البشير أمس على الرغم من أن حركة الناس كانت عادية إلا أن الشوارع التي سلكها الوفد الى القصر الرئاسي كانت مغلقة وبابتسامة عريضة استقبل الرئيس سلفاكير الرئيس البشير ووفده وقال لهم ممازحا " كنت قايلكم تخافوا ماتجوا" ليأتي الرد موحيا بأن الخوف لم يتسرب الى القادمين من الخرطوم لينخرط الجانبان في لقاء أول بين الوفدين استمر إلى أربعين دقيقة ولينتهي ليدخل الرئيسان في لقاء مغلق استمر إلى أكثر من ساعة . لقاء الجنرالات الملفات الأمنية وقضية البترول أبرز القضايا التي تمت مناقشتها حيث لم تكن هناك أي مبادرة جديدة، وهذا ما أعلنته الخرطوم وتمسكت به، فقد شدد وزير الخارجية علي كرتي على أن الرئيس البشير لم يطرح أي مبادرات، فقط كان حريصاً على دعم الإيقاد الذي يمثل السودان وسيطاً في فريقها المفاوض في جوبا. جل الزيارة تركزت على موضوع النفط وهو قضية الخرطوم الأساسية، وكان هذا واضحاً في حديث الوزير كرتي الذي أعلن عن استجابة الخرطوم لطلب تقدمت به جوبا لمدها بفريق فنيين في مجال البترول، يفوق عددهم ال(900) فني. كرتي أكد أن مهمتهم فنية، وسيكونون تحت إشراف وإدارة حكومة سلفا، وليس أي طرف آخر، وهي محاولة من الخرطوم لأن تنأى بنفسها عن الصراع، وألا تكون طرفاً فيه، وألا تجر قدمها في منزلق يصعب الخروج منه، خاصة حال تطورت الأزمة ولم يتمكن الوسطاء من تسويتها. جدل قوات البترول جدل وغموض حول خروج أخبار عن الاتفاق عن تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين البلدين لحماية مناطق البترول إلا أن جهات رسمية نفت الأمر وقالت إن الامر انحصر على الفنيين وهذا ما دعا كرتي ألا يخوض في تفاصيلها، واكتفى بأن الترتيبات تجرى لإعلان ذلك قريباً؛ لكن قطعاً هي قوات مسلحة سيكون لديها الحق في التدخل لحماية تلك الآبار في حال تعرضت لأي هجوم. ويعتقد أن الاتفاق على هذه القوات من أهم مخرجات اللقاء إذا جرت تأكيدات عليه ، باعتبار أن حماية البترول أصبحت هاجساً للحكومة منذ بدء المعارك في ولاية أعالي النيل، التي تضم أغلب البترول الجنوبي بعد توقف النفط في ولاية الوحدة. بعيداً عن مشار الملاحظ أمس أن الرئيس البشير كان حريصاً أيضاً على أن يبتعد عن الخوض في أي مطالب تخص مجموعة مشار، مثل قضية إطلاق سراح المعتقلين وإعلانه أن بلاده لن تستضيف أي متمرد جنوبي يعمل ضد حكومة جوبا انطلاقاً من أراضيه.. غداء عكاشة بعد انتهاء القمة الرئاسية بين الرئيس البشير وسلفاكير أخذ البشير الوفد المرافق له قسطا من الراحة ادوا خلالها صلاة الظهر والعصر قصرا وجمعا وعقب انتهاء الاستراحة حضر الرئيس سلفاكير لاصطحاب البشير لتناول وجبة الغداء وحينها سأل سلفاكير البشير "اها السيد الرئيس ارتحتوا وصليتوا " ليرد البشير مبتسما وممازحا" صلينا ياسلفا ودعينا ليكم كمان" لينتهي المشهد بضحكات مقسمة بين الشمال الجنوب . وجبة الغداء التي كانت بدعوة من رجل الأعمال أمين عكاشة كانت تضج بالأكلات الشعبية السودانية والمفاجأة أن المائدة حوت على "حلاوة مولد" وكأن الرجل يريد أن يجمع البلدين في وجبة غداء واحدة. نقاط اللقاء زيارة البشير هذه المرة تأتي في ظل وضع مختلف، إذ يشهد عدد من ولايات الدولة الوليدة معارك ضارية.. سبع ولايات من جملة عشر ولايات مكونة للدولة، وتدور المعارك بين الجيش الشعبي وقوات رياك مشار وتزحف قوات الأخير صوب العاصمة جوبا، بعد أن سيطرت على مدن بانتيو وبور، مقابل سعي مضاد من قبل قوات سلفاكير لاسترداد تلك المدن والحد من سيطرة مشار. وعلى صعيد طاولة التفاوض، لا زالت المواقف متعثرة ولم تحرز تقدماً يفلح في إيقاف إطلاق النارعلى الأقل، بسبب تعنت الأطراف في مواقفها والشروط المسبقة التي يطرحها كل طرف، وباستصحاب تلك المعطيات نجد أن زيارة البشير تنبع أهميتها من أنه يمكن أن يلعب دوراً رئيسياً في تقارب الفرقاء الجنوبيين، ولم يستبعد الخبراء أن تكون منظمة الإيقاد وراء الزيارة المفاجئة التي نفذها البشير إلى جوبا أمس، بغرض إيكال مهمة إقناع سلفاكير بإيقاف إطلاق النار، للتمهيد لإحداث نقلة مباشرة في المفاوضات تسهل الوصول إلى تسوية سياسية. ووفقاً لما رشح من أنباء، فإن البشير دخل في مباحثات مغلقة مع سلفاكير استمرت لأكثر من ساعة ، ويرجح المراقبون أن يسعى البشير لتقارب بين سلفاكير ومشار للحيلولة دون اتساع الصراع، بينما النقطة الأخرى وهي ذات أهمية للطرفين، هي موافقة السودان على مد جوبا بنحو (900) فني سوداني في مجال البترول، وفقاً لطلب تقدمت به جوبا، وسيكونوا تحت إشرافها، بجانب الاتفاق على تكوين قوات رقابة مشتركة لتأمين مناطق البترول في وقت وجيز-لم يتم حسم أمرها، لكن كرتي نفى مناقشة قضية المعتقلين لعدم إدراجها في أجندة النقاش، مشيراً إلى أن سلفا تمسك بعدم إطلاق سراحهم، وأن يقدموا للمحاكمة التي بدأت. الزيارة الثالثة زيارة البشير إلى جوبا أمس، ليست هي الأولى منذ انفصال جنوب السودان، فقد سبق أن نفذ البشير زيارتيْن سابقتيْن إلى عاصمة جنوب السودان: الأولى كانت في إبريل من العام الماضي؛ بينما الثانية كانت في أكتوبر من ذات العام. وفي كل الزيارات السابقة تم التباحث والاتفاق على القضايا العالقة المشتركة بين البلديْن، أبرزها قضايا الحدود والنفط وقضية أبيي، بجانب الاتفاق على عدم إيواء أي طرف للحركات المتمردة المناوئة للطرف الآخر. ولعل اتفاق المصفوفة الذي تم التوصل إليه في أديس أبابا، وتضمن حوالي (8) اتفاقيات، يعتبر الأبرز في محطات الاتفاق بين البلديْن، وقد نجح الطرفان في تنفيذ ذلك، وسادت فترة من الهدوء وانحسر التشاكس بينهما إلى أن وصل سلفاكير في زيارة رسمية إلى الخرطوم، ووقتها تم توقيع عدد من المشروعات بين الطرفيْن، وعَقَب ذلك إعلان حكومة السودان فتحها عشرة معابر تجارية مع دولة الجنوب، إلا أن متغيرات كثيرة جرت تحت جسر العلاقة بين جوباوالخرطوم أبرزها التغييرات الكبيرة في طاقم القيادة بالدولتيْن؛ ففي جوبا قام سلفاكير بإعادة تشكيل حكومته، وقد شهد ذلك التغيير إبعاد وجوه مؤثرة والإتيان بوجوه أخرى، إلا أن ما ترتب على ذلك لا سيما بعد إبعاد نائبه رياك مشار، ولاحقاً إعفائه من منصبه كنائب للرئيس على خلفية تهديده بمنافسة سلفاكير في الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى إبعاد سلفاكير لمجموعة أولاد قرنق المصنفين في خانة العداء ضد الخرطوم؛ أدى إلى تداعيات كثيرة، ولعل أحد أبرز إفرازات ذلك الإجراء الاضطرابات التي حدثت في جوبا، وهي تعتبر نتاجاً لتغييرات سلفاكير، وإبعاد هؤلاء القادة، والذي يصنف في صراع "الأقطاب على السلطة". ورغم أن الخرطوم من جانبها شهدت تغييرات مماثلة في طاقم قيادتها، إلا أن ذلك الإجراء يبدو على الأقل ليس ذا أثر على جوبا بقدر ما أنه مضى في خطوات سابقة. سياسية الحياد تباينت الرؤى وردود الأفعال بشأن زيارة البشير إلى جوبا، فالبعض يتخوف من انزلاق السودان في الوقوف إلى جانب تيار ضد الآخر، وهو ما يؤدي إلى تداعيات غير مأمولة العواقب مستقبلاً، بفعل رمال السياسة المتحركة، خاصة ما ورد في جانب اتفاق البلديْن على نشر قوات مشتركة لحماية النفط، لم يحسم أمرها بعد رسمياً إذ يبرز التخوف من جر السودان عبرها إلى طرف دون الآخر؛ بينما يرى آخرون أن موقف السودان وما يتمتع به من قبول لدى الأطراف، والمعرفة العميقة بخبايا ودهاليز الصراع يحتم عليه بحكم المسؤولية التاريخية ألا يقف مكتوف الأيدي، لا سيما أن السودان أكثر دول الإيقاد تأثيراً، لذا تأتي ضرورة المساهمة في دفع الفرقاء إلى إيقاف الحرب والوصول إلى حل، لجهة أن عدم الاستقرار في الجنوب يؤثر بشكل مباشر على السودان من كافة النواحي، بيد أن ما أبداه السودان من روح طيّبة وترحيب بإيواء النازحين الفارين من الحرب، يشكل علامة أخرى ذات مدلول إيجابي، غير أن معظم المراقبين متفقون على ضرورة أن يلتزم السودان بدور الحياد، والوقوف على مسافة متساوية من كل الأطراف، ومراعاة كافة الجوانب وعدم الانحياز لطرف ضد الآخر.